قبل6 سنوات وتحديدا يوم3 فبراير2006 انتقي القدر نحو1400 مواطن من بين نحو30 مليونا يعيشون علي هامش الحياة إذا كانت ما يعيشونها تستحق أن تكون حياة- ليغير محل إقامتهم من قاع المجتمع إلي قاع البحر..!!.. وكانت وسيلة التغيير هي عبارة متهالكة أطلق عليها للمفارقة السلام98!! ولأن أمر من سكنوا في قاع البحر الأحمر لم يكن يهم أحدا سواء في حياتهم أو لحظة استشهادهم.. ولأنهم لم يؤثروا في أحد ولم يتأثر بهم أحد فلم تعلن حالة الحداد.. ولم تنكس الأعلام.. بل والأدهي من ذلك أنه بعد36 ساعة فقط من تلك المأساة لم ير رأس النظام أن في حضوره تدريبات المنتخب القومي لكرة القدم قبل لقائه مع فريق السنغال ما يحرك ضميره وقتها!! 6سنوات بالكامل مرت علي تلك المأساة.. واليوم وبعد أن فتح برلمان الثورة ملف القصاص لحقوق الشعب وشهدائه في ثورته فإنني- باسم كل أسرة فقدت عائلها.. أرملة ضاعت حقوقها.. دموع طفل لم يعد ينتظر أباه.. قلب أب مزقه فراق ولده.. عيون أم جفت من الدموع حزنا- أناشده بأن يضم ورقة شهداء السلام98 إلي هذا الملف وخاصة أن لديه تقريرا شاملا عن تلك الجريمه أعدته لجنة لتقصي الحقائق برئاسة البرلماني الوطني حمدي الطحان الذي كان رئيسا للجنة النقل بمجلس الشعب وقتها. في يوم السبت11 من فبراير عام2006 حمل ذات المكان سطورا حول مأساة1400 مواطن من بين الثلاثين مليونا الذين يعيشون- ولا يزالون- تحت خط الفقر.. وهاهي: من القاع للقاع..!! الشئ الوحيد المؤكد أنه لم تتح لأي منهم أي فرصة للاختيار سواء في حياته أو لحظة موته... فالفقر لم يكن رغبتهم... ووحشة الاغتراب كانت مفروضة عليهم... والعيش علي هامش الحياه لم يكن اختيارهم... حتي لحظة الموت غرقا كانت مصيرهم الذي فرضه عليهم تآمر الإهمال والتسيب واللامبالاة...!! حتي هذه اللحظة لم أجد مبررا واحدا لحالة الصدمة التي فوجيء بها المجتمع... فمن سكن قاع البحر الأحمر مجرد فئة مهمشة من المواطنين الذين ليست لهم أنياب أو حتي أظافر... مواطنون محدودو الدخل او معدوموه... يقاتلون من أجل لقمة عيش... يصارعون الفقر, غير أنهم في النهاية يستسلمون له.. وباختصار هم أبناء البطة السوداء الذين أبدلوا مواقعهم من قاع المجتمع إلي قاع البحر!! دون حذف أو اختصار فإن كل شيء يتكرر بذات الوتيرة لهذه الفئة التي تشكو دوما من نسيانها فما حدث في قطار الصعيد الذي أكلت نيرانه قبل أكثر من عامين نحو300 مواطن كل ذنبهم أنهم ولدوا فقراء وكانت الدرجة الثالثة محرقة لشي أجساهم تكرر معهم وكانت السلام98 تابوتا لهم استقر في قاع البحر....!! في كل يوم تغرق عبارة في مياهنا.. يحترق قطار للدرجة الثالثة علي أرضنا ولكن بشكل مغاير.. في المواصلات... في الصحة في التعليم.. في العشوائيات.. حتي في صرف المعاش...! فكل مايقدم من خدمات لتلك الفئة المهمشة يجب أن يدمغ بالإهمال.. والتسيب.. واللامبالاة لا لشئ إلا لأنها تقدم لفقراء!! تفترس البلهارسيا أكبادهم وتنفرد خلايا السرطان ببقاياها بسبب طعام غرق في مبيدات فاسدة... يسيطر الفشل علي كلاهم نتيجة عدم قدرتهم علي شراء زجاجات مياه معبأة.. ويغادر معظمهم الحياة لأنهم لا يمتلكون حق العلاج..!! ينحشر أبناء معظمهم وسط60 أو70 تلميذا في فصول فترة ثالثة بمدرسة لاتمتلك من مقومات التعليم سوي لافتة علي بابها تحمل اسم الوزارة.. فهم لايمتلكون ترف التعليم الخاص.. تختنق صدورهم بسحابة سوداء.. تسري السموم في شرايينهم.. يلهثون عطشا.. يخوضون في مياه الصرف الصحي ويبحثون عن مواقع مأواهم وسط أكوام القمامة لأنهم لايملكون تكاليف السكن في شوارع تخترقها مواكب المسئولين!! يغادرون الحياة وسط طوابير تخترق الشوارع أمام منافذ تفتقد لأبسط قواعد الآدمية بعد أن فشلوا في تسلم معاشاتهم التي يتركونها لورثتهم... ولكل هذه الأسباب أو لبعضها وباختصار كان لابد أن ينتقل هؤلاء من قاع المجتمع إلي قاع البحر, فقد فقدوا قيمتهم وأمانهم وآمالهم, وطحنهم المجتمع بكل قسوة قبل أن تبتلع مياه البحر بقاياهم.! [email protected] المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش