تختلف رؤي الأدباء الغربيين عن فكر ساساتهم، في توصيف "الإنسان العربي"، والذين كتبوا بحروف من صدق عبر العصور المختلفة عنه بوصفه الفارس، وليس الإرهابي، كما يصوره الفكر السياسي الذي يعتمد علي العقلانيات والنظريات والقوانين، بعيدًا عن الروحانيات والسمو الأدبي الرصين؛ فعلي غلاف إحدي الطبعات الإنجليزية القديمة لمسرحية "عطيل"، تظهر صورة سفير المغرب لدي البلاط الإنجليزي في القرن السادس عشر، والتي تعد أول صورة حقيقية لشخص عربي يرتدي عمامة وجلبابا فضفاضا، ويعلق سيفا في غمده علي أحد جانبيه. وفي هذا الصدد، يعلق د. محمد الطويل وكيل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، إن أول صورة أدبية للعربي في الأدب الإنجليزي تمثلت في شخصية أمير المغرب القادم إلي البندقية لخطبة الفتاة الإيطالية بورشيا وفقا لما جاء في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير يبدأ الأمير حديثه مع الفتاة قائلا: "لا تنفري لسمرة الأديم الوجه إنها رداء ظللت أرتديه في حضرة الشمس المهيبة بنت موطني".. وتصور المسرحية هذا العربي علي أنه رجل صريح ومخلص وعاشق، صحيح أن فيه غلظة الفارس إلا أنه ليس ماكرا مثل أهل البندقية. ويضيف: وفي العصر الفيكتوري صور الشاعر براوننج في ديوانه "رسالة إلي الطبيب العربي"، مدي مهارة شخص عربي في الطب يعيش في مدينة الناصرة بفلسطين، ولا يباريه أحد في مهنته، وبعد دخول الإنجليز إلي مصر ظهرت كتابات ذات أغرض سياسية تتصدرها أشعار كبلنج شاعر الإمبراطورية البريطانية خلطت بينه وبين الهندي. بينما ورد في كتاب "المصريون المحدثون" للمستشرق الإنجليزي إدوارد لين - والكلام لا يزال للدكتور الطويل - صور صادقة عن المصري في عهد المماليك ومحمد علي مهدت للطريق لاكتشاف صورة المصري ابن الحضارة الفرعونية الذي يتمسك بتقاليده القديمة ويغلفه الغموض. ويتطرق د.عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة: إلي عدة صور للعربي من خلال الأدب الإسباني، ويبدأ برائعة أديب إسبانيا الأشهر ترفانتس دون كيخوتة.. ويوقل: والصور هنا وليدة تراث العرب في الأندلس والاحتكاك المباشر لترفانتس بالعربي كجندي واجههم في معارك فاصلة في تونس وسقط اسيرا في الجزائر طوال خمس سنوات.. ويوضح: بدأ الكاتب متعاطفا مع خصومه العرب في عصر التعصب الديني والصراع بين الأجناس وصورة العربي تتأرجح في القصة بين التعاطف والمؤاخذة.. وهما شعوران فرضهما تشابه طبيعي بين الفروسية العربية والإسبانية. أما رواية "المرأة المغلفة" لكارلوس فوينتس، فيقول أبو همام: يرفض الرحالة كولومبوس أن تحمل سفينته وهي ذاهبة لفتح أمريكا الجنوبية أي عربي خشية تدنيس الأرض الجديدة، ثم جاء المسرحي خوسية اورسكو وقدم مجموعة من المسرحيات تناول فيها شخصيات عربية أهمها مسرحية عائشة وفيها يصور لنا شخصية والدة الملك أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة ويصفها بالذكاء الحاد وبعد النظر، وفي إبداعات الشاعر الإسباني مانويل ما تشاد يقول: إنني مثل اولئك الذين قدموا إلي أرضي هذه من جنس عربي صديق قديم للشمس أولئك الذين غنموا لشيء وخسروا كل شيء. ويختتم د. عبد اللطيف حديثه قائلا: "ستظل صورة العربي خالدة علي وجوه الإسبان الذين ينحدرون من أصول عربية، ولعل التماثيل التي نحتوها لابن رشد وابن زيدون وغيرهما من علماء وفلاسفة وأدباء العرب هي أعظم النماذج لشخصية العربي الذي عاش في الأندلس. فيما يؤكد د. أحمد درويش استاذ الأدب المقارن بجامعة القاهرة: إن صورة العربي في الأدب الفرنسي قديمة وتتواكب مع نشأته وظهر الفرسان العرب ذوو الشهامة والبطولة في أكبر عمل ملحمي عرفه الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر وهو أنشودة رولان التي جسدت الصراع بين الفرنسيين وعرب الأندلس . ويضيف: أنا بصفة شخصية قمت بترجمة ملخص لها، وتكاد تكون هي الترجمة الوحيدة للعربية لعمل يستحق المزيد من الاهتمام لمعرفة الجذور التاريخية للحوار العنيف بين الشرق والغرب.. وألمح إلي أنه بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي علي الصليبيين تأثر أدباء فرنسا بشخصية الفارس صلاح الدين حتي إنهم صوروه كشخصية أسطورية وردت في القصائد والقصص وصوروه علي أن خاله كان يشغل منصب الدوق في احدي المقاطعات الفرنسية. وعلي المنوال ذاته نسج د . محمد علية، أستاذ الأدب المقارن، بجامعة القاهرة ، رؤاه عن تلك الصورة، قائلًا: تأتي ترجمة ألف ليلة وليلة إلي الفرنسية لتخلق ما يعرف بالحنين للشرق في أدب القرن التاسع عشر، فنشأ أدب الرحلات فيما بعد ومن أبرز إبداعاته كتاب جون ماري كاري وعنوانه "الكتاب والرحالة الفرنسيين في مصر"، والذي يستعرض صورة المصري الملتزم اجتماعيا والحريص علي تدينه. ويستطرد : كما أن فيكتور هوجو بهرته إحدي الفتيات المصريات بفطرتها الجميلة وفتنتها المثيرة، فكانت شخصية آزميرالدا في رواية "البؤساء" انعكاسا لذلك، إضافة إلي إبداعات الروائي "فاسيلي روزانوف" الذي صور المصري في أعماله، حيث يبدو ذكيا وخلاقا في جميع مجالات الحياة كما في رواية "عالم بلا حدود"، فالبطل فلاح مصري أصيل، ورغم تمسكه بإسلامه، فإنه يحتفظ بخصال فرعونية قديمة تجعله يحرص علي تراث أجداده ويتصدي للمستعمر التركي.