الأزهر مؤسسة عريقة يعرف فضلها القاصي والداني، ولسنا في حاجة إلى تعديد الشيوخ الكبار الذين تولوا قيادة مشيخته، ولا العلماء الذين جلسوا إلى أعمدته، ولا الجهابذة الذين تخرجوا فيه،ولسنا في حاجة إلى إقامة الحجج والبراهين على قيادة علماء الأزهر للمصريين في التصدي للطغاة والمحتلين، ودور علماء الأزهر في حركة التنوير، ومقاومة الفكر الضال عبر العصور، وحماية اللغة والدين، والدفاع عن مكارم الأخلاق ومناهضة الإسفاف والسفور عبر العصور لا يجحده إلا جاحد، فبعد أن كانت الدراسة في الأزهر الشريف تنحصر في أروقة جامعه العتيق،ونظرا لمواكبة مستحدثات العصر، وسعيا لاستيعاب أكبر قدر من راغبي الدراسة الأزهرية،أصبح الأزهر الشريف يمتلك العديد من المعاهد الأزهرية في كل قرية ونجع من نجوع المحروسة فضلا عن مدنها، كما يمتلك الأزهر الشريف جامعة هي الأكبر بين جامعات الكون،تتعدد كلياتها بين عملي ونظري، وديني، مكونة شخصية غير متكررة على وجه الأرض، تنشر العلم في ربوع الكون، وخرجت ملوكا، وسلاطين ورؤساء دول وما يصعب حصره من الوزراء في مختلف الدول الإسلاميّة، حتى الوزارات التي لا تملك جامعة الأزهر كلية متخصصة يتخرجون منها عادة، حيث بعض وزراء الداخلية في دولة آسيوية من خريجي جامعة الأزهر ثقة في الجامعة التي تخرجوا فيها، ويشارك الأطباء والمهندسون والصيادلة زملاءهم الذين تخرجوا في جامعات غير أزهريّة ميادين العمل فيظهرون مهارة لن نبالغ ونقع فيما وقع فيه غيرنا فنقول تفوقوا عليهم .بل يكفي أن نقول إنهم لا يقلون بحال من الأحوال عنهم علما ولا إتقانا،ولم أسمع في حياتي أن طبيبا أزهريا أو مهندسا أو كيميائيا أو صيدليا اتهم بضعف المستوى أو أنه ارتكب خطأ فاحشا مما نسمع عنه بين الحين والحين، كما يشرف الأزهر الشريف على العديد من المعاهد، والجامعات في العالم الإسلامي، ويعرف العالم الإسلامي بصفة عامة والعربي خاصة فضل الأزهر وجامعته، ويلقى العالم الأزهري المتخرج في جامعة الأزهر حفاوة يحسد عليها من أقرانه في العمل في هذه الدول، ولم يكن أبدا يوما من الأيام في أي دولة دون غيره من خريجي الجامعات الأخرى، ولم نسمع يوما عن اتهام بالضعف أو عدم الجدوى من خارج حدودنا، ولكن في الآونة الأخيرة وفي حلقات من سلسلة الهجمات المنظمة على الأزهر وهيأته ورموزه وإمامه الأكبر، استباح كل من هب ودب ومن يعلم ومن يجهل الأزهر،فسمعنا عن مطالبات بتقسيم جامعة الأزهر إلى جامعتين إحداهما علمية لكليات(الطب بأنواعه، والهندسة بأقسامها، والصيدلة، والعلوم، والزراعة.....) وجامعة نظرية تحوي بقية الكليات التي تسمى بالإسلاميّة، فلما فشلت هذه المحاولة طالب البعض بما هو أغرب وهو:تصفية جامعة الأزهر، أو تحويلها إلى جامعة خاصة، أو دمجها مع جامعة من الجامعات العامة،المهم أن تذهب جامعة الأزهر لا يعني إلى أين بدعوى ضعف خريجي جامعة الأزهر،ويفترض في الطارحين لهذه الأفكار أنهم من النخبة وما أكثرهم في زماننا، وأقول لهؤلاء الذين أثرت حرارة الجو على ما يبدو على عقولهم كثيرا: لن أشغل وقت الناس بالدفاع عن جامعة الأزهر وخريجيها، ولن ادعي أنه لا توجد مشكلة في الدراسة بجامعتنا أو في مستوى الخريجين منها، ولكن أقول ما تعاني منه جامعة الأزهر ومن يتخرجون منها لا تسلم منه جامعة من جامعاتنا، فإن كانت جامعة الأزهر يجب أن تصفى فلا أظنكم تطالبون بإلغاء التعليم الجامعي في مصر على الأقل، لأن جامعة الأزهر ليست الأسوأ بين الجامعات على كل حال،هذا على فرض التسليم بصدق المزاعم بضعف مستوى خريجي جامعة الأزهر بالقدر الذي زعمتم،فهل هذا هو الحل الأمثل الذي يصدر عن بعض نخبتنا في زماننا؟! إن التعليم الأزهري وسأكون أشجع من غيري في التعبير عنه، أصابه ما أصاب غيره من التعليم في مصر، ولكن أستطيع القول إنه بدرجة أقل بكثير بفضل كتاب الله ولغتنا الجميلة، بدليل تهافت الدول الإسلاميّة على خريجي الأزهر، وتلقي العديد من المطالبات بإنشاء معاهد وكليات أزهريّة بالعديد من الدول العربية والإسلاميّة، وهو ما لم يطلب من مؤسسة تعليمية أخرى لا في مصر ولا في غيرها، ومع هذا المستوى المرضي للعالم الخارجي على الأقل لا نرضى عن المستوى الذي نحن عليه،ولذا فإن محاولات التجديد والتطوير في التعليم الأزهري تجري على قدم وساق في الجامعة وفي المعاهد الأزهرية، لاسيما منذ تولى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر قيادة الأزهر الشريف، فلجان إصلاح التعليم التي أمر بتشكيلها تصل الليل بالنهار لتعيد صياغة المقررات الدراسية لاسيما في التعليم قبل الجامعي، إيمانا بأن الإصلاح للتعليم الجامعي لا يمكن من دون إصلاح رافده وقاعدته، وفي السنوات المقبلة سيشهد التعليم الأزهري بإذن الله نقلة نوعيّة يستعيد معها أمجاده التي يعرفها القاصي والداني، وإذا كانت هذه الهجمات والمكائد لها ما يبررها، حيث إنها في الغالب تصدر عن حاقدين على الأزهر لتماسكه وصموده أمام الهجمات العاتية مهما كان مصدرها،فلست اعرف مبررا لهجمة أتت من داخلنا هذه المرة، حيث عرضت إحدى القنوات صورا لمستشفى الزهراء الجامعي التابع لكلية طب بنات الأزهر، تظهر المستشفى وكأنه مقلب للقمامة، ومخزن للأجهزة الخردة المعطلة،والإهمال هو سيد الموقف على كافة المستويات، وتبين بالمعاينة الفوريّة التي كلفني بها فضيلة الإمام الأكبر في زيارة فورية للمستشفى أن الصور التي ظهرت على شاشة هذه القناة لا تمت لواقع المستشفى الحالي بصلة، وأنها ربما التقطت منذ أمد بعيد، لم يكن الملتقط لها بعيدا عن محل المسؤولية بالمستشفى، وأن ما لاحظته هو وجود بعض مخلفات حديدية ناتجة عن استبدال وصيانة المصاعد، وبعض تلفيات في الحوائط لا تخلو منها بناية، وبعض الأوراق وعلب المشروبات الفارغة الملقاة حديثا من المرضى والزائرين فوق الأسطح مما يؤكد أنها ترفع وتنظف أولا بأول، وأن النسبة الغالبة هي جودة المباني وفخامة التجهيزات الداخلية،وحداثة الأجهزة والأسرة، والنظافة غير المعهودة في كثير من مستشفياتنا حتى التابعة لجامعة الأزهر، وبمروري على المرضى في أقسام عشوائية وفي وقت الزيارة لم أتلق من مريض أو أهله شكوى إهمال أو تقصير، اللهم إلا أن أحد مرضى العيون الذي اشتكى من تأخر حجزه للعلاج، وآخر اشتكى من قلة أكياس الدم، وهي مشكلات لا تخلو منها مستشفى من المستشفيات، وتمنيت لو كانت جميع مستشفياتنا بهذا المستوى المرضي إذا ما قورن بغيره، وهذا ليس بمستغرب فقد حصلت المستشفى قبل شهرين فقط مع الكلية التي تتبعها على اعتماد هيئة الجودة، التي لا تمنح اعتمادها إلا بمواصفات غاية في الصعوبة، ولذا مازالت كبرى المؤسسات التعليمية تعجز عن الحصول على هذا الاعتماد، وأعتقد أن المسألة تتعلق بالحقد والحسد، وربما قصد به إدارة المستشفى وعميدة الكلية النشطة،التي استطاعت في شهور معدودة نقل المستشفى نقلة نوعية غير مسبوقة فيما أعلم، تستحق عليه التحية والتقدير. هذا ما ظهر لي من معاينة ظاهرية على الأقل، فإن كانت هناك مخالفات غير مرئية فعلى راصدها أن يتقدم بها إلى رئيس الجامعة أو شيخ الأزهر إذا لزم الأمر لبحثها واتخاذ ما يلزم ضد المخالفين فورا، أما أن يشوه انجازا لأناس واصلوا الليل بالنهار على شاشات الفضائيات فما هكذا يكون جزاء المجدين. أيها السادة كونوا منصفين في أحكامكم وأكثر تجاوبا مع خطوات الإصلاح للتعليم الأزهري، وأكثر دعما لدور الأزهر الدعوي، والاجتماعي، والإنساني. لمزيد من مقالات د. عباس شومان