ظهرت فكرة التعليم الجامعى المفتوح فى مصر منذ ربع قرن أو يزيد تقريباً بعد أن استقرت الفكرة وانتشرت فى العالم على اعتبار أن التعليم الجامعى المفتوح يتيح الفرصة للمواطنين للاستمرار فى التعلم والارتقاء فى مجال التعليم الجامعي. وربما كان اللجوء إلى هذا النمط من التعليم لمواجهة النقص فى الأماكن بالجامعات العامة المصرية ولمواجهة ما ترتب على الاتجاه إلى إلغاء نظام الانتساب، وأيضاً على أمل تحقيق العدالة الاجتماعية وتلبية رغبة أبناء الوطن فى الالتحاق بالتعليم الأعلى، ولعل فلسفة الانفتاح هنا قد نقلت عما وجد بالمملكة المتحدة أولاً واطلق عليها بالجامعة المفتوحة منذ ستينيات القرن الماضى والتى ترتكز فلسفتها وتنبثق من وصفها بأنها مفتوحة أى متاحة للجميع دون شروط اللهم إلا القدرة والرغبة فى التعلم والاستزادة منه للحصول على فوائد التعليم ومزاياه الاجتماعية والاقتصادية والشخصية ،ثم انتشرت الفكرة فى العالم فكانت هناك جامعات مفتوحة فى الهند وباكستان،بنجلاديش، سيرلانكا ، كينيا، وماليزيا وأستراليا، والجامعة العربية المفتوحة بالكويت وأيضاً إسرائيل وغيرها من الدول التى رأت أن التعليم والجامعى الأبعد منالاً تحديداً، والاستزادة منه حق تفتح له الأبواب وتفتح من أجله كافة الفرص وتفتح لكل انسان طالما أنه يقدر ويرغب ويحقق الإنجازات المطلوبة ، ساعد على هذا استخدام المطبوعات والوسائط التكنولوجية المتاحة حينئذ، مثل الراديو والتلفزيون وتتزايد فى الوقت الحالى الجامعات العالمية المفتوحةوالتى تعمل عبر شبكة الألياف الضوئية وتمنح الدرجات العلمية وتجيز التعليم الأعلى وليس فقط المستوى الجامعى الأول فتمنح درجات الدكتوراه وغيرها. التعليم حق للإنسان وضرورة من ضرورات التنمية والعدالة بين المواطنين إذ أنه يُضفى ميزة تنافسية ليس للمواطن المتعلم فقط ولكن للوطن أيضا ؛حيث ينظر إليه عالمياً من منظور التنمية البشرية والاهتمام بالثروة الفكرية التى يمتلكها المجتمعإذا كان من دواعى إنشاء الجامعة المفتوحة استيعاب أعداد الشباب المتزايدة واحتوائهم كبديل للبطالة؛ حيث بدأت فى ذلك الوقت فرص العمل تتراجع والجامعات القائمة فى الدول التى اهتمت بإنشائها خاصة إنجلترا صاحبة الفكرة الأساسية لم تكن قادرة على استقبال كل أعداد من يرغبون فى التعلم الجامعى .فكان من الاتجاهات الدافعة لإنشائها أن تكلفة التعليم أقل من تكلفة الفرصة الضائعة أى بطالة الشباب وما تؤدى إليه من نتائج اجتماعية واقتصادية غير مرغوب فيها. ومن هنا فإن التعليم المفتوح عالمياً كفلسفة ومؤسسة غير نظامية كان نتاج فكرة إنسانية تعليمية عملية أتاحت لكثير من الراغبين الفرص فى الارتقاء بمستواهم التعليمى والوظيفي، وكان لنجاح فكرة التعليم الجامعى المفتوح فى العالم أثرا فى لفت انتباه رجال السياسة فى مصر بأن ينقلوها إلينا غير أن المؤسف هو توقف تطبيق هذه الفكرة عند حدود «الفرصة التكميلية» المتاحة فى الجامعات المصرية المختلفة دونما الاهتمام بالمراحل التعليمية قبلها بل كان الشرط الموضوع يغلق باباً من أبواب الانفتاح ألا وهو اشتراط الحصول على الثانوية العامة او ما يعادلها. ومع مرور الوقت تمسكت الجامعات المصرية بالفكرة وتوسعت نظراً لزيادة الاقبال من الراغبين ولما تدره من عائد مالى قيل انه يساعد الجامعة فى التمويل الذاتى وأشياء أخرى ، والمؤسف حقاً أن تتوقف هذه الفكرة التعليمية التى تتيح للبشر وللوطن المزيد من تحقيق الميزة التنافسية .وهنا لا يملك الانسان إلا أن يتساءل لماذا توقفنا عند حدود أن يصبح التعليم المفتوح الجامعى فى إطار وحدات ذات طابع خاص ملحقة بالجامعات وليست جامعة عامة مستقلة تهتم الدولة بها وتجعلها ركيزة أساسية لمزيد من تحقيق التعلم للجميع وأيضا تحقيق العدالة الاجتماعية وما يترتب عليها من جعل التعليم بكل مستوياته ومراحلة حق من حقوق الانسان الذى تُتيحه الدولة للجميع. فالرأى هنا انه ليسبالحديث عن محو الأميةيتحقق الهدف من التنمية البشرية ولكن المطلوب هو جامعة مصرية مفتوحة عامة تمول من المال العام وما قد يتاح من مصادر أخرى. فالجامعة المصرية المفتوحة المقترحة هى الأحق والأولى بالرعاية لما تحمله فلسفتها من إمكانيات لا حدود لها وبما تحققه من اللحاق بالعالم الذى تموج جوانبه الآن بما يسمى «ثورة التعلم». فتجميع التعليم المفتوح المبعثر فى الجامعات المصرية تحت مظلة جامعة مصرية مفتوحة عامة هو الدعوة التى نطلقها هنا إيماناً بحق المواطن فى التعلم المستمر مدى الحياة وبضرورة هذا التعليم للوطن حماية لأمنه القومى واستقراره بتحقيق العدالة الاجتماعية فيه بإتاحة فرص التعلم العالى المستمر للجميع. لمزيد من مقالات د. نادية جمال الدين