طفولة معذبة يجافيها الفرح إلا من ساعات قليلة يسرقونها من عمر الزمن . ليال طويلة مظلمة زادها الدموع والألم يلاحقهم فيها الخوف من المجهول.وخيال خصب يصحبهم بعيدا للحظات يلوح لهم فيها بصيص من أمل سرعان مايخبوا ليعودوا مرة أخري للواقع الأليم. يهفون لذكريات ليست ببعيدة لأنامل سيدات تحنو عليهم يطلقون عليهم جميعا "ماما " يمسحون علي رؤوسهم ،يحتضنوهم يواسوهم ويخففون عنهم ودائما لا ينسون غرباء كثيرين يدللوهم بعض الأوقات في زيارات مقتضبة يمنحوهم كل شيء ولكن ليس دائما مايريدون عبد الله ،عيد ، باسم ، بدر، محمد ، حسن ، وكريم وغيرهم الكثيرون .. أطفال في عمر الزهور ومراهقين علي أعتاب الشباب هذه بالطبع ليست أسماءهم الحقيقية التي اختارها لهم ذووهم ولكنها أسماء بديلة اختيرت لهم رغم تنافيها مع واقعهم المر الذي يحيوه لكن الحقيقة المؤكدة أنهم لا ذنب لهم فيما آل اليه حالهم فهم لم يختاروا أو يقرروا مصيرهم ولم يذهبوا لدور الأيتام طوعا ليتحملوا عواقب وجودهم وما يحيوه من معاناة تفوق ما يتحمله الرجال وبدلا من التخفيف عنهم والأخذ بيدهم ومحاولات تعويضهم ما فقدوه ويعانوه نتيجة حرمانهم ويتمهم فانهم يتعرضون طوال الوقت للضرب والإهانة والتعذيب بغرض التهذيب والتربية لا لشيء الا لأنهم ايتام فلا أحد لهم يسأل عنهم أو يهتم بهم ولأن هذا كان واقع الحال داخل بعض دور الأيتام نتيجة غياب الرقابة فقد اتخذ عدد ا من قاطنيها من المراهقين قراره بالهرب ومغادرتها مفضلا البقاء في الشارع ليكون بمنأي عما يتعرض له من إيذاء بدني ونفسي ويحتفظ لنفسه ما تبقي له من انسانية يخشي فقدها هي الأخري بعيدا عن الأسوار التي غادروها التقيناهم مجموعة من الهاربين الصغار استطعنا الوصول اليهم ولقاء بعضهم وسماع شكواهم بنظرة للمجهول ويأس من قيمة الشكوي وربما الخوف من مردودها بدأ (ع )والذي خشي ذكر اسمه حتي لا يعيدوه للدار مرة أخري في سرد معاناته لا أعلم شيئا عن حياتي قبل الدار أو متي دخلته ولا أدري سبب دخولي كل ما علمته أنه ليس لي أب أو أم والدار هي بيتي الكبير اللي اتربيت فيه وكل اللي معايا إخواتي ويواصل واحنا صغيرين كانت الأيام بتجري بسرعة وكانت مشكلتنا صغيرة لأننا مش فاهمين حاجة وكنا بنصعب علي الناس وكتير كانوا بيطبطبوا علينا ويجيبولنا حاجات حلوة وكان لينا أمهات علي الاقل بتسمعنا لكن لما كبرنا اتنقلنا دار تانية وبدأ التعامل معانا بشكل مختلف والمشرفين كلهم رجالة لأننا كبرنا خلاص كله غلط وعيب وطول النهار زعيق وبهدلة وضرب وكأننا ارتكبنا جريمة لمجرد وجودنا ، واحد بس كان طيب معانا وفي فترة كنا بنستحمل ونواسي بعض لغاية ما خلاص ما بقيناش قادرين وعرفنا طريق الهرب وداخل موقف للسيارات وبجوار إحدي العربات التي اتخذها كمأوي بعد هروبه بدأ الصغير 14 سنة يروي أنا هربت عشان قسوة المشرفين وشدتهم معانا وضربهم لينا عمال علي بطال ولأتفه الأسباب يعني مثلا لو صوتنا علي واحنا بنضحك أو اعترضت علي كلمة ضايقتني من مشرف أو إهانة كنت بالاقي الضرب من كل حته كل اللي في الدار ساب اللي وراه وجه عشان يضرب اللي بالحزام واللي بايديه أو بالخرطوم واللي بالجزمة المهم كان بيبقي يوم أسود ومهما يكلمونا عن حقوق الأطفال خلاص ما بقتش باصدق في البداية كنت خايف من الهرب والخروج للشارع لكن مع الوقت لقيت الحكاية مش صعبة واديني باتصرف والأكل والشرب بيتوفر من يومية العمل في مسح العربيات "وإيه يعني ما احنا في الدار بنكنس ونمسح "وساعات باحوش كمان عشان المدرسة مهما شفت هاتحمل أهون من الرجوع تاني ،النوم علي الرصيف وتحت العربيات أرحم بكرامتي علي الأقل ! أما كريم بالصف الثاني الإعدادي فقال هربت من قبل 10 مرات وفي كل مرة لم أكن أجد من يبحث عني ومع ذلك كنت أعود بسبب توسط أهل الخير وبعض الناس الطيبين ومنهم مدرسين المدرسة والناس اللي تعرفنا وكانت بتزورنا في الدار وتعطف علينا لأنهم كانوا دايما شايفين إن الدار مهما كانت أحسن من الشارع وأهي حاميانا لكن ما كانوش يعرفوا إن إحنا جوه شايفين العذاب والويل صحيح بناكل ونشرب ونلبس ببلاش لكن أكل مخلوط بالذل والبهدلة ورغم كل الوعود إن احنا مش هنتهان تاني وانهم خلاص اتفاهموا مع المشرفين واقنعوهم كنا بنلاقي نفس المعاملة وأسوأ عشان اشتكينا وكنا بنشوف ليال سودة كانوا "بيحفلوا فيها علينا " يعني بيجتمعوا علي ضربنا ساعات كنا بنتمني فيها الموت وعلي فكرة في ناس جوه الدور بتفكر في الإنتحار من كتر اليأس لأنها مش لاقية ولا عارفة حل تاني ويتذكر حسام 15 عاما يوم أن تلقي علقة ساخنة تبعها عقاب اشد قسوة وهو الوقوف لأكثر من ساعة في وضع الإنحناء " موتوسيكل " كما يطلقون عليه في الدار لمجرد أنه تفوه بالإستغفار بعد تطاول أحد المشرفين عليهم وسبهم الأمر الذي اعتبروه استخفافا وتطاولا عليهم واضاف كانت علقة مقدرش أنساها وكأنهم بيضربوا حمار أو عجل يمكن لو حرامي مش هيعملوا فيه كده الدار بقت زي السجن وخصوصا بعد ما منعونا من الخروج للعمل والبقاء طول الوقت في الصيف بالدار عشان كده ما بقناش قادرين نستحمل ورغم اعترافه بتوافر الطعام والشراب الي أنه ألمح الي ان أفضله غالبا ما يذهب للقائمين علي الدار الذي يسعون لتوفير ما يحتاجونه ويفيض أولا ثم يتركون لهم ما يتبقي الغريب انه رغم كل هؤلاء الهاربين فإن بلاغا واحدا لم يقدم بغياب أيا منهم أو هروبه من جانب الدور وكأن الأمر بالطبيعي وللموضوعية حاولنا الإستماع لآراء المشرفين داخل أحد الدور الذين أكدوا أن الأطفال فور خروجهم للشارع واختلاطهم بآخرين سواء بالمدارس أو في المهن التي يخرجون للعمل بها وخاصة الحرفية منها يكتسبون صفات سيئة ما يجعلهم اكثر سوءا لذا يصبح التدخل ضرورة لاعادة تهذيبهم ولا توجد وسيلة سوي العقاب باعتبارهم المسئولين عنهم ولكن ليس بهذه الصورة الفجة التي يتحدثون عنها فدخولهم طور المراهقة يجعلهم رافضين لأي محاولة للتوجيه والإرشاد أو حتي الإعتراض علي سلوكياتهم الجديدة فيغالون في الرفض والاعتراض والتمادي في التباكي لكسب التعاطف . فيما تؤكد سامية محمد إحدي المتخصصات في مجال رعاية الأيتام والأحداث بمديرية التضامن الإجتماعي بالشرقية أن الأطفال في هذه السن كما يحتاجون لشدة الاب وصرامته لضمان عدم الإعوجاج وتفادي الإنحراف يحتاجون أيضا للأم كمصدر للحنان والعطف والسلامة النفسية وهو ما تفتقده دور الرعاية للأيتام البنين في هذه المراحل العمرية حيث يفضل توفير أم بديلة لكل دار علي الأقل لتحقيق التوازن النفسي ولو لساعات النهار مع تحري اختيار من يتمتعن بقوة الشخصية لضمان التأثير الامثل وتحقيق مردود إيجابي وحتي لا يتحول وجودها لنقمة وليس العكس. من جانبه أكد سلامة نصر وكيل وزارة التضامن بالشرقية أنه أصدر تعليماته بعمل زيارات دورية لجمعيات ودور الأيتام والدفاع الاجتماعي للوقوف علي أحوالها والتعرف علي احتياجاتها والتحقق من وجود شكاوي من عدمه للعمل علي إزالته.