يشعر المرء بكثير من الضيق وعدم الثقة فى النفس عندما يتابع التهافت واللهاث وراء كسب رضاء الغرب، وانتظار شهادات حسن السير والسلوك السياسيين. وهذا عين ما يسميه المفكر الجزائرى (مالك بن نبي): القابلية للاستعمار أى أن نرى أنفسنا حسب عيون الآخر وتقديره لنا, وقد كانت هذه المواقف واضحة فى الاصرار على وجود الرقابة الدولية على الانتخابات المصرية. وتولد شعور، وكأن مراقبة الاتحاد الأوروبي، جزء من قانون الانتخابات المصري، مما يجعل الانتخابات غير مكتملة إذا لم يرسل الاتحاد الأوروبى مراقبين, وتكرر الأمر نفسه ولكن بصورة أقل- فى تقدير الحضور الأوروبى أو الغربى فى حضور حفل تنصيب الرئيس المصرى المنتخب, وأعتقد أن القضية أبعد من فنيات إجراء الانتخابات أو بروتوكول تنصيب رئيس جديد، بل تذهب لطبيعة علاقتنا مع الغرب وهل تخلص من عقد النقص التاريخية؟ فقد ظلت هذه العلاقة ملتبسة ومضطربة بعد سنوات من الاستقلال. وبقيت علاقة فرويدية بامتياز أى علاقة حب/كراهية فى تزامن مربك وغريب. وقد تكون قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مداخل جيدة لتأمل وتحليل هذه العلاقة. هنا نبدأ من السؤال الجوهري: هل يحق للغرب أن يكون سادنا وحارسا للديمقراطية وحقوق الإنسان؟ حقيقة كانت هذه المبادئ غربية المنشأ والمصدر ،ولكنها صارت إنسانية عامة وكونية، وبالتالى ليست حكرا ولا ملكا للغرب. وفى هذه الحالة، لم يعد الغرب هو المرجعية المطلقة بل هو أحد روافد الديمقراطية، وقد يتميز بطول التجربة والقدرة على إصلاح عيوب الديمقراطية المحتملة. وهناك فى الغرب من تهمه-بصدق- قضية الديمقراطية وتطورها فى العالم غير الغربي. ولكن فى الوقت نفسه ،هناك حكومات ومنظمات غير حكومية ، تحاول توظيف شعار الديمقراطية لتحقيق مزيد من التبعية والإلحاق للدول النامية. وهذه ليست تهمة جزافية، فقد تابعت تجربة حية لكيفية تعامل هذا الغرب الآخر مع الممارسة الديمقراطية فى بلد مثل السودان؟ وكيف راقب الانتخابات 2010/وكيف منح شرعية دولية لنظام انقلابى صريح نتيجة انتخابات مليئة بالثقوب والعيوب؟ كان من بنود اتفاقية السلام الشامل السودانية فى عام2005م إجراء انتخابات عامة بعد خمس سنوات أى عام 2010م تُشرف على استفتاء تقرير مصير الجنوب. وقد سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول غرب اوروبا التى رعت الاتفاقية لإجراء الانتخابات، وكانت عينها على الاستفتاء وتقرير المصير، وليس على الديمقراطية. ومن البداية كانت نزاهة الانتخابات غير مضمونة، فقد طالبت أحزاب المعارضة بأن تكون الانتخابات تحت اشراف حكومة قومية انتقالية تضم كل القوى السياسية. ولكن الانتخابات تمت برعاية حزب المؤتمر الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، والذى استغل كل موارد الدولة فى الحملة الانتخابية. كما استفرد بوضع قانون الانتخابات حسب رؤيته ومصالحه. وشهدت الانتخابات انتهاكات فظيعة لا تحصي، ولكن الدول الغربية والمنظمات وعلى رأسها (مركز كارتر)، باركت النتائج رغم اعترافها بالخروقات وعدم النزاهة. وجاء التبرير فى تقاريرها أقرب إلى النظرة العنصرية. فقد جاء فى التقارير أن الانتخابات لم تكن نزيهة تماما ولكن ليس من المتوقع فى بلاد مثل السودان أن تُجرى انتخابات أفضل من هذه. فالحقيقة لم يكن يهم الغرب التحول الديمقراطى فى السودان، ولكن وجود حكومة «شرعية» تشرف على استفتاء تقرير المصير بالجنوب. وهكذا تنازل الغرب عن معايير الديمقراطية ومبادئها حين تعلق الأمر بالمصالح الإستراتيجية. أتيت بهذا المثل العملي، لكى أؤكد ضرورة أن نكون نحن الرقباء على ديمقراطيتنا وهذا فى حد ذاته تمرين ضرورى فى الممارسة الديمقراطية. بالتأكيد نحن مازلنا فى بدايات التجربة ولكن لابد أن تكون البداية صحيحة, يجب الا ننتظر «الكفيل» السياسى أو «المحلل» الخارجى لديمقراطيتنا، وبالتالى الرقابة الذاتية أولوية وشرط ضروري. هذا الحديث عن الرقابة الذاتية للانتخابات والتخلص من عقدة الرقابة الغربية، يجب ألا يخلط بحديث عن «خصوصية» خبيثة وليست حميدة، تحاول عزلنا عن العالم, كما أنها تستغل الخصوصية فى أحيان كثيرة لرفض القيم الإنسانية الحديثة مثل الحريات، وحقوق المرأة والأقليات مثلا. ولذلك، يجب أن يكون أى حديث عن الخصوصية الثقافية العربية-الإسلامية فى صلتها بالديمقراطية وحقوق الإنسان يقصد به، توطين أو تبيئة الديمقراطية أى جعلها جزءا أصيلا من واقعنا وبيئتنا, وفى هذه الحالة لابد من التفريق بين مستويين، الأول هو أن المبادئ والقيم فى الديمقراطية، إنسانية وعامة ولا تخضع لأى خصوصية كانت. والمستوى الثاني، هو الآليات والوسائل، وهنا يمكن أن تدخل الخصوصية. لمزيد من مقالات حيدر إبراهيم على