أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025    الناتو يخطط لزيادة قدراته العسكرية بنسبة 30% لمواجهة التهديد الروسي    مجلس الأمن يصوت اليوم على قرار لوقف دائم لإطلاق النار في غزة    ترامب يضاعف الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم وسط تحذيرات أوروبية من رد سريع    زلزال يضرب جزيرة «سيرام» في إندونيسيا بقوة الآن    السيسي يتوجه اليوم إلى أبو ظبي للقاء نظيره الإماراتي    موعد مباراة العراق ضد كوريا الجنوبية والقنوات الناقلة مباشر في تصفيات كأس العالم    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    ختام مارثون الامتحانات..ب مادتي الانجليزية والكمبيوتر بالشهادة الاعدادية بسوهاج    رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة إنتاج مجموعة أوبك+    بينهم 3 أطفال.. مقتل 4 وإصابة 28 في هجوم روسي على أوكرانيا    كامل الوزير: 70% نسبة تنفيذ الخط الأول من القطار السريع والتشغيل التجريبي يناير 2026    علي الهلباوي يحتفل مع جمهوره بعيد الأضحى في ساقية الصاوي    رشوان توفيق عن الراحلة سميحة أيوب: «مسابتنيش في حلوة ولا مرة»    بكام الطن؟ أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    طقس عيد الأضحى 2025 .. أجواء غير عادية تبدأ يوم عرفة وتستمر طوال أيام التشريق    مقتل محامٍ في كفر الشيخ.. ووكيل النقابة: اعتداء وحشي    تنسيق 2025.. هؤلاء الطلاب مرشحون لجامعة "ساسكوني مصر"    رسميا.. رفع إيقاف قيد الزمالك    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    «إنتوا هتجننونا».. خالد الغندور ينفعل على الهواء ويطالب بمنع زيزو من المشاركة مع الأهلي في المونديال    كامل الوزير: تذكرة المونوريل بنصف تكلفة بنزين السيارة    الدولار ب49.62 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 4-6-2025    "مايكل وملاكه المفقود" لهنري آرثر جونز.. جديد قصور الثقافة في سلسلة آفاق عالمية    مصرع وإصابة 17 شخصا في انقلاب ميكروباص بالمنيا    إصابة 14 شخصًا في انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوى الغربى بأسيوط    مشعر منى يتزين ب«الأبيض» بقدوم حجاج بيت الله في يوم التروية الآن (فيديو)    جيش الاحتلال يحذر سكان غزة من التوجه لمراكز توزيع المساعدات    البيت الأبيض: ترامب يأمل في أن تقبل إيران مقترحه وإلا فالعواقب وخيمة    ليلى علوي تنعى الفنانة سميحة أيوب: "كانت الأم المشجعة دايمًا"    موعد أذان فجر الأربعاء 8 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    دعاء النبي في يوم التروية.. الأعمال المستحبة في الثامن من ذي الحجة وكيفية اغتنامه    «حسبي الله فيمن أذاني».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل برسالة نارية    ريبييرو: سنقاتل في كل مباراة بمونديال الأندية.. ولست هادئًا طوال الوقت    90.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رئيس حزب الجيل: إخلاء سبيل 50 محبوسًا احتياطيًا من ثمار الجمهورية الجديدة    النيابة تستكمل التحقيق مع 5 عمال فى واقعة التنقيب عن الأثار بقصر ثقافة الأقصر    يُعد من الأصوات القليلة الصادقة داخل المعارضة .. سر الإبقاء على علاء عبد الفتاح خلف القضبان رغم انتهاء فترة عقوبته؟    للتنظيف قبل العيد، خلطة طبيعية وآمنة لتذويب دهون المطبخ    تعرف على أهم المصادر المؤثرة في الموسيقى القبطية    الهلال يسعى لضم كانتي على سبيل الإعارة استعدادا لمونديال الأندية    تامر حسني: «زعلان من اللي بيتدخل بيني وبين بسمة بوسيل ونفسي اطلعهم برة»    أبرزهم شغل عيال وعالم تانى.. أفلام ينتظر أحمد حاتم عرضها    مي فاروق توجه رسالة نارية وتكشف عن معاناتها: "اتقوا الله.. مش كل ست مطلقة تبقى وحشة!"    مسلم يطرح أحدث أغانيه "سوء اختيار" على "يوتيوب"    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد شراكة وتطوير لإطلاق مدينة «جريان» بمحور الشيخ زايد    رئيس الأركان يعود إلى مصر عقب انتهاء زيارته الرسمية إلى دولة رواندا    حملات مكثفة على المنشآت الغذائية استعدادًا لعيد الأضحى المبارك بالمنوفية    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    إرهاق جسدي وذهني.. حظ برج الدلو اليوم 4 يونيو    بمكون منزلي واحد.. تخلصي من «الزفارة» بعد غسل لحم الأضحية    رجل يخسر 40 كيلو من وزنه في 5 أشهر فقط.. ماذا فعل؟    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    هل تكبيرات العيد واجبة أم سنة؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة الجسد تقهر لغة العقل!
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 06 - 2014

لو أقيمت مسابقة فى الرقص والغناء بين فريق يمثل الشعب المصرى وفرق أخرى تمثل بقية شعوب العالم لفاز الفريق المصرى بالمرتبة الأولى دون منازع. ذلك أن كثيرًا من المصريين يتَّصفون بالمبالغة فى التعبير عن حالتى الفرح والحزن. يتملَّكهم الشعور الطاغى بالفرح والبهجة للدرجة التى يخرجهم بها عن وقارهم، رجالاً ونساءً، ويصبح الكبار والصغار والرجال والنساء عاصفة من الغناء والرقص، والتعبير بالصوت وبحركات الجسد، بما يظهر المواهب الكامنة، والقدرات التى لم تتح لها الفرصة للظهور أو التعبير عنها، وما أكثر ما يختزنه كثير من النساء والرجال ولا يتجلى إلا فى الأفراح والليالى الملاح.
كما يتملكهم الشعور الطاغى بالحزن والألم، فى المواقف الشديدة الإيلام، وبخاصة أمام أحداث الفقد والموت، التى تفقدهم كثيرًا من الوعى والاتزان والتوقّر، ولا يستريح البعض منهم - نتيجة للانغماس الهائل فى هذه الحالة، إلا بعد أن يشرف هو نفسه على الهلاك كأنه يودّ اللحاق بمن سبقه إلى الرحيل.
لا توسّط لدى كثير من الناس فى الحالين، ولا مراعاة منهم لاعتبارات السن والعقل والحكمة، وكلما تجاوزوا المعتاد والمألوف، جرفهم اندفاعهم إلى المزيد من التعبير عن مشاعرهم فرحًا أو حزنًا.
ولقد شهدت مصر - من أقصاها إلى أقصاها - صورة حية لهذا الفرح الغامر، عاشته بكامل مشاعرها وأحاسيسها وعواطفها، وعبرت عنه بلغة الرقص والغناء، فى مناسبة وطنية عزيزة وغالية، تمخَّضت عنها الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكان هذا المهرجان المشهود الذى عاشته مصر، تعبيرًا عن الإحساس الأكيد بانزياح الغمة، وانكشاف الظلام الحالك الذى عاشه الناس، بعد أن ظنوا أن ثورة يناير تفتح أبواب الخلاص، فإذا بها بعد أن اختُطفت تفتح أبواب الجحيم إرهابًا وفشلاً وعدوانًا وطغيانًا، وإلغاء للعقل وطمسًا للضمير.
ولقد أتاح مهرجان الفرح والبهجة، فرصة نادرة لاكتشاف لغة الجسد، عند المشاركين فيه رجالاً ونساء. ولغة الجسد مصطلح جديد سمعنا به لأول مرة فى لغتنا المعاصرة فى مناسبة بعض الكتابات الأدبية، وشاع على ألسنة كثيرة وأقلام عدة. ثم سمعنا به فى صورة أكثر إحكامًا وجدّية عند عدد من علماء التربية المعاصرين، وهم يتحدثون عن ضرورة تأهيل المعلم والمعلمة لاستخدام لغة الجسد فى توصيل المعرفة إلى النشء المتعلم. وقامت دراسات عديدة - فى هذا المجال - تتناول الصيغة المثلى لنجاح من يمارس مهنة التعليم - رجلاً أو امرأة - استنادًا إلى قدرته على استخدام لغة جسده، اقترابًا أو ابتعادًا، انحناءً أو ميْلاً، إسراعًا أو إبطاء فى الحركة والأداء. وكيف أن المهارة فى استخدام هذه اللغة، تجعل الفصل المدرسى مليئًا بالحركة والحيوية والنشاط والتفاعل، بالمقارنة بالمعلم الآخر الذى يظل ثابتًا فى موضعه لا يتحرك، ولا يشارك جسده فى تأكيد معلومة أو رفض أخرى أو تحقيق دهشة أو استثارة شعور معين، الأمر الذى يجعل الموقف التعليمى أو العملية التعليمية جامدة لا روح فيها، شديدة الوطأة على النشء المتعلم مللاً ورتابة، وخُلوًّا من الحيوية والحركية، فاقدة للقدرة على تحويل فراغ الفصل المدرسى - والمدرسة بكاملها - إلى ساحة نشاط وجاذبية وتشويق.
وأعود إلى لغة الجسد التى فجّرتها مواقف الرقص والغناء، وبالغْنا فيها بصورة يختلف فى تقييمها الناس: مُبرّرة وغير مبررة، لأقول إن طوفان الغناء الذى يجتاحنا فى هذه السنوات الأخيرة هو غناء مُوّجه إلى الجسد، وكلما أدّت هذه الأغانى إلى ترقيص الناس، كان ذلك دليلاً على نجاحها وعلوّ فنها ورقيّ صيغتها. واختفت - أو كادت - الأغنية التى تخاطب الوجدان والإحساس، وتفسح مساحة للاستقبال الهادئ والتأمل الجميل. وهذا هو السبب فى أن أفراحنا أصبحت ساحة للضجيج والصراخ، وتجاوبًا مطلقًا مع ألوان الغناء التى تستثير الأجساد وتحرّكها، ويشارك فى التراقص معها حتى الجالسون من المدعوين. فعندما يعلو غناء الجسد، ويصخب إيقاعه، فإن الطريق إلى إصابة الآذان المرهفة والحساسة بالصمم أمر وارد ومتوقع. ويذكّرنى غناء هذه الأيام - وبخاصة غناء الأفراح والمناسبات السعيدة - بالشاعر العظيم بيرم التونسى عندما عانى ما نعانيه نحن الآن فقال:
«ياهْل المغني، دماغنا وجعْنا، دقيقة سكوت لله». وكان فى هذه الكلمات القليلة كلّ الصدق وكلُّ الحكمة. فقد أصبحنا نبنى الوطن بالأغاني، ونتوهم أن أحلامنا تحوّلت إلى واقع بعد أن نُحوّلها إلى غناء، وأصبح الغناء بديلاً عن الفعل، وعن تحقيق ما ننشده ونأمله لهذا الوطن. وأصبحنا فى حاجة ماسة إلى إعادة التذكير بقول بيرم: «دقيقة سكوت لله»، والحقيقة أن ما نحتاجه أكثر من دقيقة ويوم وأسبوع وشهر وشهور.
فلنتعلم أن نغنى حينما يكون الغناء مطلوبًا، له دور، وله فاعلية، وله جلاله ووقاره وفنه العالى كلامًا وتلحينًا وأداءً. أما عندما يتحول إلى سطوٍ على ألحان من سبق أن أبدعوا وملأوا حياتنا بالنغم الأصيل، وعندما تصبح الكلمات - بما تحمله من معنى - تكرارًا لما استمعنا إليه من قبل وكان مبدعوه من كبار شعراء الأغنية، وليسوا من أنصافهم أو أرباعهم، عندئذٍ يحق لنا أن نكتفى بالأغانى الحقيقية التى سكنت وجداننا وأصبحنا نستدعيها ونعود إليها فى كل مناسبة جديدة عندما لا يسعفنا الحاضر ولا يضيف جديدًا إلى ما سبق إنجازه.
وأخيرًا، قليلاً من لغة الجسد، حتى نفسح الطريق لمزيد من لغة العقل، فهى أبقى وأنقى وأرقي!
لمزيد من مقالات فاروق شوشة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.