حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى والمرشح حتى الآن لرئاسة الجمهورية، هو المواطن المصرى الوحيد الذى قدر له خوض تجربة الترشح لسباق رئاسة مصر مرتين فى تاريخ الحياة السياسية، الأولى كانت فى انتخابات 2012 التى أجريت عقب ثورة 25يناير، والثانية تعلن نتائجها رسميا بعد أيام. كان قرار حمدين خوض انتخابات الرئاسية الحالية نابعا من إحساسه المسئول بواجبه كسياسي، ومن إيمانه بحقه فى ممارسة مهمته الوطنية التى حملها على عاتقه على مدار 40عاما من النضال، وللعلم فإن صباحى لم يكن يوما طالبا لسلطة أو ساعيا لمجد أو شهرة، حتى ان قرار ترشحه فى هذه الانتخابات جاء بعد دفع عدد كبير من الشباب له دفعا لخوض التجربة، فشكلوا ما يسمى «حملة مرشح الثورة» التى تحولت بعد ذلك الى جزء من حملته الانتخابية. وبما أن صباحى هو صاحب التجربتين الوحيد، فإن المقارنه بين نتائجه فى المرتين واجبة، وقد تؤدى التحليلات للأرقام التى حصل عليها فى الاستحقاقين، بجانب نسب الاقبال والمشاركة وعدد الأصوات الباطلة الى إيجاد تفسيرات للعديد من علامات الاستفهام خاصة فيما يتعلق بإيمان الشعب بالثورة وأهدافها ومبادئها، وكذلك بيان التأثير الحقيقى للأحزاب السياسية فى مصر بما يستوجب إعادة النظر فى استمرارها بشكلها الحالي. صباحى حصل فى الجولة الأولى من انتخابات 2012 على 4 ملايين و 820 ألفا و 273 صوتا، كان يراهن على زيادتها والتأثير على الشريحة الغاضبة من شباب الثورة، ورغم الوعود التى أطلقها لهم بالإفراج عنهم وإلغاء قانون التظاهر والسماح لهم بمساحة أكبر من الحريات، إلا أن عدد الأصوات التى حصدها صباحى وفقا للمؤشرات الأولية لانتخابات الرئاسة 2014 بلغت 754 ألفا و 757 صوتا، بنسبة 3٫1% من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة كانت مفاجئة وكاشفة فى آن.. وتثير تساؤلا مشروعا ألا وهو «أين ذهب أصوات حمدين صباحي». وللإجابة عن هذا السؤال يجب أولا الوضع فى الاعتبار أن هناك فروقا بين الاستحقاقين فى الشكل والمضمون، أما الفوارق الشكلية فتتمثل فى وجود 13 مرشحا للرئاسة أبرزهم محمد مرسى عن الكتلة الدينية ممثلا لجماعة الإخوان الإرهابية، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك، الذى ثار الشعب ضده وضد فساده وظلمه، وعمرو موسى الذى تعرض لتشويه ممنهج وحرب تكسير عظام، وكذلك عبدالمنعم أبوالفتوح الذى كان ولايزال محسوبا على الجماعة الإرهابية، وفى ظل هذا الزخم والتعدد كانت فرصة صباحى كبيرة فى تقديم نفسه كمرشح من رحم الثورة وغير محسوب على أى تيار أو نظام أو فساد، وكان من الطبيعى أن يحصل على كل الأصوات التى عاقبت رجال نظام مبارك وكذلك الأصوات المناهضة للدولة الدينية، وبذلك فقد شكلت الاتجاهات السياسية للناخب قدرا كبيرا من قراره قبل الادلاء بصوته لحمدين. أما التغير الثانى فهو تغيير جوهرى صاحب ثورة 30 يونيو التى شاركت فيها غالبية الشعب لإزاحة الفاشية الدينية المتمثلة فى نظام التنظيم الإخوان الإرهابي، الذى كاد يدخل مصر الى نفق مظلم، فوقف الجيش بقائده المشير عبدالفتاح السيسى بجانب الشعب واختار تنفيذ إرادته وأطاح بالنظام قبل دخول الشعب فى مواجهة طاحنة مع ميليشيات التنظيم، كادت تسفر عن تكرار النموذج السورى أو الليبى أو السودانى فى مصر، والشعب عندما توجه الى صناديق الاقتراع هذه المرة يمنح صوته الى السيسى باعتباره المرشح الذى يمتلك نواصى القرارات ويجمع على حبه الغالبية من المواطنين وتثق فى قدرته على الخروج بمصر من أزمتها، دون وعود براقة أو برامج غير قابلة للتطبيق، وإنما بالمصارحة والمكاشفة. وبالرغم من ذلك، فإن حمدين صباحى سيظل مناضلا وطنيا اختار أن يخوض السباق ببسالة، حتى انه فى خطابه، الذى أقر فيه بالنتائج الأولية لمس بصدق عمق مشاعر جمهور المشير السيسى المؤمن بالثورة، ولم يتعال على المجتمع، ووازن بين حسابات اللحظة وتحديات المستقبل، وقدم نموذجا للمعارض الوطنى الشريف.