تمثل التركيبة الديموغرافية، التى يستحوذ الشباب على نحو ثلثيها، تحديا هائلا أمام، نخبة الحكم المقبل، حين تتطلع، إلى رسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لمستقبل البلاد، التى تعانى خللا تاريخيا فى توزيع الثروة والسلطة وتدنى مستويات التنمية وارتفاع معدل البطالة، مما تسبب فى اندلاع انتفاضة شعبية، فجرتها مجموعات غاضبة من الشباب، قبل ما يزيد على ثلاث سنوات. ولن تجد الحكومة المقبلة (رئيسا ووزارة وبرلمانا)، عند اضطلاعها بتحديد استراتيجية للبلاد، مفرا من التعامل مع مخلفات عقود من الظلم الاجتماعى والتمييز الفئوى والطبقى، والإقصاء السياسى، للكتلة الأكبر من الشباب، وهو ما يتطلب انتهاج سياسات جديدة تؤسس لقواعد العدالة وتكافؤ الفرص، وتطلق طاقات الإبداع والإنتاج، فى مسعى لإعادة بناء الثقة مع هذا الشباب المحبط، والقضاء على التوترات الاجتماعية والسياسية. «الرسالة الأساسية التى يجب أن يبعث بها الحكم المقبل، للشباب، هى أنه لن يتم تفصيل نظام سياسى على مقاس مجموعة أو جماعة، وأن الجميع مدعو للمشاركة سواء كان مؤيدا أو معارضا، وذلك على أرضية واحدة هى الدستور والقانون وعدم التحريض على العنف»، حسب الدكتور عمرو الشوبكى النائب السابق، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية. ويضيف الشوبكى: «يجب تبديد المخاوف بأن المعارض لن يكون له مكان، بمنح مساحة سياسية للجميع وقبول التنوع، ودعم حرية الرأى والتعبير». وباستثناء ألوف من النشطاء الذين ينطوون فى مجموعات صغيرة وحركات وأحزاب سياسية مدنية، وجماعات إسلامية تخلط العمل الدعوى بالسياسى، فإن الكتلة شبه المطلقة من الشباب، تعزف عن المشاركة فى العمل السياسى، وإن كانت نسبة مشاركتها فى التصويت بالاستحقاقات الانتخابية، شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفاعا قياسيا فى ظل تنامى الوعى السياسى للمجتمع، ومشاركة شرائح واسعة من هذه الكتلة فى المظاهرات التى اندلعت بالبلاد منذ 25 يناير حتى 26 يوليو 2013. وأظهر استطلاع للرأى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، على عينة من الناخبين عقب التصويت فى الانتخابات الرئاسية التى جرت من 26 إلى 28 مايو الماضى، أن نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة بلغت حوالى 27 فى المائة من إجمالى الناخبين، فيما بلغت نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 31 و50 سنة، 45 فى المائة من الناخبين، وأن 44 فى المائة من الناخبين من الإناث، و56 فى المائة من الذكور. ويقول الدكتور حازم عبد العظيم منسق لجنة الشباب بحملة المشير عبد الفتاح السيسى الفائز فى الانتخابات الرئاسية، إنه يجب وضع تشريعات تساعد على نمو الأحزاب الشبابية، واضطلاع وزارة الشباب بدور أكبر فى دعم هذه الأحزاب معرفيا وماديا. وتقضى المادة 244 من الدستور فى باب الأحكام الانتقالية، بأن تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج، تمثيلا ملائما، فى أول مجلس للنواب على النحو الذى يحدده القانون، فيما تنص المادة 180 من باب نظام الحكم فرع الإدارة المحلية، على أن يخصص ربع عدد مقاعد الوحدات المحلية، للشباب دون سن 35 سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن 50 فى المائة. وحاول مشروع قانون الانتخابات البرلمانية المقترح، التواؤم مع الدستور، فوضع الشباب إلى جانب المسيحيين وذوى الإعاقة والمصريين بالخارج، فى نسبة ال 20 فى المائة من المقاعد المخصصة للقوائم الوطنية المغلقة، إلا أن مراقبين، رأوا فى هذه الصيغة، أمرا يهدد بإقصاء شباب التيارات المدنية - التى لا يمكنها المنافسة على مقاعد الفردى - عن البرلمان المقبل بالنظر إلى أن هذا النظام يمنح القائمة التى تحصل على 51 فى المائة من أصوات الناخبين، كل المقاعد، مما يعزز سلطة الرأسمال. وتوجه أحزاب، انتقادات عنيفة للقانون، مستندة إلى أن الدفع بالشباب إلى جانب الشرائح المهمشة مثل المرأة والمسيحيين وذوى الإعاقة والعمال والفلاحين والمصريين بالخارج، فى مساحة ال 20 فى المائة المخصصة للقوائم المغلقة، يكرس التمييز والتفرقة، ويغلق مجال العمل السياسى لكل الفئات المستبعدة من النظام الفردى، بما يخلق برلمانا إقصائيا منفصلا عن الواقع. ورغم أن الدكتور إبراهيم نوار السياسى البارز وأمين الإعلام بالحزب «المصرى الديمقراطى الاجتماعى»، يرى أن النظام الانتخابى المقترح رسميا، جاء بسبب الخوف من التفتيت البرلمانى الذى يضعف الإرادة السياسية فى الظروف الراهنة، إلا أنه يدعو الحكومة إلى المواءمة بين حسابات الحاضر والمستقبل، وفتح الطريق أمام الشباب، إذا كانت تريد إخراجهم من حالة الاحتجاج إلى المشاركة السياسية، داعيا فى هذا الشأن إلى اعتماد نظام القوائم النسبية المفتوحة، والذى يمنح كل قائمة مقاعد تتناسب مع الأصوات التى حصلت عليها، فى مسعى لتمثيل متوازن للشباب. ويقترح نوار، بالإضافة إلى ذلك، 5 خطوات يمكن للحكومة اتخاذها لبناء الثقة مع الشباب المسيس، وهى، فتح الباب لحوار مجتمعى بمشاركة الشباب حول قانون التظاهر والقوانين ذات الصلة بمباشرة الحقوق السياسية، لمقارنة النصوص الحالية بمثيلاتها فى الدول المتقدمة، ووضع برامج لإعادة التربية السياسية فى المدى القصير، بمشاركة الأحزاب، تتناول عرض تجارب الدول الديمقراطية، لسد النقص فى المعرفة ومعالجة الخلل فى المفاهيم السائدة حول الحقوق السياسية مثل التظاهر والإضراب، بما يؤسس لمنطق سياسى رشيد لدى هؤلاء الشباب فى التعامل معها، وتبديد المخاوف من عودة نظام مبارك، وفتح حوار مجتمعى حول قضية الحرس الجامعى، لتقديم حلول مبتكرة لحفظ الأمن بعيدا عن تاريخ الابتزاز المتبادل بين الطلبة والدولة، على أن يتم اختبار هذه الحلول على الأرض جزئيا قبل تعميمها على مستوى الجامعات، وأخيرا إعادة النظر فى ملف الشباب المحبوس فى جنح مخالفة قانون التظاهر، ما لم يرتكب أفعالا جسيمة تستوجب حبسه، مع إعلان ذلك للرأى العام بشفافية. غير أن عبد العظيم، يرفض خضوع الحكومة للابتزاز من قبل «مجموعة صوتها عال»، تروج لفكرة عودة النظام القديم، وتسوق لنغمة مشبوهة، عن ضعف مشاركة الشباب فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مشيرا إلى أن الحسابات المنطقية لعدد الناخبين ونسبة الشباب من السكان (نحو 60 فى المائة)، تؤكد حصول المشير السيسى على أصوات 3 ملايين شاب على الأقل، مع افتراض أن ال 40 فى المائة من السكان فوق الأربعين سنة شاركوا جميعا فى الانتخابات. ويشدد عبد العظيم، على أن الرسالة المهمة التى يجب أن توجهها الحكومة المقبلة لعموم الشباب، هى: ترسيخ قاعدة تكافؤ الفرص، ووضع آلية محترمة ومهنية لفرز الكفاءات وإيجاد قاعدة تنافسية فى كل مجال، وصياغة فلسفة ورؤية محددة بشأن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفى هذا الصدد، يطالب الشوبكى، الحكومة، بانتهاج سياسات تحث الكتلة غير المسيسة من الشباب على المشاركة فى العمل العام، وتوظف طاقاتهم فى برامج محددة مثل التوعية السياسية ومحو الأمية ومواجهة العشوائيات، ودعم دور المجتمع الأهلى والمبادرات الأهلية فى هذا الشأن، ووضع برامج تنمية مهارات وتشغيل. ويطرح نوار، ملامح لسياسات يمكن للحكومة، انتهاجها لبناء جسور من الثقة مع قطاع الشباب غير المسيس، وتبدد شعور الملايين من هذا القطاع بأنه لا يشارك فى صناعة المستقبل، عبر تقديم مكاسب فعلية. وتتضمن هذه الملامح 3 بنود، هى: 1- وضع برامج تشغيل وتمويل اراض ومشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، وإنشاء جهاز يضمن لهذه المشروعات النمو والاستقرار وتحقيق ربح كاف للإعاشة، والقضاء على الفساد وإساءة توظيف الموارد فى برامج التدريب التمويلى وإعادة التأهيل المهنى للشباب التى يقدمها مانحون أجانب بالتعاون مع بنوك مصرية، 2- وضع برامج تأهيل وتنمية ثقافية ورياضية واجتماعية، تقوم على تحرير الخدمات فى مراكز الشباب وقصور الثقافة، من سيطرة الأقلية الفاسدة الموروثة من النظام السابق، بعيدا عن التوظيف السياسى والمعايير الانتقائية مأمونة الانتماء، مع وجوب عدم تحول تنمية الشباب إلى وظيفة تحتكرها الدولة، 3- فتح الباب لامكانات المشاركة من خلال الأفكار الإبداعية والمشاريع الجديدة.