حفلت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء حملته الانتخابية بإشارات عديدة عن أهمية دور الإعلام فى عملية بناء مصر الجديدة، وتحقيق أهداف الثورة، ما يعنى ضرورة إنهاء فوضى الإعلام وتنظيمه فليس من المنطقى أو المقبول أن يبدأ الرئيس المنتخب حكمه بإعلام يهدم ولا يبنى ، يفرق ولا يجمع، إعلام يعتمد على الإثارة والفضائح ويعمد إلى تزييف وعى الناس. وليس من المعقول أيضًا إجراء الانتخابات البرلمانية فى ظل هذا الإعلام الذى تتحكم فيه وتديره حفنة من رجال الأعمال وشركات الإعلان. فى هذا السياق لابد من امتلاك رؤية شاملة تستهدف تغيير النظام الاعلامى الحالى وفق ما جاء فى الدستور وبما يعزز مسئوليته الاجتماعية ودوره التنموي، ويضمن فى الوقت ذاته حرية الإعلام ومصداقيته واستقلاله عن السلطة التنفيذية وسطوة رأس المال. الرؤية المطلوبة لا تعنى اصلاح النظام الاعلامى وإنما تغييره فورًا وخلال أسابيع قليلة، وقبل الانتخابات البرلمانية القادمة لأن الابقاء على الأوضاع الحالية للاعلام لن تساعد الرئيس على تنفيذ مشروعاته التنموية الطموحة، التغيير مطلوب لأسباب كثيرة، حيث لم تكن منظومة الاعلام المصرى قبل ثورة 25 يناير تحظى بحرية كافية تمكنها من الوفاء بحقوق المواطنين فى الاتصال والالتزام بالمهنية وبالمسئولية الاجتماعية والتنموية للاعلام، وكان مجرد أداة دعائية وأيديولوجية تعمل لخدمة مصالح النظام والمتحالفين معه من كبار رجال الأعمال كما كان يعكس أيضاً خلافاتهم على توزيع الثروة والسلطة، لذلك تراجعت ثقة المصريين فى اعلامهم الوطنى. ولم تتبدل أوضاع الاعلام بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو حتى إنه يمكن القول بأن الثورتين لم تصلا للاعلام أو تؤثر فيه واستمرت عمليات تسييس الإعلام العام والخاص وتحوله إلى أداة للاستقطاب والانقسام فى المجتمع، وجرى هذا التدهور فى ظل ظهور عديد من القنوات والصحف الخاصة التى يمولها عدد محدود من رجال الأعمال وشركات الإعلان، وبعد تراجع مستويات التمويل والأداء فى اتحاد الاذاعة والتليفزيون والصحف القومية، أى أن الاعلام استبدل هيمنة الدولةبهيمنة حفنة صغيرة من رجال الأعمال ممن تربطهم علاقات قوية بنظام مبارك. إن أخطاء وتجاوزات الاعلام المصرى كان يمكن علاجها إذا ما كانت هناك رؤية واضحة ومهام محددة لدى المجلس العسكرى وحكم الإخوان لاصلاح البيئة التشريعية ومناخ العمل الاعلامي، من خلال التخلى عن الممارسات المباركية القديمة. لكن أصحاب القرار لم يبادورا بذلك، وحاولوا استغلال الاعلاميين والتضييق عليهم وعلى حرية الاعلام وتوظيفه لصالحهم، وفى الوقت نفسه اشتكوا من أداء الاعلام وحملوه المسئولية عن فشل الحكومات المتعاقبة. لكن فى المقابل طرح الدستور رؤية عامة ايجابية تهدف إلى ضمان حرية الاعلام واستقلاله وتنظيم أوضاعه والارتقاء به، إلا أن هذه الرؤية جاءت غامضة وتحتاج الى ضبط وتطوير من خلال سن قوانين، وانشاء كيانات تنظيمية وآليات تدعم حرية الاعلام واستقلاله وتمنع تبعية الاعلام للسلطة التنفيذية أو سلطة رأس المال والاعلان، وتؤكد قيم وآليات المحاسبة والشفافية والحق فى الحصول على المعلومات. علاوة على مراجعة وتنقيح القوانين والانظمة المعمول بها فى مجال الاعلام خاصة الاعلام المملوك للشعب. وهى مهام ضرورية ومطلوبة اليوم قبل الغد. من هنا أقترح على الرئيس البدء فورا