منذ أيام قليلة احتفلت مصر بمرور عام على ثورة 30 يونيو التى أعادت الوطن إلى مساره الطبيعي، وجنبته شرور الانقسام والاقتتال الداخلي، وأوقفت السير نحو هاوية ليبيا وسوريا والعراق وأوكرانيا. على الجانب الآخر فإنه بعد عدة أيام تحتفل مصر بمرور 62 عاما على ثورة 23 يوليو 1952.. تلك الثورة التى غيرت نظام الحكم فى مصر من الملكية إلى الجمهورية، وقامت بتغييرات اقتصادية عميقة لصالح المواطن المصرى والأغلبية الكادحة. البعض يريد تشبيه السيسى بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر على اعتبار ان عبدالناصر بطل قومى فى عيون المصريين والسيسى كذلك لكن هؤلاء نسوا أن الظروف المحلية والعالمية تغيرت ولو أن عبدالناصر يعيش بيننا الآن لكان هو أول من قام بمراجعة الكثير من الأفكار والسياسات التى كانت سائدة آنذاك. قامت ثورة يوليو على مبادئ ستة هى 1 القضاء على الاقطاع ،2 القضاء على الاستعمار، 3 القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، 4 إقامة جيش وطني، 5 اقامة عدالة اجتماعية، 6 اقامة حياة ديمقراطية سليمة. نجحت ثورة يوليو فى تحقيق أربعة مبادئ أساسية هى القضاء على الاقطاع، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، واقامة جيش وطني، واقامة عدالة اجتماعية، وفيما يخص القضاء على الاستعمار فقد أنهت الثورة الاستعمار الإنجليزى وأعلنت استقلال مصر عن المملكة البريطانية، لكن العدو الإسرائيلى الغادر بالتعاون مع الغرب استطاع احتلال سيناء عام 1967، أما المبدأ السادس الأهم وهو اقامة حياة ديمقراطية سليمة فقد ظل معطلا لأكثر من60 عاما طوال عمر الجمهورية الأولى التى أمتدت من يوليو 1952 حتى يناير 2011. استطاع الزعيم جمال عبدالناصر شحذ همم المصريين واطلاق طاقتهم الكامنة فبنى السد العالي، وأطلق شرارة ثورة صناعية عملاقة فى جميع المجالات وأعاد توزيع الثروة فى مصر بشكل عادل يتناسب مع الظروف التاريخية التى كانت سائدة آنذاك. كان عبدالناصر حالة استثنائية فى حياة المصريين مثله فى ذلك مثل الزعماء التاريخيين الذين قادوا حركات التحرر الوطنى فى دولهم ضد الاستعمار الأجنبي.. لكن مشكلة عبدالناصر أنه اهتم بالجانب الاقتصادى والبعد الخارجى وأهمل الجانب الديمقراطى والسياسى على عكس صديقه نهرو الذى استطاع تأسيس دولة ديمقراطية عصرية حديثة فى الهند.. تلك الدولة المعقدة سكانيا ودينيا وجغرافيا لكن نهرو لم يتعلل بكل تلك الصعاب ووضع الهند على خريطة الدول الديمقراطية التى انطلقت الآن وأصبحت واحدة من كبريات الدول المتقدمة فى كل شئ (اقتصاديا وسياسيا) ولم تعد تعانى من ثنائية الأمن أو الديمقراطية رغم كل التعقيدات الصعبة التى يعيشها المجتمع الهندي، فالهند بها العديد من الديانات السماوية وغير السماوية ففيها الإسلام والمسيحية واليهودية (أديان سماوية) وفيها الهندوسية والبوذية والجانييه والسيخية (أديان غير سماوية) بالإضافة إلى العديد من الاقليات الأخرى ، ويبلغ عدد سكانها مليار و210 ملايين نسمة تقريبا يعيشون فى 28 ولاية و7 أقاليم اتحادية، ورغم كل تلك الظروف المعقدة والصعبة فقد استطاعت الهند الآن أن تكون ثانى عشر أكبر اقتصاد فى العالم ومن أوائل الدول الديمقراطية على مستوى العالم. تعثر المسار الديمقراطى فى عصر الزعيم جمال عبدالناصر وللأسف لم يستكمله من جاء بعد ذلك، فالسادات رغم أنه بطل الحرب والسلام إلا أنه تعثر أيضا فى المجال الديمقراطى رغم أنه هو من أصدر دستور 1971 وأطلق المنابر السياسية (يمين، وسط، يسار) التى تحولت بعد ذلك إلى أحزاب لكنه ضاق صدره بعد ذلك وقام بتعديل الدستور ليسمح لنفسه بالترشح لعدة دورات بدلا من دورتين، ولم يستفد هو من ذلك التعديل، ثم كان خريف الغضب الشهير الذى اعتقل فيه كل الرموز والقوى السياسية. انتهت الجمهورية الأولى بقيام ثورة 25 يناير 2011، ولم تصمد الجمهورية الثانية وتحولت إلى جملة اعتراضية فى تاريخ الوطن بسبب محاولة اختطاف الدولة وتغيير مسارها وهويتها مما تسبب فى احتقان وانفجار فى الشارع كان من الممكن أن يؤدى إلى اقتتال أهلى وحرب شوارع كما يحدث فى ليبيا وسوريا والعراق الآن لولا تدخل الجيش والاستجابة لمطالب الشعب فى 30 يونيو لتبدأ الجمهورية الثالثة مشوارها برئاسة عبدالفتاح السيسى . لا بديل أمام السيسى سوى النجاح وتجنب أخطاء الجمهوريتين الأولى والثانية والسير على جميع المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية بشكل متواز فلا اقتصاد بدون أمن، ولا ديمقراطية بدون اقتصاد وأمن. مصر الآن تعرف طريقها جيدا بعيدا عن الشعارات والمزايدات فلا عودة إلى الوراء وانما الاستفادة من المزايا وتجنب الأخطاء لنلحق بالهند بعد أن كانت الهند تتمنى اللحاق بنا فى الماضي. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة