أنا أعرف الجوع ..عشته وجربته .. وعانيته ..وواجهت فكرة أن تكون محتاجا ومتعففا ... ولا اعرف قسوة أكبر وأعمق من قسوة التعفف.. –طالت أم قصرت-.. ينكشف لك فيها كل شئ على حقيقته .. وتعرف فيها ظلم الإنسان للإنسان .. وتعرف فيها مغزى مقولة الإمام الأكبر «أبى ذر الغفارى»:»عجبت لمن لا يجد قوت يومه,كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه».. غير أن المأساة أن الجميع يشهرون سيفهم ضد الفقراء..بداية من حكم الأمثلة السخيفة مثل «ده شبع من بعد جوع» ..فى إشارة سلبية لمن استغنى بعد فقر .. رغم أن ذلك ينطبق على رسولنا الكريم فقد آواه الله بعد يتم وهداه بعد ضلال وأغناه لما وجده عائلا .. ثم إن رسولنا الكريم هو القائل فى تواضع العظماء: ما انا إلا ابن امراة كانت تاكل القديد ببطن مكة».. – ونهاية ب«ع الأصل دور» .. رغم أن أصحاب الأصول الكريمة هم فقراء هذا الزمان,ومرورا بكل هذه الترهات,التى أصبحت ثوابت,ومسلمات منطقية,رغم ان مكانها هو سلة المهملات باعتبارها زبالة فكرية.. وبسبب الزبالة الفكرية,أكل الناس من صناديق القمامة,وتزاحموا على موائد الرحمن,وتابعوا بأعينهم,ما لن تطاله أيديهم وأفواههم,فالطعام فى أيامنا – أصبح«شاشة تعذيب ».. وأقصد بذلك «برامج الطبيخ» التى تصر على تعذيب الشعب المصرى بأطباقها التى تسيل اللعاب، فتسيل معها أحلام الفقراء الذين يشاهدون ما لا يستطيعون أن يتذوقوه، بينما يغرقون فى «المر» الذى لا تستطيع الفضائيات تقديمه. إذ لا توجد فضائية واحدة تقدم «صوص عفشة الفراخ». لكننا سنقدمه. المقادير 300 جرام «عفشة فراخ» - 3 كيلو ملوخية - ملح - فلفل أسود - عيش ناشف وغير ناشف- شوية كسبرة - ماء من الحنفية وليس الجركن الطريقة مع إرشادات الشراء - لا تشترى ال300 جرام من محل «طيور الفرج» لأن صاحبه الحاج مدبولى راجل ضلالى ويغش فى الميزان, يعنى ممكن لما تروحى البيت تكتشفى إن الكيس ناقص عضمة الضهر, أو الرجول وهى أهم مكونات البروتين الحيوانى. ونصيحتى الغالية «اشترى» من عند فرشة أم لبنى تانى شارع يمين وأنتى داخله على شارع الوحدة من ناحية البصراوى, لأنها «حنينه زينا». - وأنت راجعة البيت خدى ربطة جرجير فى إيدك ونص كيلو طماطم مفعصة لأنها أرخص من الصاحية بس روحى السوق قبل انفضاضه بساعة. يكون كله بيشطب وعايز يبيع البواقى - لما توصلى البيت لا تسمحى لنفسك فى الدخول فى خناقة مع أم أيمن, لأنك ح تخسريها هذه المرة فلمعلوماتك هى فى صحة جيدة بعد أن قررت أن تطنش الجدل الدائر حول مسلسل «صديق العمر»و«سجن النسا».., ولأنها تذهب أسبوعيا للموائد إياها. - عدى ال12 سلمة المكسورة وادخلى البيت وكلك أمل فى الحياة, خصوصا أن جوزك لم يعد ما معناه أنه لم يضايقك بقعدته على الكنبة وهو لا يرتدى غير فانلة الحمالات إياها ملقيا عليك ما سمعه من الشيخ «أبو البراء» اللى طلع من السجن بعفو من مرسى بعد ثورة يناير,وما زال طليقا حتى بعد ثورة يونيو لانه اتحمى بانضمامه لحزب النور. - لكن أفرض جه وكلمك فى ضرورة سيطرة الإسلاميين على البرلمان المقبل لان ذلك هو الطريق لمحاربة العلمانيين. فى هذه الحالة اعتصمى بالمطبخ مهما تكن التهديدات. - والآن. اغسلى عفشة الفراخ جيدا فى الحوض, وسيبيها شويه. حطى الحلة على عين البوتاجاز وولعى, طبعا ح تكتشفى إن الأنبوبة فاضية (بعدين إبقى شوفى جوزك بيفتحها لمين وإنتى غايبة (فى هذه الحالة حطى الحلة على وابور الجاز) وبرضه بعدين شوفيه بيسلف الوابور لمين؟ حتى تكتشفي إن أم أيمن مش عدوتك الوحيدة فى الحتة. - ضعى قليلا من الزيت اللى عندك واقدحى البصلة مع الثوم مع بعض البهارات، ولما الريحة تبان, حطى وبحرص ال300 جرام من عفشة الفراخ وأضيفى الماء, وسيبى المكونات تغلى دون أن تشيلى عينك من على الحلة - بعد شويه حطى كيلو من الملوخية والاتنين الباقيين نشفيهم بعد كده لوقت العوزة. - بعد أن تستوى الملوخية مع الفراخ جيبى الصحون واملئى كل صحن بملوخية فقط وحطى فيها العيش الناشف وأجلى استخدام العيش التانى لتانى يوم. ولا تفكرى فى حال أعضاء مجلس الشعب المقبل من الليبراليين والعلمانيين - وأنتم على الطبلية لا تضعى عفشة الفراخ فى وسط المائدة ولكن ضعيها بالقرب منك وأعطى جوزك النصيب الأكبر وأنت تتساءلين برقة «هوه الشيخ أبوالبراء بياكل إيه»؟ - بعد الأكل لا ترمى البواقى لأنه لن تكون هناك بواقى أصلا. بعد ذلك لا تتفرجى على برامج الطبخ والشيفات فى التليفزيون المصرى والفضائيات العميلة فما كانت تقدمه هذه البرامج هو أحد أسباب ثورتنا التى قامت بحثا عن العدالة الاجتماعية .. - ولو رأيتى هذه البرامج ستجدينها لم تتغير فهى تقدم نفس الأكلات والوصفات التى تجعلك تعتقدين أن الشعب المصرى يعيش كشعب سويسرا فى هذه الحالة ستسألين: مادامت هذه البرامج مازالت موجودة .. فما قيمة ثورتين قامتا من أجل سواد الشعب؟؟؟ البحث عن إجابة لهذاالسؤال قد تقودك للتطرف والوقوف مع السلفيين فى خندق واحد.. قبل أن تدركى أن ما يتبقى من صوانى المندى السلفية بعد إفطارهم يكفى منطقتك لمدة شهرين بالتمام والكمال.. واحتمال أخطر أنك ستجدين نفسك فى خندق واحد مع أم أيمن التى باتت تؤمن بأفكار ما يسمى الفريق المدنى, وتحالف السيد عمرو موسى ... قبل ان تدركى أن هؤلاء يتحدثون بلغة العصر.. وأنت مش من العصر أصلا... و فى كل الأحوال لن تكونى مع الثورة التى لم تغير شيئا والدليل أن برامج الطبيخ على حالها.. شاشة تعذيب لك ولأهل مصر