لم تأت نتيجة الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أواخر مايو الماضى بمستجدات أو بمتغيرات غير متوقعة، بل كانت النتائج محسومة مسبقًا، والفائز معروف لدى الجميع. ولكن، كشفت العملية الانتخابية عن مجموعة من المؤشرات واجبة التسجيل تعكس بعض الدلائل التى ربما تكون مهمة للرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي، أهمها ما يلي: أولاً- شهدت العملية الانتخابية تناقضًا واضحًا بين خطاب اعلامى يشكو من ضعف حجم المشاركة وبين مؤشرات أولية تتحدث عن ملايين المشاركين، ففى الوقت الذى ظل فيه الخطاب الاعلامى يتحدث عن ضعف الإقبال وتراجعه، كشفت المؤشرات الأولية عن اقترب أعداد المشاركين من ال 25 مليون ناخب. الأمر الذى يضعنا فى مأزق، إما أن نشكك فى هذه المؤشرات وهو أمر صعب، أو أن نكون أكثر صراحة مع الذات ونعلن عن فشل إعلامنا بجميع مؤسساته وأجهزة سواء أكان إعلامًا خاصًا أم حكوميًا. بمعنى أكثر وضوحًا كيف يتحدث الإعلام عن ضعف المشاركة وتدنى مستوياتها فى الوقت الذى تقاربت فيه نسب التصويت مع ما جرى فى الانتخابات السابقة؟ يُعنى ذلك أن الإعلام مارس دورا كبيرا فى خلط الأوراق وعدم نقل الصورة الحقيقية لما جرى على أرض الواقع من وجود حجم مشاركة كبير، رغم مقاطعة جماعة الاخوان وتحالفاتها، وربما ضعف مشاركة الشباب بالصورة المطلوبة، وهو ما قد يجد تفسيره فى ارتفاع حجم مشاركة الفئات الأكثر فقرًا واحتياجا سواء ممن يعيشون على أطراف المدن الكبرى أو فى الريف المصرى والصعيد، وهذه المناطق لا تشغل بال الإعلام بمختلف وسائله إلا نادرا. ولذا، فرغم خروجهم ومشاركتهم بنسب كبيرة أملا فى تحسين أوضاعهم واستعادة الأمن والاستقرار، إلا أن الإعلام فى خضم انشغاله بالنخبة ورجال السياسة أهمل هؤلاء حتى حينما مارسوا حقهم الدستورى فى اختيار رئيسهم، وكان لهم الدور الاول فى رفع نسب المشاركة من جانب ومنح الغالبية العظمى من الأصوات للمشير عبدالفتاح السيسى من جانب آخر. ثانيا - ارتباطًا بما سبق، يصبح من المهم للرئيس الجديد أن يعى التوازنات الجديدة فى المجتمع المصرى ما بعد ثورتين، فإذا كان صحيحا أن النخبة ورجال السياسة يشغلون المساحة الكبيرة على مستوى الإعلام بجميع صوره وأشكاله، فإنه من الصحيح أيضا أن الحراك على أرض الواقع كان من نصيب الطبقات الفقيرة والمعدومة. بما يمكن معه القول إن الحراك الفضائى - الاعلامى لا علاقة له بالحراك الموجود فى الشارع المصرى، ومن ثم، فعلى الرئيس الجديد أن يعى أن ثمة فاعلاً فى المجال العام، وهم فقراء مصر ومعدوموها الذين عانوا كثيرا فى عهد ما قبل الثورة وازدادت معاناتهم مع احداث الثورة وتداعياتها، فكانوا أول من تحملوا ضريبتها ودفعوا من دماء ابنائهم ومستقبلهم الثمن الغالى، فيجب أن يكونوا فى مقدمة الصفوف التى يوليها الرئيس الجديد اهتمامه ورعايته، فكما كانوا فى عونك سواء فى 30 يونيو أو فى 3 و26 من يوليو وكذلك فى تأييدك فى هذه الانتخابات ومنحك ثقتهم، فمن المهم أن يكون جُل اهتمامك هو رعاية فقراء مصر وإنقاذهم مما يعانون منه وهذه هى اللبنة الأولى فى بناء مصر الجديدة. ثالثًا- مواجهة التحديات الجسام للعبور بمصر الى بر الأمن والأمان لن يتأتى إلا ببطانة صالحة واعية وقادرة على قراءة الأوضاع المصرية بصورة صحيحة، ولديها حس وطنى وشعور بالمسئولية، فضلا عن رؤية لبناء المستقبل. ولعل ما جرى فى العملية الانتخابية والأخطاء العديدة التى وقعت فيها حملة المشير تحتاج منه أن يعيد النظر أو الفرز فيمن شارك فيها سواء أكان فى الحملة الرسمية أو على مستوى المحافظات التى تضمن حملتها بعضا من رموز الحزب الوطنى السابق، صحيح أنه من المهم ألا نقع فى تعميم أعمى بشأن كل من انتمى إلى الحزب الوطني، فهناك المثقفون والمتميزون وهؤلاء تواروا عن المشهد، فى حين أن هناك فئات من المرتزقة تحاول الكسب فى جميع الحالات دون تمييز بين الصالح والطالح. ما أود قوله إن بناء مصر العصرية يستوجب ألا يُقصى أحد ويُستبعد إلا وفقا لأحكام القضاء بعيدا عن السياسة وتقلباتها. وفى هذا الإطار، يجدر الإشارة إلى ما أصاب حزب النور من اتهامات بشأن مشاركته فى الانتخابات الرئاسية، فرغم إعلان الحزب منذ البداية توافقه مع الارادة الشعبية، واعلانه كذلك عن تأييده للمرشح عبدالفتاح السيسى وفقا لمجموعة من المعايير والضوابط التى ذُكرت حينها، وأيضا جهوده التى شهد بها الجميع فى الحشد والدعوة إلى المشاركة السياسية وخاصة فى المناطق الريفية والبعيدة عن ضوء الإعلام وكاميراته، إلا أن الحزب فوجئ بهجوم إعلامى واسع المدى حاول أن يُحمل الحزب مسئولية ما أخفق فيه الإعلام أو ما اخفقت فيه حملة المرشح عبدالفتاح السيسي. لمزيد من مقالات عماد المهدى