الاستقرار على نظام يجمع بين الفردى والقائمة يعنى أننا لم نتعلم من درس الانتخابات الماضية النظام الانتخابى سيكون فى مواد الأحكام الانتقالية للدستور الجديد لتنظيم الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة فقط
أفضِّل النظام الفردى.. لكننى أرى أن تترك «الخمسين» حسم النظام الانتخابى للقانون منعا لتضارب المصالح وحتى لا تأخذ بعض الأحزاب الداعمة لنظام القائمة موقفًا من الدستور
خلال الساعات القادمة ستناقش لجنة الخمسين، النظام الانتخابى المتعلق فقط بأول انتخابات برلمانية ومحلية تجرى عقب الاستفتاء على الدستور، أى أن النص على النظام الانتخابى سيكون فى مواد الأحكام الانتقالية، منظما للانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة فقط، وبالتالى من حق المشرِّع متمثلا فى البرلمان القادم أن يضع نظاما انتخابيا جديدا إذا ما رأى غالبية أعضاء البرلمان الجديد فى ذلك ضرورة.
بداية جاء مشروع لجنة الخبراء المقدم إلى لجنة الخمسين، وقد نص فى المادة (191) من الأحكام الانتقالية: تكون انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التالية لتاريخ العمل بالدستور بنظام الانتخاب الفردى.
وعلى الرغم من أن الاتجاه السائد لدى عدد من أعضاء لجنة الخمسين -وأنا واحد منهم- الأخذ بالنظام الفردى فى الانتخابات المقبلة بنسبة 100%، فإننى أخشى أن السعى إلى التوافق قد يقودنا إلى النص على نظام انتخابى مختلط يجمع بين «النظام الفردى والقائمة». وهو ما يعنى أننا لم نتعلم من درس الانتخابات البرلمانية الماضية، تلك الانتخابات التى جرت على أساس النظام المختلط، حيث قُسمت محافظات الجمهورية إلى 46 دائرة انتخابية بنظام القائمة، منها 11 محافظة، كل محافظة كانت دائرة انتخابية واحدة، رغم المساحة الشاسعة لكل محافظة، مثل: شمال سيناء، وجنوب سيناء، والوادى الجديد، والبحر الأحمر، مطروح، أسوان، ومحافظات أخرى ذات كثافة سكنية عالية قسمت إلى دائرتين، وصل تعداد الناخبين فى الدائرة الواحدة إلى أكثر من 2 مليون ناخب مثل الدائرة الأولى بالجيزة وصلت إلى (2.072.000 ناخب)، والدائرة الثانية الجيزة (2.237.000 ناخب)، والدائرة الثانية بالقاهرة (2.290.000 ناخب)، والدائرة الأولى بالبحيرة (2.141.000 ناخب)، وبالعودة إلى وقائع وأحداث الانتخابات الماضية نجد مشكلات ذلك النظام الانتخابى واضحة.