بتشكيل لجنة من الاعلاميين وخبراء الاعلام والقانون وممثلى الاحزاب والمجتمع المدنى للبحث فى صيغ قانونية وتنظيمية تضمن تغيير وتنظيم الاعلام والعمل بها لحين تشكيل البرلمان القادم الذى من حقه إعادة النظر فيها بالاقرار او التعديل ، ولعل أهم الصيغ المطلوبة لتغيير الاعلام والنهوض هى - الحفاظ على المؤسسات الاعلامية المملوكة للشعب والعاملين فيها. زيادة الدعم المخصص لوسائل الإعلام المملوكة للشعب حتى يمكن اعادة هيكلتها والنهوض بها ، ونقترح ان تأتى هذه الزيادة من : ميزانية الدولة، ورفع الرسوم المقررة على فاتورة استهلاك الكهرباء بنسبة محدودة، وفى المقابل يمنع بث الاعلانات التجارية وبيع الوقت فى القنوات والاذاعات التابعة للدولة حتى يمكنها أن تؤدى دورها كاعلام للخدمة العامة، يقف على مسافة واحدة من الجميع ويسمح لكل القوى المجتمعية للتعبير عن نفسها بعدالة ومساواة .تشجيع العاملين فى الإذاعة والتليفزيون العام والخاص على تشكيل نقابة مستقلة، وإصدار ميثاق شرف إعلامى ومدونات سلوك، وتشجيع نقابة الصحفيين على مراجعة وتطوير ميثاق الشرف الاعلامى . إلغاء وزارة الاعلام والتنظيمات الموروثة من عصور الاستبداد وهى المجلس الاعلى للصحافة واتحاد الاذاعة والتليفزيون على ان يحل مكانها الهيئات وهى : المجلس الوطنى للاعلام وهيئة للصحافة وهيئة للاعلام المرئى والمسموع (المواد 211،212،213 فى الدستور) ضمان استقلال الهيئات الثلاث المقترحة لتنظيم الاعلام من خلال توسيع قاعدة تمثيل ومشاركة كل المصريين بعدالة ومساواة . ضمان مصادر تمويل مستقلة لعمل الهيئات الثلاث من خلال تحديد نسبة من حصيلة الدخل على الاعلانات فى وسائل الاعلام كافة، ونسبة من حصيلة الرسوم على استهلاك الكهرباء . تجتمع الهيئات الثلاث لاقتراح قوانين حول ما نص عليه الدستور بشأن : ضبط وتحديد مفاهيم التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد والتى وردت فى مواد الدستور الخاصة بحرية الرأى والتعبير وحرية الاعلام وحرية الإبداع الفنى والادبي، بحيث لا تتحول إلى قيود جديدة على حرية الاعلام والابداع فى الوطن . اقتراح قانون لحرية الحصول على المعلومات وتحديد الضوابط المقترحة له بما لا يؤثر على حق المواطنين فى الوصول للمعلومات وتداولها . ضمان عدم التمييز بين الاعلام التقليدى وكافة أشكال الاعلام الجديد واعلام المواطن فى الحقوق والواجبات . اقتراح العقوبات المادية والادبية على المخالفين، وآليات تنفيذها والطعن عليها قضائياً، وآليات متابعة وتدقيق شكاوى المواطنين وتمكينهم من حقوقهم الاتصالية والإعلامية . مراجعة القوانين والأنظمة الخاصة بالإعلام بما يعزز من حرية الإعلام وتنوعه وينهى كافة القوانين والاجراءات التى تهدد حرية الرأى والتعبير وفى مقدمتها العقوبات السالبة للحريات .. وضع قيود ونسب لمساحات وأوقات الإعلان فى وسائل الاعلام الخاصة والصحف المملوكة للشعب، بحيث لا تتجاوز النسب المعمول بها عالمياً والتى تحترم حقوق الجمهور . الاهتمام بالتربية الاعلامية فى مناهج التعليم المختلفة من أجل الارتقاء بأنماط متابعة الجمهور لوسائل الاعلام التقليدية والجديدة، وتشجيع المواطنين على نقد ومراقبة الاعلام، وتمكينهم من المشاركة فى الاعلام. تشجيع ودعم الملكيات التعاونية فى الإعلام، وكافة أشكال الاعلام المحلي، وكذلك انماط الاعلام الجديد. لمزيد من مقالات محمد شومان