عقدان من الزمان وربما أكثر حاول المرء تجنب الجلوس أمام جهاز التليفزيون بقناتيه الأولى والثانية، فما كان يرى من برامج لا يمكن لبشر أن يحتمله. ناهيك عن مبارك وأسرته ومعه زمرته الذين فرضوا على العباد ليل نهار فى محتويات برنامجية مملة ومقيتة من فرط تأليه رأس النظام، فضلا على ضحالتها واستخفاف معلوماتها. ورغم هذا السواد الكالح، بدا هناك شعاع من الضوء حتى ولو كان خافتا يتسلل على استحياء من شاشته لمدة ساعتين من كل أسبوع وفيهما تطل درية شرف الدين بسحنتها الهادئة وجمالها الأخاذ وبرنامجها الأثير نادى السينما. ومع أن كاتب تلك السطور كان عضوا بنادى سينما القاهرة وجمعية الفيلم فإنه كان تواقا ليوم السبت منتظرا مساءه بفارغ الصبر، حيث الموعد مع عوالم الأشرطة ذات الخمسة الثلاثين ومدارسها المختلفة ورؤاها البصرية الساحرة. ولم تكتف درية شرف الدين فى ذاك الزمان بتقديم خلفية وافرة للنص السينمائى جمعتها من مصادر متعددة، بل راحت تثرى برنامجها باستضافة اسماء وشخصيات تباينت مشاربهم الفكرية من نقاد ومخرجين وممثلين وصناع ألوان وخبراء مونتاج وكتاب سيناريو، وفى ظنى لم تكن لتظهر للجمهور إلا من خلال هذا النبع الثقافى الذى يبخل علينا بموسيقى هى كالحلم تستهله وتنتهى به، ولكن مع الأسف ومثل كل شئ جاد كان مصيره الهلاك، انها إحدى آفات عالمنا الثالث البائس. وتمر السنوات، وتعين درية التى لم تختلف طلتها بل زادت رونقا وتألقاً، فى منصب وزيرة للإعلام، وبدلا من الاستبشار بها خيرا وجدنا من ينهال عليها بحملة عاتية ساد فيها الردح والمزايدات الفجة باسم مصر وهنا لست بصدد مناقشة السبب فهو بالنهاية له متخصصوه، غير أن ما راعنى وزادنى حنقا، اختزال درية على إنها نتاج صفوت الشريف وتارة ثانية انها ارادت ان تؤمن لها عملا بعد الوزارة. ياله من عار أذن، الأدهى والمثير للاشمئزاز أن يكون بعض من اصحاب الشتائم هم أنفسهم، مطيبية كل عصر، ولن استزيد فقد فضحهم ثنائى بالفضائية المصرية منة الشرقاوى وتامر ناصر اللذان أسقطا الاقنعة بجمل ومفرادات أعطت للاسفاف درسا بليغا، وبالتوفيق لدرية شرف الدين.