على سبيل المثال: الدائرة الثانية لمحافظة الجيزة المكونة من 12 منطقة مقسمة بين قسم وحى ومركز، ضمت «إمبابة التى تقع فى حى شمال الجيزة وحى الدقى وحى العجوزة وقسم الأهرام ومركز كرداسة وقسم أول أكتوبر وقسم ثان أكتوبر والشيخ زايد والواحات البحرية ومركز أوسيم ومركز منشأة القناطر وحى الوراق» وهنا نتحدث عن دائرة انتخابية تمثل مساحة جغرافية شاسعة تحتاج إلى تنظيم سياسى موجود بقوة فى كل هذه المراكز والأحياء والأقسام؛ حتى يستطيع تشكيل قائمة يعبر مرشحوها عن جغرافية الدائرة، أى يكون هناك مرشح عن كل مركز أو قسم أو وحدة إدارية من مكونات الدائرة، ولكن نتيجة لضعف أحزابنا السياسية، جاء تشكيل القوائم مختلا، حيث كان تشكيل القائمة بالكامل من مركز أو اثنين، وبقية مراكز الدائرة، إذا وصلت إليها الدعاية يعد إنجازا، أى أن الأحزاب تختار نظاما انتخابيا يصنع دائرة انتخابية من نصف محافظة قد لا تنافس فيها الأحزاب إلا فى مركز أو اثنين، إذن لماذا لا تحدد تلك الأحزاب منذ البداية نقاط قوتها وتنافس عليها وتترك باقى الدوائر لمن يستطيع أن ينافس بدلا من اختيار نظام القائمة الذى يحرم عشرات المرشحين من خوض الانتخابات، حيث يترتب على النظام المختلط اتساع الدوائر الفردية وبالتالى فرص منافسة الأفراد تكون قليلة، فحسَب الانتخابات الماضية التى جرت على أساس النظام المختلط قسمت الجمهورية أيضا إلى 86 دائرة دائرة فردية، ووصل عدد الناخبين فى تلك الدوائر أيضا إلى مليون ناخب مثل الدائرة الأولى بالقاهرة (1.105.000 ناخب) والدائرة الخامسة بالقاهرة (1.395.000 ناخب) والدائرة الأولى بالجيزة (1.310.000 ناخب) وكذلك بلوغ عدد كبير من الدوائر ما يزيد على نصف مليون ناخب، على سبيل التجربة، خالد تليمة أحد شباب الثورة، عندما لم يستوعبه أى من الأحزاب السياسية فى الانتخابات الماضية، عِلما بأن الأحزاب فى دفعها للمطالبة بنظام القائمة تمثل دعم الشباب والمرأة والأقليات، قرر تليمة نزول الانتخابات بالنظام الفردى، وكانت دائرته هى الدائرة الخامسة بمحافظة الجيزة وتضم حى الوراق، ومركز منشأة القناطر، ومركز أوسيم، ولم يكن هناك أى من الأحزاب السياسية تنافس فى تلك الدائرة على الإطلاق، إذن أنت صنعت لى دائرة مكونة من حى ومركز ومدينة بها عشرات القرى، وفى الآخر لم تنافس ولم تدعم الشاب الذى خاض الانتخابات، والذى حصل فى النهاية على 34 ألف صوت؛ ومع ذلك خسر الانتخابات، ولكن إذا كان تقسيم الدوائر يشمل حيا واحدا، أو مركزا واحدا، أو قسما واحدا، فهو يستطيع أن ينافس بقوة، لماذا؟ لأن فى حالة الدوائر الانتخابية الصغيرة، يمكن للشاب أو القيادة المحلية أو الطبقة المتوسطة أو محامى أو أستاذ جامعى إلخ، بإمكانيات محدودة أن يصل إلى الناخبين، فبدل ما يحتاج المرشح إلى عشرات المقرات بمبالغ طائلة، يحتاج إلى مقر أو اثنين على الأكثر، وبدل ما يحتاج مئات المؤتمرات الانتخابية يحتاج إلى أقل من ذلك بكثير، وبدل ما يحتاج إلى مئات المناديب بملايين الجنيهات، يحتاج إلى مبالغ أقل، حيث تضم الدائرة الانتخابية فى ذلك الوقت فى حدود 150 ألف صوت، أو على الأقل من الناحية الجغرافية تمثل الدائرة مركزا أو حيا أو قسما، وبالتالى تسهل على المرشح فى حالة فوزه وتدعيم جسور الصلة والتواصل بين النواب والمواطنين من خلال المعرفة والدراية المتبادلة بينهم، بجانب أن النظام الفردى يتيح للمواطنين تفادى السلبيات التى حدثت خلال الانتخابات الماضية عدم وضوح السيرة الذاتية أو السياسية أو الاجتماعية وعدم معرفتهم بالعديد من مرشحى القوائم الحزبية وامتد الأمر إلى التعرف على المرشحين بشكل حقيقى وبشكل واضح، حيث لمس الناخبون فى الانتخابات الماضية، بعض الأحزاب شكلت قوائمها من مرشحين لا تعرف عنهم شيئا واكتشفت تلك الأحزاب توجهات وأفكار أعضائها فى البرلمان.
نموذج آخر، عمرو عز، خاض الانتخابات الماضية، طبقا للنظام الفردى، بعدما عرضت عليه الأحزاب الترتيب السابع على قوائمها، وهو نفس العرض الذى قُدم إلى خالد تليمة.
فى الدائرة الثالثة بمحافظة الجيزة، ضمت إمبابة التى تضم وحدها 506 آلاف ناخب، وحى الدقى، وحى العجوزة.. ونافس فى نفس الدائرة الدكتور عمرو الشوبكى.. ونافس أيضا عضو ائتلاف شباب الثورة عبد الرحمن هريدى، وكان من الممكن فى حالة تقسيم تلك الدوائر إلى دائرتين على الأقل، أن ينافس الشوبكى فى الدقى والعجوزة، وأن يخوض عز وهريدى فى إمبابة، أى أن توسيع الدوائر أشعل الانقسامات.. وأسفرت النتائج عن فوز عمرو الشوبكى ب200 ألف صوت، بعدما قرر شباب إمبابة دعم الشوبكى فى مواجهة الإخوان، وحصل عمرو عز على 14 ألف صوت، وكان من الممكن أن تتضاعف فى حالة تصغير الدوائر.. حيث شُتت مجهود الشباب والإمكانيات المالية المتواضعة بين ثلاثة أحياء، حى شمال الجيزة متمثل فى منطقة إمبابة والكيت كات والمهندسين وحى الدقى وحى العجوزة.
مرة أخرى أصحاب الإمكانيات المتواضعة يمكنهم المنافسة فى الدوائر الصغيرة لا الدوائر الكبيرة التى تتطلب تنظيمًا بشريًّا وماليًّا غير متوفر.
وبالنسبة لما يروَّج أن الدوائر الصغيرة تمثل فرصا للعائلات ورجال النظام السابق، نؤكد أن فرص العائلات أو شراء الأصوات تتزايد فى حالة الدوائر الانتخابية التى يعزف المواطنون عن المشاركة فى الانتخابات بها، بمعنى أن شراء الأصوات له حد، عمرو الشوبكى ينتمى إلى منطقة الدقى، وخاض الانتخابات فى إمبابة وسط رموز عائلات كتلتهم التصويتية لا تتعدى 5000 صوت، حيث كانت المقاعد الانتخابية تُحسم بذلك العدد، أما فى الوقت الحالى، أصبحت المنافسة بعشرات آلاف الأصوات .
أعتقد أن النظام الانتخابى الأفضل فى تلك المرحلة، هو النظام الفردى، بداية هو النظام الانتخابى الأقرب إلى التكوين الثقافى والاجتماعى للمصريين، حيث جرت على أساسه الانتخابات منذ عقود طويلة، واللجوء إلى الانظمة الانتخابية المعقدة فى هذا التوقيت سيؤثر على نسبة مشاركة المواطنين فى الانتخابات.
سيضمن النظام الفردى مع إلغاء النسبة الديكورية للعمال والفلاحين، تقسيما عادلا للدوائر الانتخابية، ويتيح الفرصة للكيانات الإدارية والتجمعات السكنية ذات الأعداد القليلة من الناخبين من التمثيل بالبرلمان، وذلك من خلال تخصيص دوائر انتخابية تدعم شعور أبنائها بالانتماء إلى هذا الوطن ودمجهم فى نسيجه السياسى والاجتماعى وتحفيزهم على المساهمة فى الحياة العامة.
