تشهد مصر حالة غير مسبوقة من الانفلات الإعلامي ترجع في أحد أسبابها الرئيسية الي حالة السيولة السياسية التي تعيشها البلاد حاليا, ويأخذ هذا الإنفلات العديد من الأشكال والمستويات, كما يترك آثاره السلبية علي اتجاهات الرأي العام المصري. وتتعدد أسباب حالة الانفلات الإعلامي التي تعيشها مصر حاليا, ويأتي في مقدمتها الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في مجال الإعلام خاصة في مجال انشاء القنوات الفضائية الجديدة, ليصبح عدد هذه القنوات في تضاعف مستمر, يضاف لما سبق ظاهرة الاحتكار الاعلامي علي مستوي القنوات الفضائية والصحف الخاصة, ووجود تأثير ملحوظ لسيطرة رأس المال علي التوجه السياسي للصحف والفضائيات بما يخدم مصالح مالكيها. وتتعدد ملامح الانفلات الإعلامي الذي شهدته مصر في الآونة الأخيرة, ساعدها في ذلك سوء الادارة السياسية للأزمات المختلفة التي واجهتها مصر خلال الشهور الماضية, إضافة الي قصور الخطاب الإعلامي الصادر عن الادارة السياسية, حيث ينقصه اكتمال المعلومات ودقتها ومصداقيتها بما يضعف قدرته علي الاقناع, ويعطي الفرصة لوسائل الإعلام لنشر الشائعات, والاجتهاد في تقديم تفسيرات خاطئة للأحداث الجارية. واختفت لدي بعض الصحف وبرامج التوك شو الفضائية معايير الأداء المهني التي تضمن ضبط إيقاع العمل الإعلامي في الظروف الحرجة التي تشهدها مصر, حيث ظهر بوضوح التحيز لوجهة نظر معينة علي حساب التوازن, وتفضيل السبق الإعلامي علي الدقة, وغلبة الإثارة علي الحقيقة, وعدم التمييز بين الآراء والحقائق, وتفضيل المصلحة الخاصة علي العامة. وعكست بعض الفضائيات حالة من الجدل العقيم تجاه الأحداث الجارية أسهم في تأجيج الصراع بين القوي السياسية. وجنحت بعض القنوات الدينية عن متطلبات هذه المرحلة الحرجة, وافتقد حديث البعض في هذه القنوات للمسئولية, فبعدت عن روح التسامح والتآخي التي يحتاجها الوطن في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضي. وأسهمت بعض الصحف والفضائيات في الترويج لمناخ عام سلبي, وأحدث هذا المناخ آثارا نفسية واجتماعية سلبية لدي قطاع عريض من المواطنين. وربما تتمثل أخطر نتائج الإنفلات الإعلامي الذي تشهده البلاد حاليا في حالة الانقسام الذي يشهده الرأي العام المصري في الوقت الراهن, فالمصريون منقسمون علي أنفسهم حاليا بشأن أسباب ما يحدث في وطنهم, كما أنهم منقسمون حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأزمات المتلاحقة. ان ضبط إيقاع الأداء الإعلامي في مصر, بما يضمن تحقيق التوازن بين حرية الإعلام وتحمل مسئولياته المهنية والوطنية أصبح مطلبا ضروريا أكثر من أي وقت مضي, ويتطلب تنفيذ هذا الهدف تفعيل دور الآليات المؤسسية ويأتي في مقدمتها المجلس الأعلي للصحافة, كما يقترح لترشيد أداء الفضائيات, سرعة تشكيل لجنة مستقلة لمتابعة الأداء التليفزيوني, لتختص بمراجعة الأداء الإعلامي بالقنوات الحكومية والخاصة, علي ان تقتصر عضويتها علي إعلاميين يتميزون بالخبرة والنزاهة والموضوعية, ويتمتعون في عملهم باستقلال كامل, وتصدر هذه اللجنة تقارير متابعة شهرية عن الأداء الإعلامي بالقنوات الحكومية والخاصة, ويتصل بضمانات الالتزام بالمسئولية المهنية في الأداء الاعلامي ترسيخ مبدأ مساءلة الإعلامي أمام نقابته للحد من رفع القضايا ضد الإعلاميين أمام النيابة العامة, ويتطلب ذلك تحديث ميثاق الشرف الصحفي, ليصبح أكثر تحديدا بدلا من الصياغات الانشائية العامة, إضافة الي جدية النقابة وسرعة حسمها في محاسبة أعضائها وينبغي الاستفادة من تجربة نقابة الصحفيين في مساءلة أعضائها في وضع آليات العمل والمحاسبة في نقابة الإعلاميين الجاري تأسيسها, لترسيخ مبدأ إعلاء دور النقابة في مساءلة أعضائها من العاملين بالإذاعة والتليفزيون, علي أن يتضمن ميثاق الشرف الإعلامي كودا أخلاقيا ومهنيا أكثر تحديدا وارتباطا بالعمل الإذاعي والتليفزيوني بعيدا عن الصياغات العامة. ويتوازي مع المقترحات السابقة, ضرورة إسراع الحكومة في إصدار قانون حرية تداول المعلومات, وإتاحة المصادر الرسمية التي تغذي الإعلام بالمعلومات بشكل مستمر, للحد من انتشار الأخبار غير الدقيقة, في اطار تطبيق مبدأ حق الجمهور في معرفة حقيقة ما يجري علي أرض الوطن. المزيد من مقالات د . عادل عبد الغفار