لأنهم بسطاء فأحلامهم مثلهم تشبه الواقع الذي يعيشون فيه لاتتخطي أي حدود بل تقف في المكان الذي يضعون أقدامهم عليه.. فهم يعلمون جيدا إمكانياتهم الضعيفة الرثة البالية التي فرضتها الأقدار عليهم ورضوا بها صاغرين لأنه ما باليد حيلة فالرضا مفتاح بقائهم في هذه الحياة ..ولكن عندما تطلب منهم أن يحلموا قد يتركون العنان للحلم أن ينطلق في الفضاء الواسع دون ان يمنعه واقع مرير أو يعوقه عائق فالأحلام مجانية حتي ولو كانت لبضع دقائق. عم فضل بائع خضار علي باب الله يقف بعربته الكارو منذ سنين يأتي في الصباح الباكر حاملا الخضار الطازج لأهل الحي الذين دأبوا علي انتظاره يوميا لديه من الابناء البنون والبنات الذين يعاونونه في العطلة الصيفية بمنتهي الإخلاص والتفاني ..طعامهم اليومي يتناولونه أمام عربتهم الصغيرة بما يجود الله عليهم فول و طعمية أو جبنة مع بعض ما تبقي معهم من خضراوات، ورغم الظروف الصعبة التي يعيش فيها تجده يقف وحوله أولاده وزبائنه متحديا تلك الصعاب متفائلا بما يحمله الغد عندما سألناه عن حلمه سرح بخياله وقال كل ما أتمناه امتلاك خمسة أفدنة أزرعها أنا وأولادي ناكل من خيرها وأتاجر بما ستخرجه لي الأرض من خير وإذا تركت أبنائي تركت لهم ما يملكون به مستقبلهم دون «الحوجة» ولمعت عيناه بالأمل وكأنما ينظر لهذه الافدنة وهو يقف وحوله الأبناء يزرعون ويحصدون . لقمة نظيفة عم جابر جامع قمامة رجل تخطي الخمسين من عمره خرج للحياة ولم يعرف له عمل سوي جمع القمامة تحت الأمطار الغزيرة والبرد القارس او تحت لهيب الشمس الحارق حتي رسمت هذه الظروف الصعبة علامات بارزة قاسية علي وجهه.. يبدأ يومه مع ساعات الصباح الأولي وينتهي في الرابعة عصرا قد يعود في أيام كثيرة لا يحمل شيئا لاسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلتين ووالدته المسنة التي تجعله يلف حول نفسه إذا أحتاجت إلي أي دواء ويضطر إذا ضاق به الحال أن يمد يده ولم لا وما يحصل عليه بالكاد يكفي لقمه العيش الحاف ..عندما سألناه عن حلمه قال وهل من حقنا نحن الفقراء المنسيين أن نحلم أنا لا أعرف ماذا سيحمل لي الغد أفكر في يومي الذي أعيشه فقط وكل ما أحلم به أن أعود لأسرتي بلقمة نظيفة لا أن اضطر للبحث عنها يوميا بين اكوام الزبالة . خفض الأسعار ربيع ومحمود وبكر ثلاثة أشقاء أنهوا دراستهم ولم ينتظروا طويلا فرصة عمل بل صنعوها بأنفسهم عندما قرروا استئجار محل صغير وأقاموا عليه مطعما للفول والطعمية عملوا فيه بجد وإخلاص وقدموا فيه الطعام الجيد والمميز لزبائنهم حتي عرفوا في المنطقة بجودة منتجهم وأصبحوا رقم واحد تأتيهم الزبائن من كل مكان وعلي الرغم من أن صيتهم قد ذاع واشتهروا في الحي أن ما يأتيهم من دخل لا يكفي لتحقيق أحلامهم بعد أن يقسم هذا الدخل علي ثلاثة واستقطاع الايجار والخامات المستخدمة في إعداد الطعام عندما أقتربنا لمعرفة حلمهم أكدوا أنهم لا يحتاجون لشيء معين فقد وقف الله بجانبهم وأنجح مشروعهم الصغير وهم راضون بما يقسمه الله لهم رغم بساطته ولكن كل ما يحلمون به لهم ولغيرهم أن تنخفض الأسعار التي يكتوون بنارها يوميا عند شرائهم مستلزمات المطعم فالاسعار العالية والمتقلبة يوميا تحرمهم في نهاية اليوم من لذة المكسب. أريد العلاج عم عاطف بائع الليمون تجده دائما جالسا علي ناصية أحد الشوارع وقد تخطي الستين من عمره يجلس القرفصاء يضم جسده النحيل ليحتمي من الصقيع والبرد القارس في الشتاء وفي الصيف تراه يتصبب عرقا وكأنما خرج لتوه من ماراثون طويل ورغم شيخوخته التي لا تحتمل تلك الظروف الا انه مضطر لذلك ليعول أسرة كبيرة عليه أن يعود لها في نهاية اليوم بما يسد جوعهم سألناه عن حلمه فامتلأت عينه بالدموع و كأنما يرثي حاله وقال أريد العلاج يا ابنتي وكشف عن قدمه المتورمة، وقال أنا مصاب بمرض شديد في قدمي لا أعرف أسمه ولم أستطع علاجه لتكلفته العالية التي يتطلبها ورغم الآلام الشديدة التي أشعر بها وتجعلني بالكاد أخطو لبيتي عائدا بعد يوم صعب إلا أن ألمي النفسي أشد بكثير فكيف لرجل في مثل سني أن يتحمل هذا الالم ولا يحلم حتي بالشفاء. معاش لأبنائي أم محمود سيدة في العقد الرابع من عمرها تعمل في المنازل منذ طفولتها فقد خرجت للحياة وهي طفلة صغيرة في يد أمها لتساعدها فكل يوم في بيت شكل وتتذكر طفولتها البائسة عندما تجد أقرانها يلهون ويلعبون في الشارع وهي عائدة من يوم عمل شاق علي طفولتها لا تستطيع أن تقف لتلهو معهم فكل أملها أن تجد أرض بيتها لتتمدد عليها وتلقي بعناء يوم طويل لا يهم ماذا ستأكل فأهل الخير قد يطعمونها عندما يجدون منها عملا دءوبا ونظيفا المهم ان تنام أستعدادا لشقاء يوم قادم كبرت وتزوجت وأنجبت وكان زوجها أفقر منها فاعتمد عليها بشكل كبير ولم تجد مفرا من استمرارها في هذه المهنة الشاقة لتلبي احتياجات أسرتها فهي تحلم لهم بمستقبل أفضل لهم لذلك تحرص علي تعليمهم حتي لو واصلت الليل بالنهار حلمها أن تري مستقبلا مضيئا لابنائها وتتساءل في خوف: ماذا لو لم أتمكن يوما من العمل فمهنة العمل في المنازل تنتهي في وقت معين فالصحة لن تستمر أريد أن يكون لمثلنا معاش يأمنا غدر الزمان . أستر بناتي عواطف بائعة البخور دأب الجميع علي رؤيتها تسير بينهم تعرض عليهم شراء البخور معظم الناس يتباركون بها ويشترون ولكن في نهاية اليوم العائد قليل جدا ورغم ذلك أبتسامتها لا تفارقها سألناها عن حلمها فقالت: يا.. هو ممكن احلم كده ويتحقق حلمي، عموما كل اللي في نفسي أن أستر بناتي الأيتام فواحدة منهن مخطوبة وعلي وش جواز وحجزت لها بعض الاجهزة الكهربائية الضرورية طبعا بالقسط ونفسي ربنا يقدرني واسدد ما عليا وافوق للي بعدها . تعليم معقول ومواصلة آدمية أحمد توفيق موظف حكومي لديه ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، يذهب للعمل يوميا محشورا في الأتوبيس ويعود محشورا في الأتوبيس يركب بقوة الدفع ولا يجد هواء يستنشقه ذهابا وايابا وكيف يتنفس وعدد الركاب يفوق بكثير سعة الاتوبيس وعند عودته للمنزل يجد تلالا من المشاكل في أنتظاره من المدارس وما يدرس فيها من طلاسم ومن بعض المدرسين الذين فقدوا ضمائرهم، وفي النهاية يجد نفسه مطالبا بإعطاء دروس خصوصية حتي ينجح أبناؤه بما يفوق طاقته كل ما يتمناه تعليما مناسبا لابنائه يضمن مستقبلهم ووسيلة مواصلات تحقق له آدميته.