مع إلغاء نسبة العمال والفلاحين، لن يكون هناك إجبار على تمثيل الحى أو القسم بمقعدين أحدهم يمثل الفئات والآخر يمثل العمال والفلاحين، لأنه إذا كانت هناك دائرة مثل مركز نصر النوبة 65 ألف ناخب، ومشكلتها الأساسية أنها تُضَم إلى دائرة انتخابية أخرى هى إدفو وتضم أكثر من 200 ألف ناخب، من الممكن أن تصبح النوبة دائرة انتخابية بنائب واحد، أما فى حالة نسبة العمال والفلاحين ستجبر على أن تمثل الدائرة بعضوين ولا يجوز أن يكون لدائرة تضم 65 ألف ناخب عضوان، مما يدفع المنظم إلى تقسيم الدوائر وأن يضم إلى مركز نصر النوبة مركزا آخر حتى يعادل عدد الناخبين المقعدين، أما فى النظام الذى ندعو إليه ستمثل النوبة بدلا من أن تكون فى دائرة انتخابية واحدة تضم قسم أول وثان أسوان 220 ألف ناخب، ومركز دراو 76 ألف ناخب إلخ كما جرى فى الانتخابات الماضية.
* حلايب وشلاتين، أعتقد أننا فى حاجة إلى دائرة انتخابية تسمى «دائرة حلايب وشلاتين» لتأكيد مصرية ذلك الجزء الغالى من أرض الوطن، تقع حلايب وشلاتين ضمن محافظة البحر الأحمر، التى كانت دائرة واحدة فى الانتخابات الماضية، حيث ضمت قسم أول وثان الغردقة 126 ألف ناخب، وقسم سفاجا 36 ألف ناخب، ورأس غارب 27 ألف ناخب، والقصير وشلاتين ومرسى علم 50 ألف ناخب.
* وسط محافظة شمال سيناء، والذى يضم أقسام: القسيمة - نخل - الحسنة (15 ألف ناخب) والسابق وضع مشروع إنشاء محافظة بها فى إطار خطة تنمية الدولة والتى كانت موزعة على شمال وجنوب المحافظة بمساحتها الشاسعة.
* مناطق السلوم وسيدى برانى بمحافظة مطروح (34 ألف ناخب) والتى تضم أقسام: السلوم، سيدى برانى، النجيلة، وكانت موزعة على دوائر محافظة مطروح المترامية الأطراف وذات المساحة الشاسعة.
القوائم الحزبية فى الانتخابات الماضية.
تمكين المجتمعات العمرانية الجديدة ذات الثقل الاقتصادى والاجتماعى من التمثيل بالبرلمان من خلال تخصيص دوائر انتخابية مستقلة لكل منها ما يساعد على دفع عجلة التنمية بها.
وتحفيز المستثمرين والعاملين بها على نقل إقامتهم إليها:
وعلى سبيل المثال تخصيص دائرة لكل من:
1- مدينة العاشر من رمضان (88 ألف ناخب) والتى كانت تتبع دائرة تضم مركز بلبيس (392 ألف ناخب).
2- مدينة 6 أكتوبر والشيخ زايد (16 ألفا) والتى كانت تتبع دائرة قسمى الأهرام (307 آلاف ناخب) والواحات البحرية (23 ألف ناخب).
3-مدينة غرب النوبارية ووادى النطرون (45 ألف ناخب) وكانت تتبع دائرة تضم أيضا مركزى كوم حمادة وبدر.
فى ما يتعلق بالمفاضلة بين الأنظمة الانتخابية، أرجح النظام الفردى، أما موقفى من مناقشة لجنة الخمسين للنظام الانتخابى خلال الانتقالية، فأنا أُفضل أن تترك اللجنة حسم النظام الانتخابى للقانون، لأسباب عدة منها:
1) تضارب المصالح، حيث ينوى عدد من أعضاء لجنة الخمسين خوض الانتخابات البرلمانية، ولا يستقيم أن يشارك فى تحديد النظام الانتخابى، أعضاء قرروا خوض الانتخابات البرلمانية.
2) لو جاء التصويت لصالح النظام الفردى، قد تتخذ بعض الأحزاب موقفا سلبيا من الدستور، إذن من الأفضل كمادة خلافية أن تترك للقانون، أى يدعو رئيس الجمهورية صاحب سلطة التشريع إلى حوار مجتمعى يضم الأحزاب وغيرها ويصدر قرارا بقانون يحدد نظام الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية.