«هى وكالة من غير بواب» جملة أو مثل يُطلقه البسطاء من المصريين للإشارة الى مكان مفتوح يقصده العامة من الناس بدون قيد أو شرط، والوكالة يعرفها الاثريون وسكان مناطق مصر القديمة بأنها مكان أثرى كان مخصصاً للتجارة وأُعتبر مقصِداً لكل من كان يعرض بضاعته القادمة من كل حدب وصوب ، ولكن الوثيقة التى أعرضها اليوم تقدم مفاجأة لم تكن لتخطر على بال أحد فهى عبارة عن شهادة قيد صادرة من نظارة الداخلية يوم الخميس 10 سبتمبر 1891 للمواطن عبده سليمان من رعايا الحكومة المحلية والمولود فى مصر وهذه الشهادة صدرت للتإكيد أن هذا المواطن صنعته (وكايلى) أى صاحب وكالة معدة للنوم أى (فندق) فى كفر الإشارة بندر الزقازيق وتؤكد الوثيقة ان هذه الوكالة موجودة من قبل صدور لائحة البوليس المؤرخة فى 13 يونيو 1891 ، وبناء عليه فقد تحررت له هذه الشهادة الدالة على قيده وقد تنبه عليه الا يسمح بإجراء ألعاب القمار فى محله ويمكن سحب هذه الشهادة فى حالة ما إذا خالف صاحبها تعهده وتوقعت عليه عقوبة بسببها والإمضاء (المحافظ أو المدير) . وهذه الوثيقة تؤكد أن الوكالة لم تكن مكاناً للإتجار فقط ولكنها كانت تستخدم كفندق أيضاً وأنه كان يتوجب على أصحابها الحصول على تصاريح من الحكومة لإقامتها وإن البوليس كان يراقب الأنشطة التى كانت تتم داخل هذه الوكالات التى كانت تنتشر فى طول مصر وعرضها . ويقول الاثرى أحمد عبدالفتاح أن بعض المصادر القديمة أكدت أن فندق للتجار أو وكالة أو خان هى أسماء أطلقت على نوع من المباني أنشئت منذ بداية العصر الفاطمي واستمر تشييدها إلى نهاية العصر العثماني وقد خصصت لأغراض التجارة من بيع السلع وتخزينها وعقد الصفقات التجارية بالإضافة إلى توفير طوابق سكنية معدة لسكنى التجار الأجانب الذين يفدون من الشرق والغرب وغالبًا ما كان يملك الوكالة او الخان تاجر بارز تعرف الوكالة باسمه ، وقد قدر عدد الوكالات التي شيدت في مصر خلال العصر العثماني ب 10 وكالات ولكن هذه الوثيقة هى الأولى من نوعها التى تؤكد ذلك أن الوكالة هى مكان مخصص للنوم . وتعتبر وكالة الغوري من أكمل و أروع الوكالات في مصر وتتكون من فناء مكشوف محاط بقاعات على خمس طوابق حيث كان يتم تخزين البضائع في الطابق الأرضي والأول بينما خصص باقي الطوابق لسكن التجار ويقال ان خان الخليلى السوق القديم الأشهر فى مصر والشرق والذى يزيد عمره على 600 عام قد سمي بهذا الاسم نسبة لمؤسسه و هو أحد الأمراء المماليك و كان يدعى جركس الخليلي كان أيضاً وكالة وقال عنه المؤرخ العربي (المقريزي) إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة، تشمل الطبقة السفلي منه الحوانيت، وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى الشريف (الخليلي) الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400 م. أما (وكالة بازرعة) فهى تعد واحدة من أشهر الوكالات الأثرية وقد اجريت لها أعمال ترميم تكلفت حوالي 5 ملايين جنيه وتقع الوكالة بشارع التمبكشية بمنطقة الجمالية ومعروفة بوكالة الكيخيا نسبة الى حسن كتخدا وكانت معدة لبيع الأخشاب ثم اشتراها محمد بازرعة وهو تاجر يمنى وخصصها لبيع الصابون النابلسي والبن، وتتكون من جزءين الأول تجاري يضم حواصل حول الصحن ومحلات تجارية و الجزء الثاني هو جناح سكني يتكون من طابقين . أما وكالة قايتباي أو فندق قايتباي فقد بناه الملك الأشرف أبو النصر قايتباي و يقع في شارع باب النصر وقد تلاشت أجزاء كبيرة من زخارفه المعمارية وهذه الوكالة تعد من أجمل النماذج لفن الزخارف الإسلامية . وفى النهاية بقى أن نقول ان مصر تضم الكثير من هذه الوكالات الاثرية فى كل المحافظات مما يستلزم الحفاظ عليها لما تمثله من تراث هام لمصر وللعالم كله وأشهرها وكالة الشوربجى فى الاسكندرية وأربع وكالات إسلامية أثرية ترجع إلى العصر العثمانى فى اسيوط وهى وكالة ثابت ووكالة لطفى ووكالة شلبى وهي مبنية علي الطراز العثماني يتوسطها فناء مستطيل الشكل وسقفها به نافذة كبيرة للإضاءة والتهوية وتتكون من طابقين الاسفل منه للدواب وتخزين البضائع والعلوي للمعيشة والاقامة المؤقتة للتجار القادمين من المدن البعيدة. وقد لعبت هذه الوكالات دورا هاما في الناحية الاقتصادية والتجارية لمصر وبفضلها تحولت مصر الى منطقة تجارية واقتصادية هامة ... والله على مصر زمان .