من القاع ..للقاع !! الشئ الوحيد المؤكد انه لم تتح لأي منهم أي فرصة للإختيار سواء لاسلوب أو مستوى حياته ومعيشته أو حتى للحظه موته... فالفقر لم يكن أبداً رغبتهم... ووحشه الإغتراب – داخل وطنهم – كانت دوماً مفروضه عليهم... والعيش علي هامش الحياه لم يكن أبداً اختيارهم... حتي لحظه الموت غرقا كانت مصيرهم الذي فرضه عليهم تآمر الاهمال والتسيب واللامبالاه...!! حتي هذه اللحظه لم اجد مبررا واحدا لحاله الصدمه التي فوجيء بها المجتمع... فمن سكن قاع البحر الاحمر مجرد فئه مهمشه من المواطنين الذين ليست لهم أنياب او حتي اظافر... مواطنون محدودو الدخل او معدوموه... يقاتلون من أجل لقمه عيش لا تسد جوعاً... يصارعون الفقر غير انهم في النهايه يستسلمون له.. وبإختصار هم أبناء البطه السوداء الذين ابدلوا مواقعهم من قاع المجتمع الي قاع البحر!! دون حذف او اختصار فان كل شيء يتكرر بذات الوتيره لهذه الفئه التي تشكو دوما من نسيانها والنفي خارج إهتمام الدولة ومسئوليها..فما حدث في قطار الصعيد الذي أكلت نيرانه قبل اكثر من عامين نحو300 مواطن كان كل ذنبهم أنهم ولدوا فقراء فكانت الدرجه الثالثه دائماً محرقه "لشي" أجسادهم تكرر معهم.. وكانت السلام 98 تابوتا لهم استقر في قاع البحر....!! في كل يوم تغرق عباره في مياهنا.. يحترق قطار للدرجه الثالثه علي ارضنا ولكن بشكل مغاير.. في المواصلات... في الصحه في التعليم.. في العشوائيات.. حتي في صرف المعاش...! فكل مايقدم من خدمات لتلك الفئه المهمشه يجب ان " يدمغ " بالاهمال.. والتسيب.. واللامبالاه لا لشئ إلا لأنها تقدم لفقراء!! تفترس البلهارسيا اكبادهم.. وتنفرد خلايا السرطان ببقاياها بسبب طعام غرق في مبيدات فاسده... يسيطر الفشل علي " كُلاهم" نتيجه عدم قدرتهم علي شراء زجاجات مياه معبأه بعد أصبحت مياه "الحنفية سُم هاري".. ويغادر معظمهم الحياه لانهم لا يملكون حق العلاج...!! ينحشر ابناء معظمهم وسط 60 او70 تلميذاً في فصول فترة ثالثة بمدرسه لاتمتلك من مقومات التعليم أو وسائل التعريف بهذا المبنى المتهالك سوي لافته علي بابه تحمل اسم الوزاره... فهم لايمتلكون ترف التعليم الخاص.... تختنق صدورهم بسحابه سوداء... تسري السموم في شرايينهم... يلهثون عطشاً.. يخوضون في مياه الصرف الصحي ويبحثون عن مواقع مأواهم وسط اكوام القمامه لأنهم لايملكون تكاليف السكن في شوارع تخترقها مواكب المسئولين ويختطف بريق الأسفلت فيها العيون !! يغادرون الحياه وسط طوابير تخترق الشوارع امام منافذ تفتقد لأبسط قواعد الآدميه بعد أن فشلوا في تسلم معاشاتهم التي يتركونها لورثتهم بعد أن يغادروا الحياة إختناقاً...!! ولكل هذه الاسباب أو لبعضها - وبإختصار - كان لابد أن ينتقل هولاء من قاع المجتمع إلي قاع البحر, فقد فقدوا قيمتهم وأمانهم وآمالهم وطحنهم المجتمع بكل قسوه قبل أن تبتلع مياه البحر بقاياهم إن كانت لهم بقايا..!!
هذه السطور حملها ذات المكان يوم السبت 11 فبراير قبل نحو 5 سنوات "عام 2006" أي بعد ساعات قليلة من غرق العبارة السلام 98 "تيتانيك المصرية" وتهريب مالكها ممدوح اسماعيل إلى لندن نظراً لعلاقة البيزنس التي كانت تربطه مع رجل النظام الأول وقتها زكريا عزمي.. واليوم أعيد نشرها بمناسبة بدء محاكمة وزير الداخلية ومساعديه الفاشيين الستة بتهمة إطلاق الرصاص – بدم بارد - على ثوار يناير بينما لا يزال مايسترو فرقة إغتيال 80 مليون مواطن قابعاً في منتجع شرم الشيخ دون نقله إلى مقره الأبدي الجديد "قصر طرة الجمهوري" بزعم الخوف على حياته أمنياً وطبياً..!!! المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش