يدور النقاش هذه الأيام بشراسة منقطعة النظير بين ردهات الجامعة الهادئة حول تغيير مقترح فى اختيار قيادات ادارة الجامعات المصرية بعد أن نشرت بعض وسائل الاعلام عن وعى ، أو بدون وعى فيروس « تطهير الجامعة» والتشكك فى كفاءة من تم انتخابهم من أساتذة الجامعات المصرية وربطت بشكلى ساذج وسطحى ومزعج بين أساليب انتخاب القيادات الادارية وتردد الادارة وغياب رشادتها فى فترة عصيبة تكاد تكون الأسوأ فى تاريخ الجامعات. وذهب البعض أبعد من ذلك حين ربط بين الاخفاق الادارى لبعض القيادات ومزاعم الانتماء الى توجهات سياسية معينة سابقة للتغيير السياسى الذى شهدته البلاد . ورغم ايماءات الشعار وايحاءاته السياسية هذه الأيام والتى تشير الى ضرورة تخلص الجامعة من المنتمين أيديولوجيا الى تيار ما قبل 30 يونيو، إلا أن هذا الشعار أيضا وللدهشة قد تبناه البعض من قبل، مشيرا الى المنتمين الى تيار ما قبل 25 يناير، وتناسى الكل أن فرقا كبيرا بين فلول الجامعة وفلول النظام السياسى اذا صحت هذه المصطلحات العلمية. ففلول «الجامعة» هم من عجزوا عن التجديد فى ميكانزمات الادارة، وتبنوا فكر سيكلوجية القطيع السائد من الحقب التاريخية السحيقة وقدسوا بعض اللوائح اللامنطقية طالما ستحمى بقاءهم فى مناصبهم فترة أكبر، وابتعدوا أو غضوا البصر عن عشوش الفساد التى ضربت بعض الجامعات فترات طويلة وغردوا دائما بترانيم السرب السياسى السائد حتى لو خالفت قناعتهم كأساتذة وقادة للرأى.. أما الفلول السياسيون فهم من أرادوا وقف عجلة التاريخ فى التغيير وتمسكوا بتلابيب نظام بائد أعلن الشعب صراحة رفضه له، إما لقناعة هؤلاء بمصداقية النظام البائد فى الاصلاح والتجديد، أو لتعصب زرعته مصالح ربطت هؤلاء الفلول بالبائد دائما. تأتى المعضلة دائما من الخلط بين فلول النظام وفلول الجامعة، اذ يجب فك الارتباط بين الفئتين. ففلول النظام ليسوا بالضرورة فلولا للجامعة، والعكس مطلقا صحيح اذ ليس كل فلول جامعة له توجه سياسى بائد ولكنه بالضرورة ذو توجه ادارى بائد ومن هنا جاءت أهمية فك الارتباط بين السياسى والادارى، فمهمة الأستاذ فى الجامعة التفكر فى السياسة وليس الترويج لما تتبناه، بينما تبقى المهمة الأساسية للأستاذ القائد اداريا هو التفكر فى أنماط الادارة الناجحة والترويج لها، وكأن ما قصد قوله أن أستاذ الجامعة عليه واجب تعليم وتعلم فن الادارة الناجحة، وتعليم وتعلم فن السياسة الناجحة المرتيطة بالادارة الناجحة والتى أزعم انه ليس من بينها اقحام انحيازته الشخصية فى العلمين. وجوهر العلمين هو كيف «تختار» بين البدائل وكيف يتكون فى وجدانك « قيمة المحاسبية» ؟ اذ من أدنى حقوقى أن أحاسب من أختاره ومن هنا جاء النموذج الأكثر قبولا فى التنمية، وفى المشاركة، وفى الاختيار بين البدائل والمرتبطة بالمسئولية عن تبعات هذا القرار. وأنأى بالقيادات السياسية أن تورط نفسها فى تحدى هذه النماذج «الليبرالية» العلمية الرصينة فى ادارة المؤسسات والجامعات، اذ أن استقلال الأخيرة يعنى استقلال فكر أجيال وأجيال تبغى التغيير فى الحفاظ على أحقيتها فى الاختيار وتحمل مسئولية هذا القرار، أو ما أصطلح علميا على تسميته أداتية الديمقراطية أملين أن يحققوا عبر الأجيال ثقافة تلك الديمقراطية. ويعنى هذا أيضا استقلال أساتذة قد يصابون بالانفصام العلمى حين يروجون للنموذج الحر فى الادارة بين تلاميذهم ومريديهم، بينما هم عاجزون أن يختاروا قادتهم الإداريين بحرية. إن الثورات تشتعل، والتغيرات السياسية تجتاح الدول والمجتمعات لكى تعلى صوتا صامتا، لا أن تصمت صوتا مرتفعا، فاذا رغبت القيادة فعلا فى تفعيل التغيير ليس عليها أن تعيد النظر فقط فى ميكاينزم تعيين القادة، ولكن عليها البحث عما يريده ويأمله أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات .. ابحثوا عن ميكانيزم أفضل يحفظ للجامعة استقلالها ويبعدها عن دائرة «الفلولية» السياسية المدعاة، وعن لعبة السياسة برمتها وتخليد دائرة الاستبعاد من نظام حالى لنظام بائد، فالتغيير ينجح باتساع دائرة الاستيعاب والتضمين والتى لن تكون إلا إذا احترمنا رغبات الأغلبية داخل المؤسسات.. وايانا جميعا واستعداء فكر الجامعة، فثورته الناعمة المضادة أقوى وأشد على أى نظام أيا كانت أداة بطشه. فالقهر قد يتحكم فى الجسد، لكن أبدا لن يتحكم فى فكر أو قناعات علمية تفوق بكثير قوة المعتقدات الأيديولوجية. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لمزيد من مقالات د. أمانى مسعود الحدينى