هذه الفوضي الإعلامية.. ومضار الفيس بوك بقلم : عباس الطرابيلي منذ 24 دقيقة 48 ثانية لا جدال أن مصر تواجه الآن مشكلة خطيرة.. سببها هذا الانفلات الإعلامي الخطير، وللأسف سبب ذلك هو تلك الحرية المفرطة التي صاحبت ثورة يناير العظيمة.. ويبدو أن مصر خرجت من عصر السيطرة الإعلامية الشديدة للدولة.. ودخلت عصر هذه الفوضي الإعلامية، التي تضر أكثر مما تفيد. والفوضي الإعلامية، الحالية سببها هذا الكبت الإعلامي رغم أن مصر عرفت نوعاً من حرية الصحافة - في السنوات العشر الأخيرة - لم تعرفه من قبل. فقد صدر العديد من الصحف الجديدة.. سواء التي كانت تخضع للمجلس الأعلي للصحافة، أو التي صدرت بناء علي تراخيص تصدر من لندن أو قبرص أو غيرهما.. وهذه الصحف وتلك هزت عرش الصحف القومية.. بل ونافست صحف المعارضة التي كانت تنعم بحرية أكبر من تلك التي كانت تعمل في ظلها الصحف القومية، أو الحكومية التابعة للدولة، منذ تم تأميمها عام 1960. ** وبينما كانت النسبة القارئة شبه ثابتة، كانت كل هذه الصحف القومية والحزبية المعارضة والصحف الجديدة تتنافس علي نسبة معروفة من التوزيع.. وليس سرًا أن نسبة كبيرة من القراء كانت قد ابتعدت عن قراءة الصحف بكل أنواعها، وهذا دفع كل الصحف إلي تغيير شكلها وتنويع مادتها علي أمل أن تفوز بقطعة أكبر من «تورتة التوزيع».. وفي سبيل هذا الهدف - ووراءه هدف أكبر إعلاني في المقام الأول - تنازلت بعض هذه الصحف عن أساسيات كبيرة من آداب المهنة.. ولم يعد يهم بعضها أن يتمسك بقواعد المهنة وأخلاقياتها.. بل وضربت بعض الصحف بمبدأ حق الرد، رغم أنه مبدأ أصيل من مبادئ المهنة.. وهذا ساهم في الانفلات الإعلامي.. حتي إننا طرحنا في اجتماعات المجلس الأعلي للصحافة فكرة تغليظ العقوبات المالية، التي يمكن فرضها علي الصحف وعلي الصحفيين الذين يتجاوزون.. مقابل عدم الموافقة علي حبس هؤلاء الصحفيين.. ولكن هذا للأسف لم يكتمل لا في المجلس الأعلي.. ولا في نقابة الصحفيين المعنية بتنفيذ ميثاق الشرف الصحفي، الذي أصبح مجرد حبر علي ورق.. ولا يعمل به!! **ووسط هذا الجو الصحفي انطلقت ثورة 25 يناير ليزداد تعطش الصحف لمزيد من الحرية.. بل ودخلت كل الصحف في سباق محموم مع القنوات التليفزيونية، والفضائية بالذات إذا أخذت هذه القنوات وبالذات البرامج الحوارية أو ما يعرف ببرامج «التوك شو» تسحب البساط بشدة من تحت أقدام الصحف الورقية. وأصبح الوطن، والمواطن، يعيش في مطحنة أو طاحونة رهيبة من ثلاثة أضلاع.. الضلع الأول هو هذا الانفلات الصحفي من الصحف الورقية.. بهدف الوصول إلي أكبر عدد من القراء.. والضلع الثاني هو هذا السباق المحموم الذي تقوم به هذه القنوات الفضائية المحلية.. والعربية.. والأجنبية وهو سباق تغذية بعض المخططات عن وعي أو بدون وعي - الخارجية والداخلية.. ولا شيء منها يرعي مصلحة الوطن.. بل بات الأمر وكأن كل هذه القنوات قد اتفقت علي تدمير مصر. والضلع الثالث هو هذا الفيس بوك.. حقيقة كان هذا الفيس بوك هو وسيلة التواصل الرئيسية التي أطلقت شرارة ثورة يناير، وهذا يحسب له.. ولكن نعترف أن هذا الفيس بوك أصبح يمثل خطرًا علي الوطن نفسه.. وعلي الثورة.. وعلي الشباب أنفسهم. ** ويبدو أن أعداء الوطن قد اكتشفوا خطورة هذا الفيس بوك فاستخدموه، أو سخروه لمصلحتهم وأصبحوا يبثون من خلاله أخبارًا وقصصًا غير حقيقية تتفق ومصلحتهم.. وبعد أن كان الفيس بوك مصدر إلهام الثورة الرائعة.. أصبح للأسف وسيلة لمحاولة تدمير تلك الثورة، من خلال هذه الأخبار غير الدقيقة، بل والمغرضة.. وللأسف نجد اليوم من بعض الصحفيين الشباب من يعتمد عليه فيما يكتب من أخبار بعد أن يضيف إليها التوابل والمحسنات.. والقصص المثيرة. وأصبح هذا الفيس بوك منافسًا خطيرًا للقنوات المثيرة.. وللصحف الباحثة عن السبق الصحفي.. بينما دخل المواطن داخل تروس هذه الآلة الخطيرة.. بعد أن حولها المغرضون من أداء بناء.. إلي وسيلة تدمير!! ** وأعتقد أن قرار وزير الإعلام أسامة هيكل وقف بث قناة الجزيرة مباشر من مصر بسبب عدم حصولها علي ترخيص بالعمل ما هو إلا رسالة موجهة لباقي التروس التي تدوس الآن علي ميثاق الشرف الصحفي.. وعلي مشروع ميثاق الشرف الإعلامي.. بل هي رسالة لكل القنوات المحلية والخارجية التي تعمل وفق مخططات مدفوعة الأجر.. كل همها تدمير مصر. ** وإذا كانت نقابة الصحفيين مشغولة بانتخاباتها ومشلولة عن اتخاذ قرار حازم تجاه هذا الانفلات الصحفي بسبب هذه الانتخابات.. وبالتالي فهي لن تتخذ أي قرار ضد أي صحيفة منفلتة.. الآن وبعد الآن. وإذا كان المجلس الأعلي للصحافة مشلول الإرادة بعد أن تم تجميد صلاحياته وبالتالي أصبح السوق الإعلامي هو بكل صدق «سوق السداح مداح» فإننا نتوقع أن يزداد هذا الانفلات الإعلامي رغم التلويح بتعديل قانون الطوارئ وتجريم بث أخبار كاذبة. ** ولكن لكل فعل رد فعل قد يكون أكبر منه.. وبالتالي فأنا أتوقع إجراء ما من المجلس الأعلي للقوات المسلحة يعيد الانضباط، أو بعض الانضباط، إلي السوق الإعلامي أو هذا الأوكازيون الذي سيضر بكل تأكيد.. وقد يكون هذا الإجراء ضد حرية الصحافة. ** وهذا ما لا نتمناه.. وإن كنت أتوقعه.