«لا يعتلى المنبر إلا أزهرى».. هذا ما أكدته وزارة الأوقاف معلنة تضامنها مع شعب مصر وجيشه فى مواجهة الأفكار المتطرفة والتحريضية التى تحض على الإرهاب وتدعمه من فوق المنبر.. وبعد حالة الفوضى التى شهدتها مساجد مصر مؤخراً خاصة بعد خلط الدين بالسياسة، جاء قرار «الأوقاف» بمنع إقامة صلاة الجمعة فى الزوايا الصغيرة، ووقف تصاريح آلاف الخطباء العاملين بنظام المكافأة.. ليضع حداً فاصلاً لفوضى الخطابة فى المساجد.. ويعيد للخطيب الأزهرى دوره المحورى فى نشر قيم الإسلام الوسطى وتعاليمه السمحة بعيداً عن المفاهيم المغلوطة والأفكار المتشددة.. «أكتوبر» طرحت الموضوع على نخبة من علماء الدين وأساتذة الأزهر.. وخرجت بالحصيلة التالية. فى البداية يقول د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن فى كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: هذه مشكلة افتراضية والخطاب الدينى الآن خليط من اجتهادات شاذة فلا توجد آلية منضبطة وخطط واضحة المعالم له. وأشار كريمة إلى أننا فى البداية علينا أن نوجد الخطاب الدينى الصحيح ثم يمكن الحديث عن التطوير والتحديث له. ويؤكد كريمة أنه لابد من وجود آلية للدعوة الإسلامية ووثائق تحدد ملامحها ويطلع عليه لجنة من الخبراء والأكاديميين والتربويين وتجتمع هذه اللجان تحت مظلة الأزهر الشريف «فعلى سبيل المثال كلية وأقسام الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف عمل أكاديمى وكلية التربية جامعة الأزهرعمل تربوى مع الخبراء من الإعلام الإسلامى».. وأوضح أن وضع الملامح الرئيسية للخطاب بواسطة الأكاديميين والتربويين والإعلاميين بالأزهر الشريف يمكن أن يوجد «صيغ» واضحة المعالم ومحكمة ومحددة الأهداف تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة فى إطار متناسق وبهذه الآلية يلتزم بها الدعاة والمؤسسات المعتمدة والأهلية حتى نتجنب حدوث أزمات دعوية. وأضاف أنه حان الوقت لأن تتخلى قيادات معينة عن الأعمال الإدارية والروتينية مثل توقيع البوستة لغيرهم وتتفرغ للعمل الدعوى فقط فإذا وجد المتخصص فى العمل الدعوى يتعايش ويتفاعل مع الدعوة. وقال كريمة إن الدعوة مشتتة فى الخطاب الدينى وأن وعظ الأزهر فى جهة والأئمة فى جهة أخرى، ويحذر من أئمة الجمعيات وما يلقونه من خطب تعد من أخطر الخطب وتشوه صورة الإسلام وأن هناك جمعيات بعضها يضم أئمة تستقطب أشباه الدعاة والطارئين على العمل الدعوى ينشرون مفاهيم مغلوطة وخاطئة وهذه قنابل موقوتة فلابد أن تكف هذه الجمعيات عن ممارسة العمل الدعوى فالمسألة عويصة وتحتاج لجهود جبارة لقيادات لا تعرف أنصاف الحلول، هذا بالإضافة إلى دور الرقابة التى كانت فى الماضى القريب لأمن الدولة فقط ومن الصعب أن يكون هناك مفتش أوقاف فى منطقة بها عشرون أو ثلاثون مسجداً لكن يمكن أن يستبدل جهاز أمن الدولة فى الداخلية بجهاز لتقييم الأداء. ومن ناحية أخرى قال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لا ننكر أن وزير الأوقاف قام بمحاولات عديدة لتطهير الوزارة من المتطرفين والمتشددين ومن الذين يحاولون نقل فكر آخر والبعد عن الدين الوسط المعتدل وأوقف من فعل ذلك من الأئمة. ويسعى جاهدا للسير بالوزارة إلى الطريق