استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم 24 مايو 2024    عاجل| جيش الاحتلال يكشف عدد ضحاياه في الحرب على غزة (رقم كبير)    الصين تتهم تايوان بدفع الجزيرة نحو الحرب    غارات إسرائيلية تستهدف عددا من المناطق جنوب لبنان    ندالا يبشر الأهلي قبل مواجهة الترجي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    أنشيلوتي يتحدث عن.. اعتزال كروس.. مشاركة مبابي في الأولمبياد.. وموقف تشواميني من نهائي الأبطال    محمد عادل: فرصة مصر قوية للتأهل لكأس العالم لكرة القدم للساق الواحدة    غدا.. 27 ألف و779 طالبا وطالبة يؤدون امتحانات الدبلومات الفنية ببني سويف    سياحة ومصايف الإسكندرية: نسب اشغال الشواطئ مرتفعة ورفع الرايا الحمراء في غرب    منتظرون بشغف: كل ما تريد معرفته عن موعد وقفة عيد الأضحى 2024    تعرف على موعد ومكان عزاء شقيق الفنان مدحت صالح    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    صحة دمياط تنظم قافلة حياة كريمة في قرية أبو عدوي    تحرير 21 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    حصاد البرلمان | إصدار قانون إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية.. الأبرز    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    قائمة أسعار الأجهزة الكهربائية في مصر 2024 (تفاصيل)    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من ميت سلسيل بالدقهلية    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    ضبط شخص بأسيوط لتزويره الشهادات الجامعية وترويجها عبر فيسبوك    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    راشد: تصدر جنوب الجيزة والدقي وأوسيم ومديرية الطرق إنجاز المشروعات بنسبة 100%    هشام ماجد يكشف عن مفاجأة بشأن مسلسل "اللعبة"    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    «التنمية الصناعية»: طرح خدمات الهيئة «أونلاين» للمستثمرين على البوابة الإلكترونية    "طرد للاعب فيوتشر".. حكم دولي يحسم الجدل بشأن عدم احتساب ركلة جزاء للزمالك    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    نقيب المحامين الفلسطينيين: قرار محكمة العدل ملزم لكن الفيتو الأمريكي يمكنه عرقلة تنفيذه    السيدة زينب.. هل دفنت في مصر؟    في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا (4)    وزارة الثقافة تحتفي بأعمال حلمي بكر ومحمد رشدي بحفل ضخم (تفاصيل)    15 دقيقة لوسائل الإعلام بمران الأهلى اليوم باستاد القاهرة قبل نهائى أفريقيا    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    واشنطن تدرس تعيين مسئول أمريكى للإشراف على قوة فلسطينية فى غزة بعد الحرب    ظهرت الآن.. رابط بوابة التعليم الأساسي للحصول على نتيجة الفصل الدراسي الثاني 2024    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    الإسلام الحضاري    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    جوميز يخطر لاعبي الزمالك بهذا القرار بعد التعادل مع فيوتشر    وزير العمل يشهد تسليم الدفعة الثانية من «الرخص الدائمة» لمراكز التدريب    مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يوجه بضرورة الاستخدام الأمثل لموازنة الجامعة    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    أخبار الأهلي : دفعة ثلاثية لكولر قبل مواجهة الترجي بالنهائي الأفريقي    سول تفرض عقوبات ضد 7 أفراد من كوريا الشمالية وسفينتين روسيتين    17 رسالة من «التربية والتعليم» لطمأنة الطلاب    بوتين يوقع قرارا يسمح بمصادرة الأصول الأمريكية    «الحج بين كمال الايمان وعظمة التيسير» موضوع خطبة الجمعة بمساجد شمال سيناء    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    التموين تعلن التعاقد علي 20 ألف رأس ماشية    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الأوقاف: «آثم» من يعرف أن مصلحة الوطن فى «نعم» ويصوت ب«لا» على الدستور
الدكتور مختار جمعة في ندوة «الوطن»: شرع الله لا يمكن أن يطبقه من يقولون «نحكمها أو نحرقها»
نشر في الوطن يوم 08 - 01 - 2014

حذر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، من خطورة التيارات التكفيرية، وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، مؤكدا أن الإسلام برىء منها، وأنها صارت عبئا على الدين الإسلامى الحنيف، مشددا على أن الدين برىء ممن يقومون بأعمال تفجيرية وانتحارية.
وأضاف وزير الأوقاف، فى ندوة نظمتها «الوطن»، أن عددا من الجمعيات سعت لشق الصف الوطنى برعاية بعض الدول الخارجية، وأشار الوزير إلى أن الأزهر تعرض لضغوط فى عهد الإخوان لم يشهدها من قبل، بعدما كشف الغطاء عن التيارات المتشددة أمام الرأى العام، ولفت إلى أن الإخوان مارسوا الإقصاء أكثر من نظام مبارك، كما كشف «جمعة» عن رغبة بعض أقطاب التيار السلفى فى هدم الأزهر، من أجل تحقيق مشروعهم الخاص.
■ نحن نتابع أداء فضيلتك وخطواتك لإعادة الخطاب الدعوى إلى مساره الصحيح وإعادة المساجد والمنابر إلى الأوقاف، حيث الوسطية والاعتدال، فكيف يرى وزير الأوقاف مستقبل الوزارة بكل ملفاتها وقطاعاتها؟ وما الاستراتيجية التى تعمل بها الوزارة خلال المرحلة الصعبة الراهنة؟
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله. بداية أشكركم على الدعوة الكريمة لحضور ندوة جريدة «الوطن»، وهذا يأتى فى إطار التواصل المجتمعى مع كل أبناء الوطن، ونحن على مستوى وزارة الأوقاف وعلماء الأزهر والأئمة نتواصل مع الجميع، وتوجد اجتماعات دورية داخل قطاعات الوزارة والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ونعقد ندوات ومؤتمرات، إضافة إلى التواصل مع كافة القوى الوطنية، لا سيما الشباب، وأنا بطبعى متفائل وأرى أن اليأس لا يصنع مستقبلا، واليائسين لا يتقدمون بأنفسهم ولا بالوطن.
وتكرارا ومرارا يحاول أعداء الوطن زرع اليأس فى نفوسنا، كأن يقولون «لا فائدة ولا جدوى من أى شىء» بينما علماء الإسلام يرون اليأس والإحباط والتحبيط من الكبائر، فمثلا بث الأمل فى المريض يساهم فى شفائه بدرجة كبيرة. والرسول عليه الصلاة والسلام قال «تبسمك فى وجه أخيك صدقة»، لأنه يريد أن يعيش المجتمع على الأمل والتفاؤل والحب.
■ إذن كيف عرف التشدد طريقة إلى مجتمعنا المصرى؟
- التشدد والتحجر فى الفكر جاء نتيجة لاقتحام غير المتخصصين عالم الدعوة، بالإضافة إلى ما يسمى الفضائيات الدينية، التى بثت التشدد والتطرف ليل نهار، وتراجع دور المؤسسة الدينية ووزارة الأوقاف فى فترات سابقة.
■ هل نحتاج إلى وقت طويل لإزالة ما علق بالمساجد والخطاب من تشدد وخلافه؟
- العمل يجرى على قدم وساق، بالتنسيق مع مشيخة الأزهر، وكنا نتوقع أننا بحاجة إلى مدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات لإزالة التشوهات والنتوءات التى أصابت الوجه الحضارى للإسلام، لدرجة أننا سمعنا بعض الناس تقول عقب الأعمال التفجيرية والانتحارية القبيحة، إن كان هذا هو الإسلام «مش عاوزينه»، إذن التشدد والتطرف صار عبئا على الإسلام والوطن. ولذلك قلنا إن الإسلام برىء من كل الأعمال التخريبية والتفجيرية، وخصصنا إحدى خطب الجمعة لذلك الأمر، وأكدنا خلالها أن المنتحر يعجل بهلاكه فى الدنيا والآخرة ويخسرهما معا، ومن يقوم بالأعمال التفجيرية ليس شهيدا، وقتلى الجيش والشرطة فى تلك الأحداث دفاعا عن الوطن «شهداء». وكنا منذ أيام فى زيارة للمصابين فى حادث تفجير الدقهلية، وأنا ألفت مؤلفا بعنوان «المعدل اللغوى» لاختيار اللفظ السليم فى موضعه، ولم أجد لفظا يعادل ما دفع هؤلاء المجرمين لشن عدوانهم وإجرامهم، ومن يرى المصابين والقتلى فى تلك الأحداث يدرك أن منفذى تلك الجرائم والمشاركين فيها لا علاقة لهم بالأديان ولا الوطنية ولا الأخلاق، فهؤلاء انسلخوا تماما عن دينهم ووطنيتهم وإنسانيتهم، ولا يمكن لأى عاقل أن يقبل على تفجير نفسه والانتحار بهذا الشكل. وإذا أردنا القضاء على التشدد فلا بد من القضاء على التسيب، لأنه إذا شاع التسيب والانحلال عاد دعاة الغلو والتشدد الذين ينفذون إلى الشباب من باب التصدى للانفلات، ويصدرون للناس أنهم مجاهدون فى سبيل الله وحاملو لواء الشريعة، وهذا بعيد تماما عن الإسلام، فهو دين الوسطية ولا بد من معالجة أمور كثيرة.
والدولة من جانبها تعكف ليل نهار على تحسين الأحوال الاقتصادية للناس، خاصة الشباب، لأن المتشددين استقطبوا بعض المنتمين للطبقات الفقيرة.
■ لكن أمثال طارق الزمر وأسامة بن لادن وغيرهما كثيرون خرجوا من بيئات غنية وينتمون لطبقات عليا، فما تفسيرك لذلك؟
- لم أحصر السبب فى خروج المتطرفين فى الجانب الاقتصادى، فهذا أحد الأسباب، والنقطة الأهم هى تناول المشكلة بكل أبعادها، فدائما يقولون: «أهل الباطل لا يعملون إلا فى غياب أهل الحق». وأى إنسان تعرض عليه سماحة الإسلام والفكر المتشدد والغلو، لا يمكن بفطرته إلا أن يميل لسماحة الإسلام.
■ ولماذا تراجعت صورة الإسلام السمحة من وجهة نظركم؟
- سماحة الإسلام لم تصل للجمهور فى ضوء تراجع المؤسسة الدينية وانحسار دورها، لظروف خارجة عن إرادتها، ووصول تلك التيارات المتشددة بفكرها إلى الكفور والنجوع، تحت غطاء المساعدات الاقتصادية، وأنا إلى جانب مسئوليتى عن وزارة الأوقاف لا زلت مسئولا عن ملف الدعوة وعضو المكتب الفنى ومسئول الإعلام الدينى بالمشيخة، ونقوم بشكل دورى بإعداد قوافل وندوات لنشر اعتدال ووسطية الإسلام.
■ هل لك أن تُطلعنا على طبيعة هذا النشاط الدعوى؟
- النشاط الدعوى مستمر على مدار ال 24 ساعة، وتوجد قافلة دعوية لمدة أسبوعين اتجهت إلى سيناء، والحمد لله وصلت إلى شريحة كبيرة جدا من الناس، ونظمنا ندوات ومؤتمرات للأمن المركزى ومراكز الشباب، بالإضافة إلى تنظيم قوافل للمدارس والجامعات، ولم يعد الأمر مقصورا على المساجد فقط. والخطاب الدينى دائما يعلمنا أننا لا نريد أن نكون حكاما، وإنما نحكم بشرع الله، وهذا لا ينطبق على من يقولون: نحن أو الطوفان، أو يقولون: «نحكمها أو نحرقها». وننظم قوافل وندوات دعوية، والبعض يسأل لماذا شاب الدعوة بعض «اللخبطة»، خلال الفترة الماضية؟
■ لماذا؟
- لأنه إذا تدخلت السلطة فى توجيه الدعوة فشلت السلطة والدعوة معا، ففى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك استطاعت السلطة استقطاب مجموعة من العلماء والمشايخ الباحثين عن مكان، كما جرى شراء أنصاف المثقفين، لأن المثقف الحقيقى لا يبيع قيمه ولا ضميره ولا مبادئه. والعالم الحقيقى لا يمكن شراؤه بأى ثمن، وللأسف استقطاب السلطة للبعض جعل الناس تطلق على المشايخ علماء السلطة، وبدأ الشباب يفقدون الثقة فى بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية، فمثلا يخرج أحد المشايخ بفتوى تبيح كل تعاملات البنوك وآخر يفتى بتحريمها، ثم ظهر فى الفضائيات الدينية مصطلح «علماء ربانيون» وهم لا علماء ولا ربانيون ولا يفقهون شيئا وغير متخصصين، ومع ظهورهم بدأت ترتبط الفتوى فى أذهان الشباب بالتشدد، واعتقدوا أن كل من تشدد أكثر فى أمور الدين يصبح كما يقولون «بتاع ربنا». كما أن الإخوان كانوا إقصائيين أكثر من نظام مبارك، ومارسوا التشدد. ونحن حاليا نركز على محاربة التشدد والإقصاء. كما بدأ المتشددون يحاربون ويحققون مكاسب، كما سعت بعض الدول لرعاية ودعم بعض الجمعيات المتشددة لشق الصف الوطنى.
■ كيف ترى أفضل الطرق لمواجهة تلك الجمعيات؟
- لا بد من مراقبة جادة لأموال جميع الجمعيات، بحيث تقوم الجهات الرقابية بدورها فى تفعيل القانون وعدم السماح لتلك الجمعيات بجمع تبرعات دون إيصالات رسمية، خاصة فى ظل وجود جمعيات تعمل فى مجال الدعوة أو الثقافة، وأغلبها يعمل لأهداف حزبية ومذهبية وربما تكون بولاءات غير وطنية وتعمل لصالح الدول الممولة.
■ ماذا عن سيطرة الأوقاف على مساجد الجمعيات؟
- نحن أرسلنا خطابا إلى وزارة التضامن الاجتماعى لإفادتنا بالجمعيات المحظورة والمجمدة، وبناء على ذلك سيطرنا على مساجد المقرات الرئيسية لأكبر 3 جمعيات، وهى الجمعية الشرعية وأنصارالسنة المحمدية ودعوة الحق. ويأتى ذلك فى إطار بسط وزارة الأوقاف سيطرتها على المساجد التابعة لتلك الجمعيات. وبفضل الله رجال الأزهر والأوقاف جاهزون لسد أى فراغ دعوى وأداء رسالتهم وفق سماحة الإسلام وسعة أفقه.
■ كيف تنظرون إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية ذات النشاط الدعوى؟
- هذه الجمعيات لها نشاط بارز فى مجال العمل الاجتماعى، أما اقتحامها ساحة العمل الدعوى فهذا محل النقاش، وإذا تم توظيف تلك الجمعيات حزبيا أو طائفيا أو مذهبيا فإنها تشق صف المجتمع وتحدث شرخا فيه، ولا بد من مراقبة هذه الجمعيات ومعرفة توجهات مجالس الإدارات، ومرحبا بالجمعيات التى تعمل فى إطار المصلحة الوطنية ما لم تشق صفا أو تؤدى إلى فرقة، أو تُوظف لصالح فصيل بعينه أو جهة بعينها.
■ كيف ترون موجة التشدد التى يعانى منها المجتمع؟
- نحن دائما نعتبر الفقه هو التيسير بدليل، ولم يقل أحد من أهل العلم، لا فى القديم ولا الحديث، إن الفقه هو التشدد، والله تعالى يقول فى كتابه العزيز: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» وفى موضع آخر « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، وأيضاً قال تعالى: «لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ». وللأسف هناك نمطية فى الدعوة وضعف بعض الخطباء، نظرا لأن الدولة لم تكن تولى المشايخ أى اهتمام أو تقدير للدعوة، كما دخل مجال الدعوة عدد غير مؤهل وبدأ الجمهور يتوقع ما يقال فى الخطبة، بعدما صارت تقليدية، والخطيب لا يُضيف جديدا للجمهور، لذلك أطالب كل الدعاة بالارتقاء بمستواهم والابتعاد عن العامية.
■ لماذا تراجع دور الدعاة؟
- الدور الاقتصادى أثر بالسلب على الدعوة، والبعض استسهل الدعوة فاقتحمها، باعتبارها مهنة من لا مهنة له، ونحن من جانبنا نسعى إلى دعم أئمة الوزارة حتى ينجحوا فى تأصيل كل القضايا والموضوعات بدلائل من القرآن والأحاديث. ونرفض أن يكون الخطيب أو الإمام مُسيسا. ونركز فى خطب الجمعة على القضايا الراهنة، مثل امتناع البعض عن سداد فواتير الكهرباء والمياه، وقلنا إن عدم سداد القادرين لمستحقات الدولة أكل للسحت وخيانة للوطن، وذلك بالأدلة الشرعية. كما أننا ننظم قوافل دعوية يرعاها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وكل تكلفتها على نفقة المشيخة، علاوة على أننا ننسق مع دار الإفتاء.
■ كيف أصبحت الدعوة مهنة من لا مهنة له، وهى أجل من ذلك بكثير؟
- حاليا دخل الدعوة أشخاص غير مؤهلين ولا علاقة لهم بالدعوة. ونحن فى الأزهر لدينا مصطلحات مثل عضو هيئة كبار العلماء وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وواعظ وإمام وخطيب، ومن ليسوا من أهل المهنة ولا ينتمون للأزهر والأوقاف يطلقون على أنفسهم ألقاب «الداعية، المفكر الإسلامى» وأنا أطالب بشطب هذه المصطلحات من القاموس، لأنها مسميات من لا مهنة لهم، مثلما يطلق البعض على أنفسهم ألقابا مثل الخبير الإعلامى والناشط السياسى.
■ ومتى تنجح الأوقاف فى أداء دورها؟
- لن تنجح مؤسسة تعمل بمفردها، لا الأوقاف ولا الإعلام ولا التعليم ولا الشباب، وأسعى إلى تنقية الدعوة من الدخلاء ولا بد من تنقية الإعلام وغيره من الدخلاء، والحقيقة أن بعض المساجد أو الزوايا قد لا تجد إماما تابعا للأوقاف فيقدمون أحدهم، ومع مرور الأيام يمارس هذا الشخص العادى مهام الخطيب وبعدها يلقب ب«الشيخ».
■ ماذا عن مجالس إدارة المساجد؟
- أنا أراجع هذا الأمر جيدا، وقررت حل مجالس إدارة جميع المساجد التى شكلت فى عهد النظامين السابق والأسبق، لأن كليهما كان له انتماؤه ومآربه، وفى عهد مبارك كان الخطاب الدعوى يركز على العدالة الاجتماعية، نظرا لتفاوت الفروق الطبقية التى وصلت بنا إلى حافة الهاوية، فلما اجتمع الظلم والجوع معا أفرزا الثورة، كما أن نظام الإخوان كان إقصائيا وبالتالى نعمل على محاربة المرضين اللذين خلفهما نظاما مبارك والإخوان. ونحن مؤخرا أنشأنا إدارة كبيرة اسمها «إدارة المساجد الكبرى»، لمتابعة المساجد مثل مصطفى محمود والحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والأزهر والفتح وأسد بن الفرات وغيرها، والحمد لله لدينا حاليا مجموعة من العلماء والدعاة المتميزين مسيطرين على تلك المساجد بعدما كانت مختطفة فى عهد الإخوان، ولدينا نماذج طيبة، فمثلا مسجد الثورة بمصر الجديدة يخطب فيه شاب اسمه «سيد عبدالبارى» وكل رواد المسجد سعداء بأدائه، وأستطيع القول إن عددا كبيرا من الدعاة لم يسوقوا إعلاميا ولم يأخذوا حقهم.
■ إلى أى مدى أنت راضٍ عن الخطاب الدينى حاليا؟
- بعد التشوهات التى أصابت الدعوة والخطاب الدينى من عهد الإخوان، قطعنا شوطا كبيرا بفضل الله بعد دعم الشعب والإعلام وكل المؤسسات لنا، وفى رأيى أن مهمة الإعلام فى خدمة القضايا الوطنية بصدق لا تقل عن دور الداعية، الإعلام القائم على الموضوعية وإبراز الحقيقة، وهناك فارق بين الداعية والسياسى، فالداعية منصف ومحايد وإن أحسنت الحكومة يقول لها أحسنت وإن أساءت يُسدى لها النصح، أما السياسى فيحاول دائما قلب الحسنات إلى سيئات وتحويل الإيجابيات لسلبيات، كما أن الناس أنواع.
■ ما السر وراء استهداف التيارات المتشددة للأزهر الشريف؟
- لأن الأزهر هو الجهة الوحيدة التى تسحب الغطاء المجتمعى عن الجماعات المتشددة المحسوبة على تيار الإسلام السياسى، والأزهر الوحيد القادر على إحداث توازن والتصدى لتلك التيارات وكشفها، وقد تعرض فى عهد الإخوان لضغوط لم يشهدها من قبل لمحاولة السيطرة والسطو عليه، والمؤسسة الدينية هى التى تكشف أفكار المتشددين وتفضحها، وقد وصل إلى أسماعى أن أحد أقطاب التيار السلفى يتمنى هدم الأزهر لبناء مشروعهم.
■ وأين علماء الأزهر مما يحدث ويحاك لمؤسستهم الدينية ولمصر عامة؟
- علماء الأزهر يعملون، وجيل يسلم جيلا، فالناس كانت ترى أن الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، لا مثيل له ولا يوجد من يسد فراغه فى دار الإفتاء، وأغلب المصريين لم يسمعوا من قبل عن الدكتور شوقى علام إلا بعد توليه الإفتاء، وحاليا يمارس دوره بنجاح واقتدار، وهذا يدل على أن المؤسسة الدينية ليست خاوية إنما مليئة بالعلماء والقامات، وهذا ما جعلنى أنحاز لعلماء الأزهر فى بعثة الحج السابقة.
■ وكيف أثر انحيازك لعلماء الأزهر على نجاح البعثة؟
- حذرت هشام زعزوع وزير السياحة من حدوث أزمة كبيرة فى حالة اصطحاب مشايخ السلفية والإخوان على رأس بعثة الحج السياحى، فى ظل حالة الاستقطاب التى تشهدها البلاد وتهديد الإخوان برفع شعار رابعة خلال أداء المناسك، وكانت شركات السياحة تعلن عن أسماء بعض المشايخ على رأس بعثاتها، وكأن الحج معهم يعادل حجتين، وتلك الشركات هدفها الربح فقط.
واتفقت مع وزير السياحة على اصطحاب وفد أزهرى من علماء الأزهر وأساتذة الجامعة والعمداء على رأس بعثات الحج، فكان الدكتور عباس شومان على رأس بعثة التضامن، والدكتور شوقى علام على رأس بعثة السياحة، وآخرون ولم تتحمل وزارة الأوقاف أى نفقات لهم، وكان موسم الحج تاريخيا، لأن علماء الأزهر أبناء مدرسة واحدة وعلى قلب رجل واحد، وبالتالى خرجت الفتوى موحدة للتيسير على الحجيج.
■ ما مساحة التنسيق بين الحكومة والدعوة؟
- هناك علاقة تنسيق وتكامل، ولا تعارض بين مصلحة الوطن والدين، وأينما توجد المصلحة فثم شرع الله، وبالتالى لا بد من وضع عالم على رأس الدعوة يدرك الأصول الشرعية ويراعى مصلحة البلاد، لأن مصر لا قدر الله إذا أصابها مكروه ووقعت فلن تقوم للعرب قائمة، ومصر هى التى صدّرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها، بما فيها البلد الذى نزلت به الرسالة، كما قال فضيلة الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى، رحمه الله تعالى. ومصر هى قلب الأمة ودرعها وسيفها، وأذكر أحد المسئولين العرب الكبار حين قال لى: «أتمنى أن تكون مصر بلد عظمى، وهذا لا أتمناه لبلدى لأن مصر ضمانة لكل العرب لما لها من تاريخ وحضارة وثقافة». وبالتالى علينا أن ندرك قدر بلدنا ومن أجل ذلك لست خائفا أو فى حرج حينما أقول إننى على تواصل مع كل الجهات المعنية والرقابية والمسئولة فى الدولة بشأن تبادل المعلومات، وفى النهاية أنا صاحب القرار الدعوى.
■ بعض التيارات تربط الاستفتاء على الدستور بالجنة والنار.. فكيف ترى ذلك؟
- الاستفتاء لا علاقة له بالجنة أو النار، والمطلوب من الدعاة أمران، هما حث الناخبين على المشاركة فى الاستفتاء، باعتبار ذلك واجبا وطنيا ودينيا بغض النظر عن التصويت ب«نعم أم لا»، والأمر الثانى يجب التنبيه على ألا يبيع أحد صوته بمال أو مصلحة فى الدنيا، لأن فى ذلك خيانة للوطن، فالمفترض أن الناخب يصوّت على أساس الكفاءة، فإن اجتهد وأخطأ فله أجر، أما إن اجتهد وأصاب فله أجران. والقضايا السياسية التى تقبل الرأى والرأى الآخر لا مجال فيها للحكم بالحل والحرم أو الجنة أو النار. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، الاختلاف حول أسبقية الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، فكل مواطن له رأيه ووجهة نظره المختلفة عن الآخر، وأى وجهة نظر لا تُخرج المواطن عن دينه سواء بتأييد إجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وهو نفس الأمر بالنسبة لإجراء الانتخابات البرلمانية بنظام القوائم أو الفردى أو المختلط، لأنه ربما يكون نظام يصلح لمرحلة معينة ولكل شخص الاجتهاد فى الأمر، وكلها أمور لا علاقة لها بالجنة أو النار، وإلا توقفت عجلة الحياة.
■ هل تلعب الوزارة دوراً واضحاً فى هذا الصدد؟
- دور وزارة الأوقاف هو العمل على ما يحقق مصلحة الوطن، وتنبيه الناس إلى أن يكون الاختيار على أساس الكفاءة لا الولاء، ونحن نحشد الناس للمشاركة والتصويت بما يحقق المصلحة العامة، ومن يعرف أن مصلحة الوطن تصب فى اتجاه التصويت ب«نعم» ثم يقول «لا» على الدستور فهو آثم، لأنه خالف ما ينبغى أن يكون. كما يأثم من يرى أن المرشح «فلان» فى الانتخابات هو الأفضل ثم يختار غيره، لأنه باع ضميره بمصلحة مادية وخلافه.
■ وماذا عن رؤية الوزارة لدور المرأة داعيةً ومدعوةً؟
- نحن كوزارة ركزنا على المرأة، وشكلنا لجنة للمرأة والأسرة والطفل بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ولأول مرة تعقد ندوة نسائية خالصة فى الفترة الماضية، ضمت عالمات متخصصات فى مجال الفقه والطب والإعلام، ولم يشارك فى الندوة من الذكور سوى الدكتور أحمد عجيبة، الأمين العام للمجلس، لضبط إيقاع الندوة فقط. كما أن الوزارة أعلنت عن فتح الباب للتقدم أمام الداعيات.
■ تقصد المرشدات الدينيات؟
- أرفض مصطلح المرشدات لأنه سيئ السمعة فى النظامين السابقين، ففى عهد الإخوان المرشد كان مقصوداً به صانع القرار، وفى عهد «مبارك» قصد به مرشد أمن الدولة، وبالتالى أُفضّل لقب «واعظات»، وهن متخصصات من الأزهر الشريف لنشر الوسطية وتصحيح المفاهيم المغلوطة، خصوصاً أن الجماعات المتشددة لعبت على المرأة أكثر من الرجل، نظراً لأنها عاطفية وأكثر انقياداً، ونحن سنستعين بالمعيدات والمدرسات بجامعة الأزهر من تخصصات الفقه والحديث والتفسير وغيرها من العلوم الشرعية لتثقيف المرأة، كما أننا عملنا فى مجال تحفيظ القرآن الكريم وفتحنا الباب لتحفيظ القرآن للسيدات والفتيات بمصليات السيدات، إضافة إلى الاستعانة بطبيبات عن طريق عميدة كلية الطب الدكتورة مها عقل، لتوصيل نصائح طبية للجمهور وتحديداً المرأة، بجانب بعض علوم الشرع.
■ كيف تعاملت وزارة الأوقاف مع قرار مجلس الوزراء بإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب؟
- نحن فى دولة قانون، وبصرف النظر عن الانتماءات وضعنا حزمة من الإجراءات الدعوية، ومن يلتزم بمنهج الوزارة فأهلاً به، كما أننا لن نقبل فى قيادة الوزارة إلا من كان أزهرياً قلباً وقالباً وشكلاً ومضموناً، ومن يخالف نهجنا سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضده؛ من تحويل للتحقيق أو عمل إدارى وخلافهما.
ونحن لا نتعامل مع أى شخص يستغل المنابر للسياسة الحزبية، ولن نسمح بذلك حتى تخرج المساجد من حيز الانقسامات ويتم الحفاظ على قدسيتها بعيداً عن أى مهاترات، لكن فى نفس الوقت أطمئن الجميع بأن أكل العيش لدينا «خط أحمر»، ولن يفصل فى عهدى أحد من عمله، والفاسد يعاقب ويقدم للقضاء، ومن يعتقل أو يسجن يأخذ نصف راتبه، فهذا حق أسرته حتى لا تتحول الأسر إلى قنابل موقوتة.
■ كيف ساهمت السيطرة على المساجد فى تزكية الانقسام فى عهد الرئيس المعزول؟
- الانقسامات التى حدثت فى الفترة الماضية لم يشهدها التاريخ المصرى من قبل، ودبت الخلافات بين أبناء الأسرة الواحدة، وتم إقحام بيوت الله فى تلك العملية، لدرجة أن مساجد كانت تدعى على الجيش فى دعاء القنوت وأخرى تؤيد الجيش، وكل ذلك ناتج عن توغل أنصار التيار الإسلامى وهيمنتهم على المساجد، كما كانوا ينزلون أى إمام من على المنبر إذا كان لا يدعمهم، وبذلك تحولت المساجد لساحة حرب وفرقة، وأنا دورى حالياً إعادة الهيبة والاحترام للخطيب والقدسية للمسجد، وأؤكد أن المساجد لن تعود إلا إذا تم إبعادها عن السياسة.
■ ما رؤيتك لإعداد خطيب عصرى يواكب المستجدات؟ وبأى شكل يتم سد الفراغ الدعوى؟
- سد الفراغ الدعوى يحتاج إلى إعداد جيد، ولدينا نماذج متميزة، وبدأنا بثلاثة مراكز لتثقيف الدعاة؛ بمسجد النور بالعباسية، وأسيوط، ومعسكر أبوبكر الصديق بالإسكندرية، وبصدد زيادة مراكز التدريب إلى 9 على مستوى الجمهورية لتثقيف الأئمة وتدريبهم جيداً، علاوة على أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يوفر كتباً ومطبوعات بأسعار فى متناول الجميع، وبتخفيضات للأئمة، وأعدنا طباعة كثير من الموسوعات والكتب القيمة تباع بسعر التكلفة، إضافة إلى التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لتوفير «لاب توب» لكل إمام بأسعار مخفضة وبالتقسيط، بجانب أن المسجلين على موقع الوزارة وصل إلى نحو 50 ألف أغلبهم أئمة، بما يؤكد التواصل والتفاعل مع كل ما يصدر عن الوزارة من قرارات.
كما تم افتتاح مركز المؤتمرات ليكون مركزاً عالمياً للتدريب يحوى ترجمة فورية لثلاث لغات، ونحن نستمر كذلك فى إيفاد المبعوثين للخارج، ولا نرسل من الأئمة إلا من يجيد لغة البلد الذى يسافر إليه، كما اتفقت مع السفير نبيل فهمى، وزير الخارجية، على التعاون المشترك فيما بيننا، بحيث يتم إرسال الأئمة الموفدين للخارج إلى المعهد الدبلوماسى حتى يتعرف الموفد على طبيعة وثقافة البلد الذى يسافر إليه، ويتم مده بالمعلومات الكافية حتى يستطيع التفاعل مع الجاليات والجمهور الموجود هناك، وهذا يؤكد أننا ننفتح على الجميع ونرتقى بالدعاة إلى أفق ثقافى أوسع.
■ ماذا عن القضايا الخلافية التى أثارت جدلاً طويلاً حول مستجدات العصر؟
- نعم هى قضايا شائكة كثيرة، مثل «الموت الإكلينيكى» هل يعد موتاً حقيقياً أم لا، ومافيا تجارة الأعضاء كانت تسعى إلى اعتماد الموت الإكلينيكى وربطه بقانون مجهول الهوية، وكيف يتم اعتماد الموت الإكلينيكى موتاً رغم وجود حالات ترد إليها الحياة حتى ولو كانت ضئيلة؟ وهناك تساؤلات كثيرة فى هذا الصدد؛ هل تقسم تركة «الميت إكلينيكياً» وهو لم يدفن؟ وهل يحق لزوجته الزواج؟ وهل يصبح من حق زوجته وأولاده الحصول على معاش؟ والخطورة الشديدة أن مافيا الأعضاء حريصة على بقاء الميت إكلينيكياً على جهاز التنفس حتى لاتتلف أعضاؤه وتقوم بسرقة الأعضاء الحيوية، وما أكثر تلك الحوادث فى مصر فى ظل القوانين التى لا تجرم ذلك! كذلك موضوع الصكوك، التى أخذ منها الأزهر موقفاً واضحاً، فالبعض مبرمج على أن كل ما هو حديث حرام، وكأن التشدد هو الإسلام، وهو لا يعرف ما الفرق بين السهم والصك والسند، فالأخير نوع من الديون، وتقوم أى شركة بطرح سندات بنسبة 10% على الجمهور بدلاً من الاستدانة من البنوك بفوائد أعلى، ما يعد نوعاً من التوفير فى شراء الدين، أما الأسهم فهى حلال بنسبة 100% لو كانت الشركة تعمل فى مجالات حلال، ونفس الأمر بالنسبة للبورصة، فلا يجوز شرعاً شراء أسهم فى كباريه أو صالة قمار. كما أن الصكوك تختلف من دولة لأخرى، والفارق كبير بين السهم والصك، فالسهم لك جزء من العين أما الصك يعنى امتلاك منفعة وليس عيناً، ونحن قلنا إنه لا يصح إصدار صك للأجانب عن أى شىء يمس الأمن القومى، ومن يقول إن البورصة حرام يُعطل مصالح البلاد والعباد، وإنما السؤال يكون فى أى نشاط تعمل؟ وكيف؟
ومن الأمور الفقهية الأخرى شراء البنك، فالبنك مثلاً دائن ومدين، ومن يشترى بنكاً فهو يشترى جزءاً من الديون، وعلماء الاقتصاد يحذرون من شراء الدين عندما تكون نسبة الدين مرتفعة لأن احتمال تعثره وارد، وبالتالى لا تجوز المخاطرة بإهدار أموال الناس المودعين بالبنك، وإذا كانت احتمالية نجاح البنك قائمة فالشرع لا يمانع الشراء... وغيرها من الأمور، ونحن نؤكد استحالة تأهيل إنسان بشكل علمى وثقافى ثم يتراجع دوره، وهذا دورنا فى إعداد الدعاة.
■ لماذا لا تتفق المؤسسة الدينية فيما بينها على القضايا الخلافية وتصدر فتاوى بشأنها، خاصة أن الجمهور صُدم فى خطاب التيارات الدينية؟
- طرحتم قضية ما زالت فى حاجة إلى جهود ضخمة من جانب علماء المؤسسة الدينية، والوقت الآن ربما يكون مهيأ عن الفترات السابقة، وخاصة أن فى العهود السابقة كانت تسود سياسة «فرق تسد». وهذه هى الفترة الذهبية للأزهر الشريف، كما أن الرأى العام مهيأ لاستقبال أى شىء يصدر عن المؤسسة، بعدما صُدم فى التيارات الأخرى. العالم يتحول حالياً من الرأى الفردى إلى الجماعى، وأصبح الآن عندنا هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، وفى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لجنة فقهية تضم 19 عالماً من جهابذة الفقه، وتضم الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، وأحمد طه ريان وسيف قزامل ونصر فريد واصل، وكلهم علماء. واللجنة انقسمت إلى قسم خاص بالموسوعات العلمية، وآخر مخصص للقضايا العصرية، ونحن إن شاء الله نأمل من اللجنة فى إخراج كتاب فى القضايا الخلافية، وبعدها يعرض على هيئة كبار العلماء ثم يطرح للجمهور لحل الكثير من الخلافات الفقهية.
■ ألا توجد خطة لضبط الخطاب الدينى؟
- عندما توليت مسئولية الأوقاف وجدتها متشعبة، وكان همى الأول ضبط حركة المسجد والخطاب الدينى، لأننا لو نجحنا فى كل الملفات وتعرضنا للعرقلة فى هذا الملف فلن ننجح وسنكون فاشلين فى نظر الجميع. والحمد لله، تم قصر الخطابة على علماء الأزهر، وأيضا تحفيظ القرآن الكريم فى مساجد الأوقاف على المتخصصين، وأيضا قصر الفتوى على المتخصصين، وأعددت دراسة بذلك حينما كنت فى المكتب الفنى للإمام الأكبر، لأننى رأيت وعاظاً يفتون باسم لجنة الفتوى وهم يسيئون للأزهر، ولذلك أخذت 60 واعظاً من أفضل العناصر بكل المحافظات، ونظمنا لهم دورة تثقيفية تأهيلية لمدة شهرين فى دارالإفتاء، وإنشاء لجنة فتوى فى كل محافظة، والمفتى الحالى تواصل مع وزير العدل لاستصدار كارنيهات لأعضاء لجنة الفتوى بالمحافظات وعدم مساءلتهم أو القبض عليهم إلا بإذن من المفتى، حتى لا يتعرضوا لضغوط، وبالتالى غير مصرح للفضائيات بالإفتاء.
■ ماذا عن ملفات الفساد؟
- الوزارة كانت موبوءة بالفساد المالى والإدارى، وقطعنا شوطاً كبيراً فى هذا الاتجاه، وانتهينا من إقرار الحد الأدنى والأقصى للأجور قبل قرار مجلس الوزراء فى هذا الصدد.
■ لماذا غاب الأزهر من مواجهة التيارات المتشددة خلال الفترة الماضية؟
- بدأ الإعلام الرسمى يقلص مساحة الجانب الدينى، وظهرت الفضائيات التى سحبت البساط الدعوى من تحت أقدام الأزهريين لصالح دعاة الجماعات المتشددة، وبدأ التمويل يتدفق عليها للانتشار ونشر مطبوعات تصب فى اتجاه معين، ونحن ضبطنا مئات الآلاف من الكتب تروج لتلك التيارات وفكرها المتشدد، ولذلك شكلنا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من 118 عضواً من علماء مصر، كما فتحنا باب العضوية الاستشارية لأول مرة فى تاريخ المجلس أمام العلماء من الخارج، وأعددنا جائزة عن الدراسات الإسلامية بعنوان «دور الأزهر فى ترسيخ الوسطية والعيش المشترك»، وبصدد الإعداد لمؤتمر دولى عالمى مطلع مارس المقبل عن خطورة التكفير والفتوى بغير علم.
كما بدأنا حالياً فى إعادة طباعة كتب وأسندنا لبعض الشباب دراسة بعض القضايا الرئيسية، وتوجد أرضية ومادة علمية لجمع القضايا الخلافية وبعدها يتم عرضها على الهيئة، ثم تظهر للنور على قناة الأزهر، وتعرض على وسائل الإعلام. وأفكر فيما يسمى بالتركيز الدعوى أو الإعلامى.
■ لماذا اقتصرت صلاة الجمعة على المسجد الجامع؟
- لأن الزوايا كانت بؤراً للتيارات المتشددة، والفقهاء يقررون أن الجمعة لا تنعقد إلا فى المسجد الجامع، وقد ألف العلامة الشافعى الإمام تقى الدين السبكى رسالة سماها «الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين فى بلد»، لأن تعدد الجمع بلا داعٍ يؤدى إلى تشتت المسلمين وتفرق كلمتهم، فإن ذلك يؤكد أن الخطابة لا يمكن أن تكون كلأ مباحاً للمتخصص وغير المتخصص، المصرح له وغير المصرح، بل ينبغى أن تكون هناك أمور ضابطة وحاسمة، وأن تكون المرجعية فيمن يصلح ومن لا يصلح هو ما ينظمه القانون من إسناد جميع المهام الدعوية ونشر علوم الدين واللغة إلى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف التى تقوم بالتنفيذ العملى للجوانب الدعوية تحت رعاية الأزهر الشريف وعلى أيدى علمائه وأبنائه وخريجيه من التخصصات الشرعية.
■ هل توجد مساجد تابعة لجمعيات تُقصى من يخالفها الرأى والاعتقاد؟
- بعض الجمعيات تأخذ بحسم وشدة، بل قد تقصى أو تفصل من يخرج على الخطة الدعوية التى تحددها وترسمها، وكانت تطلب من خطبائها أن يكونوا على قلب رجل واحد فى توجيه رسالة واحدة تخدم رسالة الجمعية التابعين لها، فلم يعد من العقل أو الحكمة أن نترك عشرات ومئات الجمعيات على اختلاف رسالاتها وخطابها الدعوى أو الثقافى بما قد يفرق أكثر مما يجمع. وليس من العقل أو الإنصاف أن تنكر هذه الجمعيات أو بعضها على وزارة الأوقاف أن تسعى إلى ما كانت الجمعيات تسعى إليه من جمع وعاظها على كلمة سواء، وإن كان البون شاسعاً بين جمعيات قد يسعى بعضها إلى مصالح خاصة وبين وزارة أعلنت بوضوح شديد أنها وزارة دعوية تعمل فى إطار الضوابط الشرعية، ولم ولن تخرج أو تحيد عنها، وأنها وزارة وطنية تعمل لكل ما يحقق مصلحة الوطن والمواطن، فحيث تكون المصلحة فثم شرع الله، كما أنها أخذت فى الانتقال بقضية تجديد الخطاب الدينى من التنظير والتقعيد إلى حيز التطبيق العملى وتناول الموضوعات التى تراعى جميع الجوانب الإيمانية والاجتماعية والحياتية للمواطن والمصلحة العليا للوطن، وهى على استعداد لتلقى أى مقترحات فى هذا الشأن والإفادة منها بسعة صدر ورحابة أفق.
المساجد المختطفة
المساجد كانت مختطفة وجرى استعادتها من قبضة الإخوان، والدولة من جانبها توفر البنية التحتية من تحسين الأوضاع وتوفير المرتبات للأئمة، إضافة إلى فتح مساحة أوسع للجانب الدينى فى تليفزيون الدولة الرسمى. ومؤخرا بدأت قناة الأزهر الشريف البث التجريبى على «نايل سات» وهى ليست تابعة للدولة، وإنما للأزهر الشريف لنشر الوسطية والاعتدال وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وقريبا ستنطلق القناة.
استرداد الثقة
لن تسترد الثقة إلا بأمرين، هما الإعداد الجيد واحترام النفس، وألّا نكون بوقاً لأحد أو طرفاً فى صراع حزبى وإبعاد المنبر عن السياسة وشق الصف، فعلى مدار التاريخ الخطاب الدينى يجمع ولا يفرق، وما أكثر المواضيع التى تجمع وتساهم فى العيش المشترك! مثل حرمة الدماء والحث على العمل والإنتاج والأخلاق والصدق، فهى أمور أجمعت عليها كل الأديان، والنبى (عليه الصلاة والسلام) قال: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، ولو تحدثنا عن الأخلاق فالأمر يحتاج إلى خطب عديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.