امتزجت مشاعر الشجن ،الفرحة ، الألم في الحوارمع المهندس عبدالحكيم عبدالناصر نجل الرئيس الراحل جمال عبدالناصروالذى تناول فيه ذكرياته مع والده الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكانت اقساها على نفسه مشهد الوفاة ،عبد الحكيم يحمل مبادئ والده بالخمسينيات ويرى أن الاوضاع الان لم تتغير كثيرا عن هذه الحقبه ومازلنا نحتاج تحقيق الحرية الاجتماعية لكى نصل للحرية السياسية الحوار تطرق لذكرياته عن فترة حكم ناصر وإنطباعه على حملة الهجوم التى حاولت اغتيال تاريخ عبدالناصر كما تناول علاقة الأخوان بوالده وأسباب الخلاف بينهما وعلاقته بمحمد نجيب وعبدالحكيم عامر وطالب عبدالحكيم بإعادة التحقيق فى ملابسات وفاة والده التي يؤكد انها لم تكن طبيعيه . -أبناء جمال عبدالناصر لماذا ابتعدوا عن الحياة السياسية ؟ لسنا بعيدين عن الحياة السياسية أسماؤنا تمثل حياة سياسية ومهما حاولنا أن لا ننغمس فيها نجدها تحوطنا من كل اتجاه . -فلم لم تبلور ذلك في إطار عمل حزبي ؟ أرى أن جميع الأحزاب فاشلة وذلك يعود لفشل الحياة الحزبية نفسها وذلك منذ زمن بعيد ، فالأحزاب التي أسست بعد دستور 23 حُلت بقرار كتب بخط يد ضباط شباب عام 1953 ولم نجد لها أي صدى بالشارع المصري حتى بالنسبة لأكبر الأحزاب بها وكان يمثل الأغلبية وهو حزب الوفد وهذا يوافق رؤية جمال عبدالناصر من أنه لن تقوم حرية سياسية بدون حرية اجتماعية فالديمقراطية ليست مجرد حليه أو شكل أوربي يستلزم علينا الأخذ به لتكون دولة ديمقراطية مثلهم ، فالديمقراطية لاوجود لها بدون حرية سياسية واجتماعية معاً . فقبل ثورة 1952 لم يكن هناك وجود للحرية الاجتماعية فقد كان نصف بالمائة من الشعب هم الذين يملكون كل شيء في حين أن ال 99.5 في المائة كانت منعدمة ولذا كان كبار الملاك يتحكمون في أصوات صغار الفلاحيين مستخدمين سطوة رأس المال لديهم ، ومع انعدام الحرية الاجتماعية لنا ان تخيل شكل الحرية السياسية التي تنتج عنها فلم تكن سوى حياة كرتونية خالية من الملامح إلى أن جاءت ثورة يوليو وعبرت عن أمال الشعب وأمانيه والذى وجد الضباط الأحرار منحازين انحيازا تاما لهم فعلاً وليس قولاً فبعد 48 يوما من تاريخ قيام الثورة وحصول الفلاح على خمسه فدادين من الإصلاح الزراعي وهذه كانت المرة الأولى التي يتملك فيها الفلاحين الارض . -ألا ترى أنك متمسك بوجهة نظر عبدالناصر حول الأحزاب والتي انتقدها البعض اعتبرها ديكتاتورية ورغبة في الحكم منفرداً ؟ الحقيقة عكس ذلك فلو اطلعنا على التجربة الحزبية قبل الثورة والتي كانت مشكلة من أصحاب الأملاك والأراضي ورؤوس الأموال وهم الذين كانوا يترأسون الأحزاب وهم الموجودين في مجلس العموم وكانوا يديرون البلاد لصالحهم ولم يكن للشعب وجود بينهم ويجب أن نعترف أن حرية صندوق الانتخابات مرتبطة بحرية رغيف الخبز فلا يمكن أن يكون لدينا نسبة 40 % من الشعب تحت خط الفقر وننتظر حرية في صندوق الانتخابات وبعيدة عن سيطرة رؤوس الأموال لأن ذلك يستلزم وعى وجهد كبير جداً مع وجود قوى وطنية تعبر عن الشعب ويشعر بها بحيث تحاصر جميع القوى الرأسمالية التي في إمكانها شراء الناس . -هل ترى أن الوضع في الخمسينيات هو القائم حالياً ؟ بالتأكيد -وما رؤيتك للتعامل مع هذه الأوضاع لتحقيق الديمقراطية واقعاً ملموساً ؟ نسعى لتكوين كتلة وطنيه تعبر فيها جميع الشخصيات الوطنية والتي أثبتت ذلك فعلاً خلال الثلاث سنوات الماضية ولم يكن لها أجندات خاصة ولم تنحز للسلطة ولم تعقد تحالفات مع أعداء الشعب لتحصل على عدد مقاعد البرلمان .. -ما رأيك في الأحزاب الناصرية الموجودة ؟ لست عضو في أيي منها ، لأنها تتحدث باسم عبدالناصر دون أن تمثل أهدافه ، كما أن كل الزعامات الموجودة بهذه الأحزاب ليس لهم علاقة بالشباب الناصري والذين لم يعاصروه ولكنهم يحيون على مبادئه وقابلت الكثير منهم والذين يحملون صوره وخطبه على هواتفهم . -ماذا تشعر عندما تلمس حب هؤلاء الشباب لعبدالناصر؟ لا يمكنني وصف مشاعري ولكن مشاعر الشباب تجاه عبدالناصر هي الثروة الحقيقية لنا كأبناؤه والتي لا تقدر بمال ولا بأي شيء أخر . - ماهو شعوره عند الهجوم على عبدالناصر في العام الماضي حين قال مرسي " الستينات وما أدراك بالستينات "؟ الهجوم على عبدالناصر لم يبدأ من الإخوان ولكن بدأ منذ أكثر من 40 عاماً فأول خطوة في تمهيد طريق الهجوم كان انقلاب 15 مايو والذى سمى ظلماً وبهتاناً بثوره التصحيح وتم الإطاحة برموز من ثورة 23 يوليو بلغ عددهم ما يقرب من التسعين شخصية ثم ازداد الهجوم بعد حرب 73 وبالتحديد في 7 نوفمبر وهو تاريخ زيارة كسينجر لمصر فكان التوجه السياسي في مصر آنذاك لاغتيال عبدالناصر الرمز وخير دليل على ذلك إقالة محمد حسنين هيكل واستبداله ب على ومصطفى أمين وهو الشخص الذى أقل ما يقال عنه إنه جاسوس وذلك بحكم قضائي لم يتم تبرئته منه ولكن السادات هو من أخرجه من السجن بعفو رئاسي . لكن السادات كان صديقا لعبدالناصر؟ هذا ليس له علاقة بالصداقة فالسادات كان صديق لعبدالناصر في حياته لكن بعد وفاته أصبح رئيس الجمهورية . -لماذا تعتبر ثورة التصحيح بداية الهجوم على ناصر؟ لأنها أقصت كل الذين كانوا ينفذون مشروعه . -هل كانوا ينفذون مشروع ناصر أم يريدون الوصول للحكم ؟ لو كانوا يريدون الوصول للسلطة لما أتوا بالسادات من البداية . -ألم يتوقف ذلك الهجوم في عهد مبارك ؟ حدثت في مبارك نقلة نوعية وظهرت لأول مرة خطب عبدالناصر وأغاني عبدالحليم عنه ، إلا أن سياسة الدولة ظلت تسير على نفس النوال في عهد السادات وسار مبارك نحو الاقتصاد الحر والتزام باتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام الإسرائيلية . -لو افترضنا وجود عبدالناصر وقت حرب 73 وحدث الانتصار آلا تعتقد أنه كان سيتقبل معاهدة السلام ؟ بلا شك كان سيرفضها ودليل ذلك خطابين لعبدالناصر أحداهما في 24 أبريل عام 68 في القاعة الكبرى بجامعة القاهرة وقبل الاستفتاء على بيان 30 مارس بأسبوع وذكر فيه بالنص "لو أن المسألة عودة سيناء فقط فهو أمر سهل "تعود بكره " وذلك بتنازلات ونقبل شروط إسرائيل وأمريكا ونتخلى عن التزامنا العربي ونترك لإسرائيل اليد الطويلة في القدس والدول العربية ويحققوا حلمهم من النيل للفرات"، و تلك الحالات التى تجعل إسرائيل تترك سيناء من غداً ، وأضاف قائلاً أن المسألة ليست سيناء وحدها بل مصير العرب فالمسألة أن نكون أو لا نكون . وفى الخطاب الثاني في يوليو 68 قال فيه بالنص "أن إسرائيل اليوم ورائها أمريكا وقوتها وتحتل سيناء وهى متأكدة أن هذا الاحتلال ثقيل على قلب كل مصري ولن تنسحب إلا إذا أرغمت على ذلك وهى ترغب في استمرار الاحتلال أملة أن تتغير النظم في مصر ويأتي نظام يقبل توقيع اتفاقية سلام معها" "وهذا ما حدث فعلاً ". -ألا ترى أن قبول الرئيس عبدالناصر لحلول سلمية لتفادى حرب 67 يعنى موافقته على التفاوض حول السلام ؟ لا، وهناك فارق ما بين أن نتفادى حرب في وقت معين وأن تلغيها نهائياً وتقبلي فكرة وجود إسرائيل وتعتبريه ً كأى جار. هل تعتقد أن عبدالناصر كان سيظل متمسكاً بعدم اعترافه بدولة إسرائيل ؟ لا يمكن أن نعترف بدولة إسرائيل بدون عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وإسرائيل لا تود السلام وتريد أن تكون الدولة الفتوة بالمنطقة وفى ظل تشرذم المنطقة هي بالفعل التي تتفوق على العرب بمساندة امريكية لأنها الطفل المدلل لأمريكا . -ألا ترى إيجابيات لمعاهدة السلام ؟ من أخطر التصرفات التي قمنا بها على مدار السنوات الماضية أننا اعتمدنا على تسيلح جيشنا من الراعي الرسمي لإسرائيل وللأسف واكب ذلك توقف مشروعنا النووي والصناعات العسكرية وتخلفت بعد أن كنا توصلنا عام 65 لإنتاج طائرة سرعتها تفوق سرعة الصوت مع الهند ولكنى أرى أننا أفقنا مؤخراً وبدأنا ننظر لمناطق الخلل التي نعانى منها ويمثل ذلك زيارة المشير السيسي لروسيا والذى يقف على حجم الأزمة ويعلم أنه لو كنا خطونا بنفس الوتيرة التي سار عليها عبدالناصر في صناعة الأسلحة لتمكنا من صناعة صواريخ تصل للقمر الأن ولكننا للأسف سرنا لفترة 40 عاماً عكس الاتجاه السليم. -هل كان عبدالناصر يملك الرؤية المستقبلية أم أن المجموعة التي معه كانت ذو كفاءة عالية ساعدته على الإنجاز ؟ عبدالناصر كان يملك الرؤية بالإضافة إلي أن المجموعة التي عملت معه من بعد حرب 56 كانت مجموعة تكنوقراط من أكفأ شباب مصر ، وكان أول وزير صناعة في مصر عزيز صدقي و لم يتعد سنه وقتها ال 36 عاماً وكان حاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد بأمريكا ومصطفى خليل والحاصل على درجة الدكتوراه من أمريكا وكذلك القيسونى ومسلك عبدالناصر أتمنى أن يكون رسالة للمشير وأن يستعين بالشباب . -ماردك على القول بأن حقبة عبدالناصر كانت ترسخ للحكم العسكري ؟ لو كان عبدالناصر يرسخ للحكم العسكري لما أتى بالنخبة التكنوقراط ولكن هذا لا يمنع ضرورة وجود شخصيات عسكرية لحماية الثورة ، كما يجب أن لا ننسى أن مصر علاقة الشعب بالجيش به علاقة مختلفة عن كل الدول فالشعب هوالجيش ، والجبش الشعب . -ماردك في تعمد ترديد كلمة العسكر على الجيش المصري بالسنوات الأخيرة ؟ هذا باطل يراد به باطل وترديد هذه النغمة متعمد بعد أن ساند الجيش الإرادة الشعبية والتي استدعته للخلاص من الحكم الفاشل للإخوان. -علاقة جمال عبدالناصر بالإخوان وترديد البعض أنه كان من أعضائها فما حقيقة تلك العلاقة ؟ معرفتي بالإخوان علمتها وعمرى عشر سنوات وكنا نصيف في الإسكندرية حيث فوجئنا بصدور تعليمات بعدم الخروج من المنزل وعندما سألت قيل لنا أن هناك جماعة الإخوان المسلمين تريد عمل انقلاب وقتل عبدالناصر وأبنائه مستهدفين وكان تعجبي في حينها كيف يكونوا إخونآ ومسلمين ويسعون لاقتراف تلك الجرائم والتى سعوا من أجل ارتكابها تجنيد أحد الأشخاص بالحرس الجمهوري وسعيهم لتفجير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا وقتل الرئيس ونوابه وتفجير المسارح . -مذكرات الإخوان تؤكد انتماء عبدالناصر لتنظيمهم فما حقيقة ذلك ؟ ما أعلمه أن والدى قبل ثورة 23 يوليو وفى خلال تكوينه السياسي دخل كل التنظيمات عن قرب فهو كان رجل متمرد على الظلم الاجتماعي البين وعلى الاحتلال الموجود في مصر وهذا ما جعله ينضم لكل التنظيمات إلا انه كان يكتشف أنهم ليسوا بالنقاء الذى ينشده فقد جلس مع الشيوعيين ووجد لهم أجندة خاصة بهم لا تمثل المصريين ولذا تركهم وكذلك فعل مع الإخوان والذين كانوا يتحدثون ضد الإنجليز وباسم الدين وعن العدالة لكن وجد أن لديهم خطوطا أحمر وبينهم وبين الملك مهادنات وموائمات خاصة ولذا خرج من تلك التنظيمات ورأى أنه يجب تكوين جبهة وطنية لكى تستولى على الحكم ليحدث الثورة . -لغط كثير يتردد حول علاقة عبدالناصر بمحمد نجيب وتدميره هو وأسرته فما حقيقة ذلك ؟ علاقة عبدالناصر بمحمد نجيب لم أعاصرها لأنى من مواليد 1955 ولكن ما يمكنني قوله مما أطلعت عليه من معلومات أن الصراع بينهما حدث من تدخل القوى الرجعية ضد الثورة والتي تمكنت من استقطاب محمد نجيب ضد مجلس قيادة الثورة وهذا يسير مع المنطق فالناس لم تكن تعرف عبدالناصر لأن نجيب كان يتصدر المشهد ولكن واقع الأمر أن مجلس قيادة الثورة وحكم مصر كان بقيادة جمال عبدالناصر ومحمد نجيب نفسه كان يعلم أن ناصر هو قائد الثورة فهو لم يكن له علاقة بالحركة الثورية وأتو به الثالثة صباحاً بعد أن نجحوا في حركتهم ، فالإخوان المسلمين حاولوا فرض سيطرتهم على الثورة وقراراتها وكانوا يطالبون بضرورة موافقة مكتب الإرشاد على أي وزير قبل تعيينه ومن هنا جاء الخلاف فعبدالناصر لم يرفض مشاركتهم العمل ولكن رفض سعيهم لفرض الوصايا على الثورة ولذا قرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين ووقع عليها محمد نجيب بضغط من المجلس وبعدها حدثت أزمة مارس ورحل نجيب بعد تقديمه استقالته ثم هاجت الدنيا ضد مجلس قيادة الثورة وعاد نجيب مره أخرى إلا أنهم فوجئوا بسعي فلول 52 تحاول تصدر المشهد السياسي من جديد مما أثار حفيظة الشعب وبدأت تخرج مظاهرات ضدهم ومطالبة بعودة مجلس قيادة الثورة لأداره البلاد وأعفى محمد نجيب من رئاسة الدولة بعد أن سعى الإخوان لاغتيال عبدالناصر وإفراغ الساحة لنجيب . -ولكن ما ردك على أن جمال عبدالناصر ترصد عائلة نجيب ودمرهما ؟ جمال عبدالناصر لم يكن لديه روح الانتقام والذين حاولوا الانقلاب عليه من الضباط الأحرارتم تعينهم سفراء بعد محاكمتهم وهذا ما حدث مع مجموعة خالد محيي الدين . -هناك تجاوزات في عهد عبدالناصر والتى أبرز جزء منها فيلم الكرنك فكيف لم يرصد الرئيس عبدالناصر تلك التجاوزات ؟ أولاً فيلم الكرنك كان من ضمن حملة الهجوم على عبدالناصر كما أن عبدالناصر لم يترك الأشخاص الذين تجاوزوا فصلاح نصر وشمس بدران وغيرهما تم محاكمتهما ودخلا السجن وللأسف السادات هو الذى أخرجهما من السجن قبل انتهاء مدة عقوبتهم ويجب أن نعلم أن أي عمل لأنسان مهما توفرت فيه الإيجابيات فلابد من وجود السلبيات والمشكلة أن التجاوزات حدثت من جهاز المخابرات والذى يفترض به البحث والإبلاغ عنها فهل كان من المفترض أن يتم عمل مخابرات على المخابرات . -ما ردك على أن بعض ضباط الثورة حققوا ثراء بعد الثورة من حصولهم على الأموال والمجوهرات والقصور التي كانت تأمم؟ لم يحدث ثراء لأحد من الضباط الأحرار ولكن الثراء الفاحش حدث فجأة بعد عام 1975 ، فالفساد موجود في كل العصور ولكن في عهد عبدالناصر كان في أضيق الحدود وخير مثال على ذلك التسعين شخصية الذين قبض عليهم عام 1971 مع أنهم كانوا بمثابة الكريمة حول جمال عبدالناصر إلا أنه لم يتمكن أحد من أن يتهم أيا منهم بقضية فساد . -عبدالحكيم عامر وعبدالناصر قصة تحوم حولها الأقاويل فما حقيقتها ؟ من أول ما وعيت على الدنيا حتى تاريخ أزمة 67 يرد إلى خاطري أو أتخيل أن يحدث أي خلاف بين عبدالناصر والمشير وكنا أسرة واحدة ومنازلنا الصيفية كانت متلاصقة لا يفصلها حتى سور فكانت هناك صداقة بكل ما تعنيه الكلمة من معانى . -وكيف دب الخلاف بينهما ؟ الخلاف ظهر لوجود طرف ثالث اسمه مصر والتي تعرضت لأكبر هزيمة عسكرية لم يكن يتخيلها أحد واحدهما كان المسئول عن الجيش والآخر مسئولا عن البلد . -هل فوض عبدالناصرالمشير بأمور الجيش كلها دون تدخل منه ؟ المشير كان مسئولا عن الجيش وعامر ضحية المحيطين به والذين بثوا في نفسيته الحقد وألبوه بأنه يجب إلا يكون الرجل الثاني والأجدر به أن يكون الأول وبعد أزمة 67 ترسبت كل المشاكل وكان لابد من اتخاذ إجراءات حاسمة فالقوات المسلحة واجهت مشاكل وقصور في أداء بعض القيادات بها من فترة حرب 56 ورغم انتصارنا السياسي فيها إلا أن الأداء العسكري كان به قصور وبالتحديد من قيادات بالقوات الجوية ، وفى وقتها أصر عبدالناصر على ضرورة تغيير تلك القيادات وهذا ما رفضه المشير وصمم على عدم التغيير وأعتبر ذلك إهانة شخصية له وربط وقتها وجوده بهذا التغيير فما كان من عبدالناصر إلا أن قبل أنصاف الحلول ليمر من تلك الأزمة وتكررت المشاكل الخاصة بالجيش وكان الأمر يستدعى التغيير ولكن كان يقابل ذلك برفض من المشير وكان عبدالناصر يجد نفسه بين أمرين إما الاصطدام أنصاف الحلول ، ولكن بعد 67 وبعد رد فعل الشعب اعطاه او ورفض فكرة أنصاف الحلول ، ولذا كان أول قرار ينفذه بعد عودته في 10 يونيو عزل جميع قيادات الجيش وتعيين قيادة جديدة له والتي يترأسها الفريق أول محمد فوزى مع الفريق عبدالمنعم رياض وهذا ما أثار المشير والمحيطين به والذين رأوا أنهم سيفقدون امتيازاتهم وسيحاكمون على التجاوزات التي اقترفوها ولذا سعوا للانقلاب على عبدالناصر . -هل محاولة انقلاب المشير كانت محاولة منه لتحميل الهزيمة لعبدالناصر ؟ عبدالناصر أعلن مسئوليته وتنحى وترك مصيره لله والشعب خرج بالملايين مطالباً عبدالناصر بالبقاء ولم يطالب بأحد غيره فشعبنا مختلف عن أي شعوب بالدنيا ، -ماردك على قول البعض إن خطوة التنحي لعبدالناصر لم تكن إلا تمثيلية ؟ كيف تكون خطوة تنحى من رئيس تمثيلية وأي تمثيلية يتحدثون عنها ، فعلى مدار الأربعين عاماً الماضية لم أقابل شخص إلا وسرد لي مكان وجوده وقت إلقاء خطاب التنحي وجميعهم خرجوا دون ادراك إلى الشوارع ولم أسمع مثلا أن هيئات أو مؤسسات أو اتحادات حاولت تجميع المواطنين ، وأتساءل هل هناك تنظيم يمكنه انزال الملايين التي خرجت بعد خطاب التنحي في عواصممحافظات مصر ولبيا وسوريا ولبنان والسعودية والخليج العربي. - كيف كانت أجواء منزل عبدالناصر وقت الهزيمة واستعداده للتنحي ؟ كان عمرى 12 عاماً ولم أكن أعي معنى كلمة تنحى ولكنى وجدت بكاء يملئ المكان وأتذكر أن والدى عاد للمنزل ووالدتي كانت تنتظره على السلم وقالت له " كفاية كده ويجب أن نرتاح " ثم دخلا غرفتهم وبدأنا نتساءل أنا وإخوتي هل سنرحل عن المنزل ونترك الحديقة الكبيرة . -هل كان في تصور عبدالناصر أن رد فعل الشعب سيكون بهذه الطريقة وكيف كان إحساسه في حينها ؟ عبدالناصر لم يكن متخيل أن رد الشعب سيكون بهذا الشكل بل كان مقتنع أن الأمر انتهى لهذا الحد وأن أحد سيأتي على إجراءات التفاوض مع إسرائيل وأنه سيواجه المحاكم والعقوبة . -ألم يتحدث عبدالناصر مع عامر بعد الهزيمة ؟ جاء البيت عندنا كثيراً جداً وعقدوا جلسات عديدة وتناقشوا فيها بعد 67 لكن المشير كان مصمما على المواجهة وشكل مجموعة لعمل الانقلاب مع جلال هريدي "وهو الرجل الذى كرمه مرسى في عام حكمه ومنحه رتبة فريق " . وكان يواكب تلك المساعي اقتراب موعد مؤتمر الخرطوم والذى يستلزم مشاركة عبدالناصر والذى لم يكن يجدر به السفر ويترك قنبلة موقوتة بالبلاد فلقد كان المشير في منزله أسلحة بإمكانها تدمير حي العجوزة بأكمله ، ولذا سعى للقائه وهذه الجلسة دونتها مذكرات شخصيات كثيرة كما أنها مسجلة شأنها شأن أي لقاءات تتم بمؤسسة الرئاسة وهى موجودة بالتأكيد في أرشيف رئاسة الجمهورية ، فهذه الجلسة كانت عباره عن عتاب ومحاكمة داخلية للمشير في إثنائها تم القبض على سائق المشير وحراسه وتوجه الحرس الجمهوري لمنزل المشير بتعليمات عدم المساس بأسرتة المشير مهما حدث وتم القبض على المتواجدين من المجموعة الانقلابية وسلموا أسلحتهم ، وحدث ذلك أثناء اجتماعهم بالجلسة والتي شارك فيها حسين الشافعي والسادات وكانت جلسة عاصفة وحادة قال عبدالناصر ما يريد ثم ترك المكان وصعد وعقب ذلك دخل المشير الحمام وعند خروجه صرخ قائلاً " أنتم تريدون التخلص منى سأريحكم منى وسأقتل نفسى " ، وبالفعل ابتلع احدى الحبوب محاولاً الانتحار ولكن الموجودين استدعوا الأطباء لإسعافه وبعد أن هدأت حالته تم توصيله للمنزل . -لدى هدى عبدالناصر شكوك أن والدها قتله السادات فهل تساوركم نفس الشكوك ؟ عندما أرى الآن توقيت وفاة عبدالناصر والظروف التي أحاطت بها والأحداث التي نتجت عن الوفاة ويزيد على ذلك أن عام 69 نجحت المخابرات العامة أن تضع أجهزة تنصت داخل السفارة الأمريكية بالعملية المشهورة "العملية العصفور" وكان يتم رصد كل ما يحدث داخل السفارة والشخص المسئول عن تفريغ الأشرطة كان يسلمها كل أسبوع للرئيس وهذه التسجيلات أظهرت في حينها الحديث عن أن الأوضاع ستتغير في مصر بعد عام 69 كما أن مذكرات هنري كسينجر أوضحت أنه بعد قبول مصر اتفاقية روجرز وتم وقف اطلاق النيران عام 68 وذكر كسينجر لقاء مع أحد الأشخاص والذى قال أن الهدنة 90 يوماً فما التصرف بعد انتهاء تلك المدة فكان رد كسينجر أن الدنيا ستتغير خلال تلك المدة ؟ وكان التغير المقصود هو اختفاء عبدالناصر من المشهد ورغم أن الوفاة التي شاهدتها لأبى تبدو طبيعية وبدت كأنها أزمة قلبية وقد عانى من نفس الأزمة في العام الذى سبق وفاته إلا أنى اليوم أرى من الصعب جداً أن تكون وفاة عبدالناصر طبيعية أما من لهم المصلحة في وفاته فهم كثيرون ويجب أن يعرف من كان يحيط بعبدالناصر ومقرب منه ثم بعد ذلك اتضح وجود علاقة له مع الأمريكان والقضية يجب أن يعاد التحقيق بها ولكنى لا أعرف هل سنقوى على قصة أخذ عينة DNA من عدمه لأن هذا أمر صعب بالنسبة لنا . -لو تمت الاستجابة لمطلبكم بأعاده التحقيق بالقضية فالوضع سيستلزم أخذ العينة فهل سترفضون ؟ سادت لحظة صمت ولمحت نظرة حزن وشجن من الأبن عبدالحكيم عبد الناصر ثم بدأ يتنهد ويقول بصوت مكتوم " لا أعرف كيف يكون تصرفنا وقتها ....لا أعلم ". -وهنا حاولت الخروج من حالة الحزن التي أحاطت بالمكان فسألته.. ماذا يشعر أبناء جمال عبدالناصر بكونهم أبناء هذا الزعيم ؟ بدا عليه الانشراح ،وقال نشعر بالفرحة العارمة وأن الدنيا لاتسعنا وخصوصاً بعد الحملة الشرسة التي تعرض لها على مدى أربعين عاما ً يخرج الشعب المصري العظيم يرد له اعتباره ويأخذ له ثأره. فيكفى أن ثورة 25 يناير أن الصورة الوحيدة الموجودة بميدان التحرير كانت لعبدالناصر كما أعتبر أن عبدالناصر قائد 30 يونيو فيكفى أن الشعب عندما استدعى السيسي كان يضع صورة عبدالناصر بجوار صورته وطالبوه بالسير على نهجه ووصفوا أنفسهم بأحفاد ناصر . -ألم تقابل شخصيات من التي طالها التأميم وعبروا لك عن غضبهم من والدك ؟ نعم قابلت الكثيرين منهم وأرد عليهم بشأن هذه الفترة أراد الله أن ينصف شعب مصر من ظلم قائم عليه وأنصفه من أصحاب رؤوس الأموال ومن الأقطاعين. -هل ترى أن ذلك القرار كان سليم أم شابته أخطاء ؟ أمريكا وإنجلترا في عام 2008 أممتا بنوكا عندما مرت بأزمة اقتصادية وأرى اليوم أن لو لم يتعظ أصحاب رؤوس الأموال من التاريخ سيدخلون في مشكلة كبيرة جداً ولا أعرف كيف سيتم معالجتها فالدولة عليها التزامات ويجب عليها أن تعود قاطرة الإنتاج والاستثمار ولهما واقعتين بالتاريخ . أولهما في عهد محمد على وكان لديه رؤية ويريد النهضة لمصر وكان يستلزم رؤوس الأموال فجلس مع المماليك الذين كانوا يملكون الثروة في مصر ليكون شركاء معهم في عمل النهضة بالبلاد فأستمر معهم في الحوار لمدة خمس سنوات وعندما لم يجد حلا دعاهم على للعشاء في القلعة وهذا هو التاريخ ثم أعلن بعدها أنه المالك الوحيد لثروة مصر وأراضيها وبدأ مشروعه والذى انتهى بموقعة نفارين 1840 وتم تكتيفه بمعاهدة لندن . ثم الواقعة الثانية في ثورة 23 يوليو والتي كان لها مبادئ ستة من بينهم القضاء على الأقطاع وأعوانه وعلى الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم وبالفعل تمكنت الثورة من تحقيق المبادئ الأولى بالقضاء على الاستعمار وأعوانه ثم بدأوا ينظرون للنهضة ليعمل لتحقيق تنمية تكفى كل المصريين وليس الواحد بالمائة منه فشرعوا في انشاء السد العالي وحل قضية التمويل له بتأميم قناة السويس ونظراً لأن أغلب الثروات المصرية كان يمتلكها الأجانب فبدأت عملية التمهيد لها وظلت الرأسمالية المصرية من عام 57 إلى 60 بعيده عن التعاون مع جمال عبدالناصر في عملية التنمية ولم يكن هناك بداً من تأميمها وخصوصاً أن جزء كبير منهم بدأ يعمل ضده فالتأميم لم يكن طمع في ثروات الناس بقدر ما كان رغبة لتحجيم القوى المضادة للثورة . -وأنتم أبناء رئيس الدولة هل شعرتم أن ذلك كان ميزة أم عناء ؟ بها ميزة وعناء في نفس الوقت فكنا ونحن أطفال سعداء بالمنزل الكبير والحديقة الواسعة التي كنا نلعب كرة القدم بها ، أما العناء من القيود التي كانت علينا والتي تلزمنا بألا نكون متميزين بأي شيء زيادة عن الأخرين حتى لا يقال إننا نستأثر بأشياء لا تتوفر لهم كون إننا أبناء رئيس الجمهورية فهذه كانت نقطة حساسة لدى عبدالناصر وكان يحرص أن نكون مثل زملائنا في طريقة لبسنا حتى لا تكون مختلفين عن باقي الناس فلم نرتدى أي ملابس من الخارج وكنا نرتدى ملابس صيدناوى وشيكوريل ما جعلنا نتمكن من التعايش بعد رحيل والدى . -هل كان عبدالناصر منشغلا عن أبنائه بسبب الرئاسة أم كان حريص على متابعتكم ؟ رغم انشغال والدى في العمل طوال اليوم ما بين اللقاءات أو الاتصالات إلا أنه كان يتابعنا ولم نشعر ببعده عنا لدرجة لو دخلت عليه وهو يتحدث في التليفون وفور أن يلمحنا يبتسم لنا بطريقة يشعرنا إننا كل دائرة اهتمامه وفى أغلب الأوقات كنا مجلس معه وهو يجرى اتصالاته وننتظره حتي ينتهى منها ثم نشاهد الأفلام سوياً وفى حالة انشغاله أوحضور أحد يطلب منا متابعة ليسمعها منا بعد ذلك .