الصحيح الذى لا يجعلها عرضة للأهواء وليس لأى فصيل أو حزب بعينه. وأكد عاشور أن المساجد بنيت للذكر والتسابيح والاستغفار وليس للدعاية الانتخابية أو لمذهب معين أو طائفة معينة إنما لنشر الدين الإسلامى المتسامح. خطاب دينى مفخخ ومن ناحية أخرى يقول الشيخ أحمد ترك مسئول المساجد بوزارة الأوقاف: إن البيان الذى أعلن عنه وزير الأوقاف بإلغاء تصاريح 55,000 ألف إمام من العاملين بنظام المكافأة بالإضافة إلى منع إقامة صلاة الجمعة فى الزوايا التى تقل مساحتها عن 80 متراً فهو قرار واضح لأن هناك فرقاً بين إقامة الصلاة وأداء صلاة الجمعة فإقامة الصلاة فى المصلى الذى خصص للصلاة فأصبح مسجدا أو مصلى سارت ملكيته من ملك البشر إلى حكم ملك الله تعالى وبالتالى لا أحد يستطيع أن يمنع فيه الصلاة مطلقا فالمساجد والزوايا لا يمكن بأى حال من الأحوال ولا يحق لوزارة الأوقاف ولا دولة أن تمنع الصلاة فيها، وأوضح ترك أن الزوايا لا تقم فيها الصلاة إنما صلاة الجمعة تقام فى المسجد الجامع والزوايا أكبر من 80 متراً لأسباب فقهية ولأن الخطاب الدينى أصبح «مفخخاً». وأوضح ترك أن هناك آراء فقهية عن صلاة الجمعة مخصصة عند الإمام الشافعى تؤكد أنه لا يجوز إقامة الصلاة إلا فى المسجد الجامع فى كل منطقة وهناك آراء فقهية أيضاً تؤكد أنه لا يجوز بأى حال من الاحوال أن تتعدد صلاة الجمعة فى المكان الواحد. وأكد ترك اننا الآن فى أزمة كبيرة خاصة فى الخطاب الدينى الذى يلقى فى المساجد حيث كان الخطاب الدينى فى العام الماضى خطاباً «مفخخاً» يبعث على العنف والقتل وإراقة الدماء والتهجم على الممتلكات والمؤسسات فى دعاوى الجهاد والكفاح فى سبيل الله ومن حق وزارة الأوقاف بما أنها المسئولة عن المساجد أو أنها فى حكم السلطان عن المساجد شرعا وقانونا أنها تقيد الأخذ بمذهب معين أو برأى معين للمصلحة العامة، مؤكداً أن البيان الذى أعلنه وزير الأوقاف ليس المقصود منه منع أحد من أن يتحدث على المنابر إنما لضمان ألا يتحدث أحد إلا بذكر الله وان المساجد لله فلا تدعو مع الله ضدها إنما دور المساجد شيئين الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والشىء الآخر يمكن ان يكون لها دور وطنى لكن هناك فارق كبير بين الدور الوطنى والدور السياسى. قرار صائب ويؤكد الدكتور أحمد على عثمان أستاذ سيكولوجية الأديان وأحد علماء الأزهر الشريف على ضرورة وجود رقابة من جانب الأزهر ووزارة الأوقاف على خطباء المساجد حتى لا يتحول المسجد إلى أداة فى أيدى خطباء الفتنة والمحرضين على العنف وسفك الدماء ممن لا يعلمون عن الدين شيئا ولا يفهمون مضمون الدين الإسلامى مشيراً إلى أن قرار الأوقاف والذى لا يتيح لأى شخص أن يعتلى المنبر سوى الأزهريين فقط هذا القرار صائب حتى لا تكون المنابر فى أيدى سياسيين يستغلون الدين والمساجد لخدمة انتمائهم السياسى.. ويضيف أن خطباء المساجد يجب أن يكون حديثهم فى وسطية الدين السمح وعن الفضائل الكريمة وتهذيب النفس ومقاومة الشرور وخدمة الناس فمضمون الدين المعاملة الحسنة والخلق الطيب. مشدداً على ضرورة أن تصدر وزارة الأوقاف مرسوماً يتم توزيعه على الأئمة وخطباء المساجد وذلك لحظر الحديث فى أمور تثير الفتنة والبغضاء بين الناس وبين أبناء الوطن الواحد والبعد عن الدعاء بالسوء على الأعداء بل يتم الدعاء بالهداية والرجوع إلى طريق الله، ويطالب عثمان بضرورة أن تعقد وزارة الأوقاف بالتعاون مع الأزهر الشريف دورات للأئمة للتأكيد على منهج الوسطية وشرح دور الخطباء فى المجتمع وأهمية نشر المبادئ والأخلاق الحميدة بدلاً من الحديث فى السياسة التى تتغير بين الحين والآخر، وكذلك التأكيد على مبدأ لأنتماء وحب الوطن بدلاً من الخوض فى تفاصيل العمل السياسى والذى لا يدخل فى اختصاص الأئمة فى المساجد، مشيراً إلى أن دورة الإمام التى نطالب بأن ترعاها وزارة الأوقاف والأزهر الشريف يجب أن تكون شرطاً من شروط تأهيل الإمام للخطابة فى المساجد.. الالتزام بالمنهج الوسطى ويرى الدكتور علوى أمين عميد كلية الشريعة السابق بجامعة الأزهر أن الأزهر الشريف وعلماءه الوسطيين يجب أن يكون لهم دور فى وضع مبادئ الخطاب الدينى الوسطى عن طريق المحاضرات والدورات لكافة الأئمة والخطباء ويجب أن تخضع كافة الهيئات والجمعيات الشرعية وأنصار السنة المحمدية والجمعيات الأهلية لوزارة الأوقاف والأزهر الشريف بحيث يتم منع أى إمام ينحرف عن المنهج الوسطى فى الخطابة، مشيراً إلى أنه من غير الطبيعى أن يقوم شخص ليس له أى علاقة بدراسة الشريعة أو الدعوة ويتحول إلى إمام وخطيب. ويؤكد الدكتور علوى أمين أن خطبة الجمعة يجب أن تكون مستمدة من مبادئ الوحدة والإخاء لتؤكد على معانى السنة المحمدية ولا يجوز أن تتعرض الخطبة للجوانب السياسية لأنها متغيرة ولكن مبادئ الدين ثابتة ويجب أن يكون المسجد للم شمل المسلمين وليس للفرقة. الموعظة الحسنة يقول د. فوزى الزفزاف من علماء الأزهر الشريف إن الخطاب الدينى والمنهج الإسلامى يرجع إلى قول الله تعالى وادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فهذا هو المنهج الذى ارتضاه «الله جل وعلا» للنبى عليه أفضل الصلاة والسلام ومن بعده كل من يقوم بالدعوة، وأشار إلى أن كل من يخرج عن هذا المنهج أو يخالفه فهو مخاف للإسلام والقرآن فى الدعوة وأضاف أنه يجب على من يقوم بالدعوة وإلقاء الخطاب الدينى خاصة من علماء الأزهر ووزارة الأوقاف أن تسعى فى أداء مهمتها فى هذا المجال حتى يتجنب الدعاة المفاهيم الخاطئة ويقوموا بتصحيح ما نشره الإخوان وقاموا ببثه فى الشعب، ومن يخالف كلام الله فى الدعوة فهو آثم كما أنه لا يجوز الدعاء على مسلم، فدعاؤكم بالخير ودعاؤكم بالشر. رقابة الأزهر والأوقاف وأشارت الكاتبة سكينة فؤاد ومستشارة رئيس الجمهورية لحقوق المرأة إلى أنه لابد أن يكون خطباء المساجد من خريجى الأزهر الذين تعملوا وتربوا على صحيح الدين وسماحته وأحواله الحضارية فهم أئمة يدركون معنى الوطن ومقولة «مصر هى الشريعة السمحاء» فحضارة مصر لها علاقة وثيقة بالإسلام، وأضافت فؤاد أن القضية ليست صعبة إنما يجب أن نزرع الوسطية فى الأجيال الجديدة من خلال المدارس ومن المهم جداً أن نبدأ مع الأجيال الصغيرة بمحاولة إدراكه لعظمة وسماحة ورحمة الإسلام من خلال القنوات الفضائية فكل من لا يعرف عدالة ورحمة وسماحة الإسلام لا يعرف الإسلام الحقيقى، فالأزهر وأبناؤه هم من يمثلون وسطية الإسلام، وأكدت أنه لا يوجد شخص يتعمق فى الدين حقاً ويدعو إلى قسمة المجتمع الذى لا علاقة له بالسماحة. وقالت إن الحل أن تقوم مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف بإخضاع جميع المساجد والزوايا للإشراف والرقابة لضمان عدم تشويه الإسلام وعدم نشر التطرف وهى مهمة تتم الآن بالتدريج، من جانبه قال المحلل السياسى د. جهاد عودة إن معنى الوسطية هو عدم المغالاة فى تقدير الأمور أو المغالاة فى الإيمان، فالوسطية أساس الإسلام والإنسان بطبعه خطاء ويقول الرسول ? «فكل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» فمن الممكن أن يتشدد شخص فى معلومة معينة رغم خطئها فينتهى هذا التشدد بكارثة أو تطرف. وأكد عودة أن هذه القضية ليست قضية إيمانية إنما هى سلوكية فالوسطية سلوك إنسانى فدائماً الطريق الوسط يوصل إلى المأمون، وقال متسائلاً (كيف نصل لهذا) وهذه القضية مسألة تربوية فى المدارس هناك بعض المدارس الخاصة الابتدائى والإعدادى غير مهتمة بالبعد التربوى والدينى فى التعليم، ومنهم من يزرع قيماً متطرفة لدى الطلاب، فيجب على الوزارة الرجوع إلى التربية قبل التعليم والتأكد على نشر المنهج الوسطى داخل المدارس، وأشار إلى أنه يجب على وزارة الأوقاف ممارسة سلطة أعلى وتحديث الخطاب الدينى وأن يتجه إلى الوسطية. وأكدت د. سوسن الفايد أستاذ علم الاجتماع ورئيسة مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن الدين هو سلطان العقول لدى المصريين بمعنى أن المصرى يتأثر بكل ما يرتبط بالدين وهذا منذ تاريخه الفرعونى فالمصرى ميال للدين بالفطرة فكان يؤمن بالتوحد من قبل نزول الديانات السماوية، كما أشارت إلى أن الخطاب الدينى من الأشياء المهمة جداً والمؤثرة فى المجتمع فإذا وصلت منه معلومات مغلوطة واستقرت هذه المعلومات فى وجدان المصريين فسيكون له مردود سيىء جداً وسيحدث «تشويشاً» على العقول، فيجب تجنب ذلك وهذه المسئولية تقع على عاتق الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف فلابد من الاستقرار فى تدريب الدعاة واستبعاد من لهم أيديولوجية متطرفة. مواجهة الفكر بالفكر ويؤكد على نجم عضو الهيئة البرلمانية لحزب النور وعضو مجلس الشعب السابق أن أئمة المساجد لهم دور بارز فى المجتمع خاصة أن خطباء المساجد يتفاعلون مع المجتمع بصورة مباشرة إضافة إلى أهمية الدين لدى المواطن المصرى وهو ما يجعل رجل الدين له مكان مهمة وتقدير لدى كافة طبقات المجتمع، مشيراً إلى أن هذه المرحلة التى تمر بها مصر وحالة الحراك السياسى تحتاج إلى التأكيد على مبادئ الدين الوسطية حتى نتجاوز هذه المرحلة فى تارخ مصر والتى بدأت منذ 25 يناير والتى جعلت الدين يشغل حيزاً من السياسة فى مصر. وينتقد نجم قرار وزارة الأوقاف مشيراً إلى كل من هو قادر على تقديم دينه بأسلوب جيد ولديه العلم والخبرة يجب أن لا يمنع من الخطابة فالخطاب المتشدد يتعلق بفكر متشدد والافكار المتشددة موجودة خارج الأزهر وداخله أيضاً. ويوضح نجم أن معالجة الأفكار المتشددة يجب أن تكون بداية من المراحل التعليمية وخلق حالة وسطية وسلمية فى المجتمع والأمر يجب أن يتم دراسته لأن الفكر الخاطئ يجب أن يتم مواجهته بالفكر وليس بأى طريقة أخرى فالحكمة سابقة على الموعظة الحسنة هكذا علمنا ديننا الحنيف.