لا يمكن لعاقل أو وطنى أو فاهم لدينه فهمًا صحيحًا أن ينكر أن حصاد دعوة الجماعات الإسلامية والجمعيات الخيرية التى سارت فى ركابها كان حصادًا مرًا، فقد زرعوا أشواكًا، فجَنَينا حنظلا وعلقمًا.. لقد أكدنا فى أحاديث متنوعة أن دور الجمعيات الخيرية ينبغى أن ينحصر فى مهامها الإنسانية والاجتماعية والطبية، وأنها إن كانت صادقة فى رسالتها ، وفى خدمة مجتمعها ، ولا تهدف إلى مصالح خاصة: مذهبية، أو حزبية، أو خدمة أو أجندات خارجية ، و تعى أن مصلحة وطنها فوق أى اعتبار وكل اعتبار، فلتترك الدعوة إلى علماء الأزهر المتخصصين ، وتُسلّم عن رضا وطيب نفس الأمر إلى الجهة المختصة بتنظيمه وهى وزارة الأوقاف التى تعمل بتنسيق كامل مع الأزهر الشريف فى ظل القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. أما الذى حدث فى العقود والسنوات الأخيرة من جماعة الإخوان الإرهابية ، ومَن دار فى ركابها من الجماعات الإرهابية المتشددة وبعض الجمعيات التى أعلنت عن هويتها وكشفت عن حقيقتها بمجرد وصول الإخوان إلى السلطة ، وتبنّى كثير منها أفكارًا مقحمة على ثقافتنا الإسلامية الصحيحة السمحة، وعلى روحنا المصرية الأصيلة، وعاداتنا وقيمنا الراسخة، وثقافتنا وبنائنا الحضارى الذى لا يعرف العنف ولا الإرهاب، فنشأت موجات التشدد والتكفير، والإرهاب والتفجير، والطامة الكبرى أن يُرتكَب ذلك كله أو أكثره باسم الدين، وكما قال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر: والأدهى والأمرّ أن تُرتكَب موجات التفجير والقتل باسم الدين وتحت صيحات التكبير والتهليل، والإسلام من ذلك كله براء . ومن هنا نؤكد وسنظل نؤكد أن الإسلام بريء من هؤلاء وأمثالهم وتصرفاتهم ، وأننا أكثر من عانى ويعانى من أفعالهم الهوجاء التى تؤثر سلبًا على وحدة مجتمعاتنا وعلى اقتصادنا وبخاصة فى مجال الاستثمار، بل إنها تدمر عن عمد بعض جوانبه كالسياحة مثلا، ونؤكد أن الإسلام دين سلام، وأن الحضارة الإسلامية استوعبت حضارة الآخرين، وأكدت أهمية التعارف الإنسانى والتواصل الحضارى بما لم تهتم به أى حضارة أخرى، أو يدع إليه أى دين آخر بنفس القدر من احترام الآخر وتقديره . وحتى يتخلص المجتمع المصرى من تلك الآثار السلبية ، كان لابد من إجراءات فى مجال ضبط الخطاب الدعوي، والحفاظ عليه من أن تختطفه موجات التشدد من جديد ، أو أن تعود به إلى أيام سئمها المصريون جميعًا حين أخذ الخطاب الدينى يشق الصف المصرى بدلا من أن يعمل على جمعه، وكان من أهم أسباب ذلك اقتحام غير المتخصصين لمجال الدعوة والفتوى ، وإقحام السياسة مجال الدعوة، وتوظيف المجال الدينى للمصالح الحزبية والسياسية والفئوية، ومن هنا كان لنا بعض الإجراءات التى نريد أن تصل إلى واقع ملموس حتى نقضى على آثار هذا التشدد، منها: 1-قصر الخطبة على المسجد الجامع، وعلى المتخصصين من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف . 2-إسناد الأمر إلى أهله ، فلا شك أن السياسة الشرعية تقتضى إسناد كل أمر إلى أهله المتخصصين فيه ، سواء من القيام على شئون الجند، أو شئون الشرطة، أو شئون الأسواق، أو شئون المساجد، وسائر شئون الدولة ، وما كان لعامة الناس أو خاصتهم أن يفتئتوا على الحاكم أو الرئيس أو النظام القانونى للدولة بأن يحاول كل فريق منهم أن يقتطع لنفسه جزءًا من هذه الاختصاصات خارج نطاق الدولة، أو إقامة سلطة موازية لسلطتها الرسمية ، فلا تكون هناك دولة قوية ولا نظام محكم، وعليه فلا ينبغى أن تصنف المساجد ، هذه مساجد أنصار السنة ، وتلك مساجد الجمعية الشرعية، وأخرى للدعوة السلفية، وإنما هى جهة واحدة تشرف على جميع مساجد مصر، وهى وزارة الأوقاف، يقول الحق سبحانه: « وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا» (الجن:18)، ومن هنا كانت دعوتنا إلى إزالة جميع اللافتات التى ترتبط بالجماعات أو الجمعيات من على واجهات المساجد. 3-قصر الفتوى على أهلها المتخصصين ، فلا يسمح لغير المتخصصين بالفتوى ، وعليه ندعو إلى تفعيل لجنة الانضباط والقيم التى تقدمنا بمقترح إنشائها إلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر . 4-قصر صدور المجلات الدينية على الجهات المتخصصة بالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف . ونؤكد أننا لسنا ضد العمل الاجتماعى والإنسانى للجمعيات الوطنية التى تعمل فى النور تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى والجهات المعنية بالدولة، بل إن من واجبنا الدعوى والوطنى فى وزارة الأوقاف أن ندعم الدور الاجتماعى والإنسانى والطبى والتنموى الذى تقوم به هذه الجمعيات لتقديم خدمة حقيقية للمجتمع والإسهام فى تنميته، لكننا فى الوقت نفسه نؤكد أننا فى وزارة الأوقاف لن نسمح لهذه الجمعيات بأن تقتحم مجال الدعوة المُسنَد شرعًا وقانونًا إلى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وأننا سنقاوم بكل قوة وحسم أى محاولات لهذه الجمعيات وقياداتها لاقتحام المساجد دعويًا أو اختراقها فكريًا . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة