صاحبت الانتخابات الرئاسية عدة ظواهر سياسية لابد أن يتوقف عندها كثيرا كل المهتمين بالشأن العام فى مصر وخاصة رئيس الجمهورية المنتخب عبدالفتاح السيسى والأحزاب السياسية.. أهمها: تؤكد قراءة النتائج ضعف تأثير الأحزاب السياسية والحركات والائتلافات السياسية الشبابية والثورية على كثرتها فى مشهد الانتخابات الرئاسية فأغلبية المصوتين لم يتحركوا وفق دوافع سياسية معينة وإنما من دوافع الاحساس بالمسئولية الوطنية ووفق فهم كل ناخب، كما أن نتائج هذه الانتخابات سواء فيما يتعلق بعدم الاستجابة لأنصار المقاطعة من حركات النشطاء السياسيين أو ضعف التصويت لحمدين صباحى المدعوم بحركات وائتلافات يقودها ما يسمون أنفسهم »نشطاء سياسيين«، أكدت نهاية أسطورة النشطاء السياسيين وتنظيماتهم وأنهم ليس لهم وجود فعلى فى الشارع وإنما وجود إعلامى فقط بسبب تقدير خاطئ من وسائل الإعلام الخاصة (فضائيات وصحف) لوزنهم فى الشارع، فقد مثلت هذه النتائج هزيمة وضربة قاضية لهذه الحركات ل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين ومنتديات الفيس بوك والائتلافات مدعية الثورية التى تجاوز عددها 175 ائتلافا وحركة وهمية، وهكذا عكست هذه الانتخابات حقيقة ضعف التصويت بناء على توجهات تيار سياسى معين، كما تثبت المؤشرات كثافة تصويت كبار السن والسيدات ومن تجاوزوا سن الأربعين من مختلف الطبقات، بينما جاء تصويت الشباب أقل من المأمول، وهذا يؤكد انتصار الأصوات المعبرة عن الاستقرار على حساب أصوات الاحتجاج، وهذا معناه أن أمام الرئيس المنتخب تحديا خطيرا وهو جذب المحتجين إلى دوائر العمل والانتاج كوسيلة حقيقية لتحقيق الاستقرار بالتنمية. ولأول مرة فى تاريخ الانتخابات والاستفتاءات تصوت القاهرة ومدن أخرى مصرية بنسبة ال 50% فأكثر، وهذا معناه أن الحضر المصرى معقل الطبقة الوسطى تخلى عن سلبيته المعهودة لينتقل بفاعلية إلى المشاركة والسياسة، كما حافظ الوجه البحرى بمحافظاته ذات الطابع المدنى والحضرى على تفوقه على المحافظات ذات الطابع القبلى الريفى كمطروح وسيناء ومحافظات الصعيد كسوهاج وقنا وأسوان فى نسب المشاركة والتصويت فى الانتخابات ما يعطى رسالة قوية مفادها ضعف نفوذ العصبيات العائلية والقبائل فى مثل هذه الانتخابات لمصلحة الطبقة الوسطى التى بدأت تتخلى عن حزب الكنبة. كما أن نسب التصويت المرتفعة جدا لمصلحة السيسى وما صاحبها من مظاهر احتفالية فى جميع المحافظات تعنى ثقة كبيرة من قبل أغلب الشعب ليس فقط فى شخص وإنما فى توجهات الرئيس الجديد وأولوياته، كما تعكس ثورة التطلعات الشعبية الكبيرة والآمال المعقودة عليه فى مرحلة خطيرة تمر بها مصر حاليا تضع على كاهله عبئا ضخما للاستجابة لها حتى يحافظ على شعبيته، وهذا يتضح من مؤشرات مشاركة وتصويت الطبقة الوسطى وبكثافة فى العملية الانتخابية وخاصة لمصلحة السيسى لأنه أعطى وعدا واضحا وصريحا بالاهتمام بهذه الطبقة ووضعها فى أولوياته والعمل على توسيعها من خلال الارتقاء بالطبقات الأقل دخلا والفقيرة، وباعتبار الطبقة الوسطى فى كل المجتمعات المتقدمة هى قائدة المجتمع وجوهر حركته نحو المستقبل وبدونها لا تتحقق تنمية ولا ديمقراطية وهذا ما تثبته تجارب دولية عديدة فى أوروبا والنمور الآسيوية. كما يؤشر الحجم الكبير للأصوات الباطلة والتى احتلت المرتبة الثالثة فى التصويت خاصة فى المناطق الريفية والمناطق الشعبية إلى قضية فى غاية الخطورة تعانى منها مصر حاليا ولابد أن تكون فى أولى أجندات الرئيس الجديد والحكومة المقبلة وهى قضية الأمية التى يعانى منها 40% من الشعب جميعهم يسكنون المناطق الفقيرة والريفية والشعبية والعشوائيات والمناطق النائية، وهذا تحد خطير لعمليتى التنمية والديمقراطية باعتبارها أهم معوق لهما، فلا ينبغى أن تستمر معاناة مصر من هذه المشكلة بينما دول أخرى أحدث نشأة وتاريخا عن مصر فى آسيا وأمريكا اللاتينية قضت عليها فى سنوات معدودة ومنها كوبا وفنزويلا وتشيلى وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا بل أن دولة مثل الصين تعداد سكانها 15 ضعف سكان مصر، قد أنهت هذه المشكلة فى سنوات معدودة وسيسجل التاريخ للرئيس الجديد انه حاكم مصر الذى قضى على أخطر مرض يعانى منه الشعب المصرى طوال أكثر من 7 آلاف عام إن حقق ذلك.