متعددة الأوجه هي الحضارة المصرية. و لذا كان تأثيرها متنوعا على الأدب الروسي خاصة و الحضارة الروسية عامة. و هو أمر طبيعي و منطقي حيث يدور الحديث هنا عن حضارتين ثريتين تاريخيا. اهتم الروس منذ زمن قديم بأخبار مصر. و جاء ذكرها للمرة الأولى في الأدبيات الروسية مع اعتناق الروس للمسيحية قبل حوالي ألف عام تقريبا. و كان التصور التقليدي عنها يعتمد بشكل أساسي على ما ورد في الإنجيل , حيث رآها الروس دولة تضطهد المؤمنين. غير أن الأشعار الشعبية الروسية القديمة تحدثت عن مصر بوصفها أصل الحكمة في العالم. و في الفترة التي سبقت حكم بطرس الأكبر (القرن 17) قام عدد كبير من الرحالة الروس بزيارة مصر و قاموا بوصفها في كتب سميت بالأسفار أو الرحلات. و شهد القرن الثامن عشر عودة مصر بقوة إلى الثقافة الروسية, و لكن هذه المرة عبر بوابة أوروبا. حيث لم تكن اللغة المصرية القديمة قد اكتشفت بعد. و استقى الكتاب الروس معلوماتهم من الأدبيات الرومانية و العربية و اليونانية التي تحدثت عن الثقافة المصرية و الوعي المصري. و قد شهد القرن التاسع عشر اهتماما كبيرا بالثقافة المصرية بعد اكتشاف اللغة المصرية القديمة, و ظهر علم المصريات الروسى و تطور بسرعة. و أخذ القارئ الروسي يتعرف على نماذج و شخصيات الآلهه المصرية القديمة في أدبه. و شهدت هذه الفترة زيارات مكثفة للكتاب و الأدباء الروس إلى مصر الحديثة و التي عاشت فترة تنويرية في بدايات القرن قبل الماضي. و شهد النصف الأول من القرن العشرين مزيدا من التقارب، حيث أصبحت مصر من الموضوعات التقليدية و الشائعة في الأدب الروسي. و هناك قائمة طويلة من الكتاب و الشعراء الذين تناولوها في كتاباتهم. و من هؤلاء الكاتب الروسي الشهير فاسيلي روزانوف)1856-1919 م). و من أشهر أعماله عن مصر" عن الجمال المصري القديم" و "في بلاط الوثنيين" و "موتيفات شرقية" و" مصر" و غيرها. ويصف الكاتب في أعماله الحضارة المصرية القديمة و نمط التفكير عن المصريين القدماء و كذا المعاصرين. و قد اعتبر روزانوف المصريين شعبا عبقريا قي جميع مناحى الحياة سواء الدين أو الأخلاق أو الإبداع الفني. و يرجع الكاتب في أعماله الفضل لمصر القديمة في إرساء أسس التدين في العالم. أما الأديب و الشاعر الروسي العظيم الكسندر بلوك (1880-1921 م) فقد تناول فى بعض ما كتب مصر القديمة بوصفها رمزا لروسيا المعاصرة. و قد كانت آخر مؤلفاته مسرحية بعنوان "رمسيس. مشاهد من حياة مصر القديمة" و صدرت عام 1919م. و كانت تلك فترة عصيبة في تاريخ روسيا الحديثة, فقد شهدت نهاية الحقبة الإمبراطورية و بداية العصر السوفيتي الذي لم تكن ملامحه قد اتضحت بعد للكثيرين. و قد اتخذ بلوك من مصر القديمة نموذجا أسقط عليه واقع روسيا المعاصرة، و هنا يقوم أديبنا برسم لوحه رمزية لمرحلة انهيار الحضارة المصرية يستطيع القارئ بسهولة الربط بينها و بين ما كان يحدث قي روسيا من انهيار لإمبراطورية عريقة. كاتب آخر كبير في روسيا تناول مصر كثيرا في أعماله, و هو نيقولاي جومليوف(1886-1921 م) و الذي كانت مصر تمثل له عبر رحلته الإبداعية كلها مصدرا للإلهام و الوحي. و اهتم هذا الأديب كثيرا بعلم المصريات, حيث كانت تربطه علاقة بكبار العلماء و المستشرقين الروس و تعرف من خلالهم على الانجازات التي توصل إليها هذا العلم. و قد زار مصر أكثر من مرة و أعجب كثيرا بالقاهرة و الإسكندرية. كما زار حديقة الأزبكية التي ذكرها في ديوان صدر له بعد عشر سنوات تحدث فيه عن فضل هذه الحديقة في إعادته إلى الحياة مرة أخرى بعد فترة إحباط. و من أعماله التي تتحدث عن مصر أيضا مسرحيته الشهيرة "دون جوان في مصر" و صدرت عام 1911. كما ألف الكثير من الأشعار عن إفريقيا عموما و مصر على وجه الخصوص. و هناك قصيدة له تحمل اسم "مصر" يتحدث فيها عن الفلاح المصري و مثابرته و نشاطه و حبه للنيل و ارتباطه به. و هكذا قدم هذه الشاعر نموذجا شاعريا لمصر في أعماله, وتحدث عن مصر برومانسية أحيانا وواقعية أحيانا أخرى.