اتخذت وزارة الكهرباء بالتعاون مع وزارتى الإسكان والتعمير والتنمية المحلية، قرارا بفصل إنارة المدن الجديدة عن شبكة الكهرباء العامة، وتحفيز إنارة هذه المدن بالطاقة الشمسية أو المتجددة، ويأتى هذا القرار استجابة لتوجه عالمى بإحلال العمارة الخضراء فى البناء والسكن بعد أن وصل عدد المدن الجديدة حتى الآن 23 مدينة تستنزف نسبة عالية من الكهرباء، وتطبيقا لهذا القرار فقد ألزمت الحكومة المحليات بايقاف تراخيص البناء بهذه المدن إلا بعد تركيب «السخانات الشمسية». يرى الدكتور تامر أكمل أستاذ العمارة بجامعة القناة أن هذا القرار جاء متأخرا لكنه صائب لأن تعقيدات الحياة وانتشار التلوث أصبحا سمة فى حياتنا ومن ثم تظهر أمراض للإنسان لم يعهدها، فالعمارة الخضراء تستهدف محاور ثلاثة أولها خفض استنزاف الطاقة والموارد الطبيعية ويظهر ذلك فى نقص احمال الكهرباء على مستوى الجمهورية خاصة فى فصل الصيف لسوء استخدام المواطن لها من تكييفات وغيرها وهو ما يستهلك كميات مهولة من السولار تضطر لاستيرادها. والمحور الثانى هو أن هذه العمارة الجديدة تحد من تلوث البيئة والانبعاثات الغازية السامة أو انتشار فضلات سائلة أو صلبة تضر بالبيئة، والمحور الثالث هو انها تبعد الإنسان عن تأثير البيئة السيئة المحيطة على صحته نتيجة سوء استخدام الكيماويات فى البناء والتشطيبات وحدوث ملوثات مستمرة معه. فالعمارة الخضراء تعنى الحفاظ على الطاقة باقامة مبنى متكامل من الطبيعة وطاقته يستمدها من الشمس. اتجاه البناء وأضاف أستاذ العمارة أن هناك أمور فنية ترتبط بهذه الأبنية فتكون الأبنية متجهة للجنوب فى المناطق التى تخضع لتأثير كبير فى الشتاء، فهى بالإضافة لتجنب تأثيرات فصل الشتاء بدرجة كبيرة تكون مستقبلة للشمس بأعلى درجة بعكس المناطق الجنوبية، فضلا عن مراعاة أعمال كثيرة فى حالة التشييد بالعناية بظل المبنى بحيث يوفر فرصة للضوء الطبيعى بدرجة عالية لا تقل عن 30 40% والحرص أيضا على اللمسات الجمالية فى شكل المبنى مع توزيع واجهات لانكسار السطوح وبروزها ومراعاة المساحات المشمسة والمظللة فى زاوية الشمس وحركتها، بحيث يكون الضوء الطبيعى متوافرا طوال اليوم، ويستعان بمخزون الطاقة الشمسية ليلا، مع ربط هذه المنظومة باقامة أشجار وشجيرات وزراعات محيطة تعطى أثرا نفسيا وجماليا مشجعا للحياة بالمدن الجديدة ويوفر العلاج من كثير من الأمراض الناتجة عن التلوث والضغوط النفسية والعصبية، إضافة لاتاحة الفرصة للترابط الاجتماعى بين السكان الذين يشاركون فى زراعة الخضرة ورعايتها والشجيرات والمتسلقات على الحوائط ليصبح أخضر وفق العمارة الخضراء اسما ومسمي، حيث ينصج المتخصصون بزراعة أشجار دائمة الخضرة فى الواجهة الغربية وأخرى متساقطة الأوراق فى الخريف والشتاء فى الواجهة الجنوبية لتتيح دخول الشمس للمبنى بدرجة عالية. الكهرباء التقليدية ويضيف الدكتور محمد عبدالعزيز البستانى استشارى البناء والعمارة أن من أساسات العمارة الحديثة توفير الكهرباء التقليدية والاعتماد على الخلايا الشمسية والتى لا تشغل أى حيز بداخل الشقة فهى اما أعلى المنزل أو فى الواجهة فهذه الخلايا نظيفة الاستعمال ولا تحتاج لصيانة متخصصة وسريعة التركيب فى مجمع من الوحدات، وليس لها فاقد. فضلا عن أن لها ألوانا متعددة جمالية وشكلية منها الشفاف ونصف الشفاف خاصة مع الشبابيك لتكون متكاملة معها، أما الواجهات الزجاجية فمنها الرمادى واللبنى والبنى والأسود والأخضر وغيرها بما يتناسب مع فن عمارة المبنى وتكون على أشكال مربعة أو مستطيلة أو الدائرية المنحنية، وتتصل ببطاريات تخزين للطاقة تستخدم ليلا ويطلق على المبنى فى هذه الحالة أنه «متوازن» فالعمارة الخضراء تعنى الحماية من ظروف المناخ مرتفع الحرارة أو منخفض الحرارة وخلق جو مناسب للمعيشة والراحة وصحة الإنسان ووظائف جسده دون تغيير فى معالم المكان مع تطبيق المثالية فى معايير البناء الصحى ومراعاة البعد الإنسانى فى الوقت الذى نسمى فيه المبانى التقليدية بأنها «مريضة» لأنها تستعين بالمكيفات الكهربية والتى تزيد دخول الملوثات والبكتيريا المسببةج للأمراض ووجود اختلاف بين حرارة المسكن والشارع مما يتسبب فى خلل الجسم وجهازه المناعي. كما أن صانتها مكلفة جدا وتستهلك طاقة عالية وتمثل عبئا على دخل الأسرة وإمكانات الدولة. كما أن مواد البناء غالبا تفتقد المعايير الصحية من حيث الطلاء المسبب للحساسية وخامات البناء الضارة بالصحة العامة للسكان. كاسرات الضوء وأضاف د.البستانى أن الاهتمام الواضح فى العمارة الخضراء يرتبط أيضا بوضع كاسرات الضوء فى الواجهة للمبنى فتكون أفقية بالوجه القبلى لتقليل شدة الضوء والحرارة، ورأسية بالوجه البحرى والشمالى بما يسمح بمزيد من الضوء مع تعادل الحرارة المطلوبة على مدار فصول السنة، ولعى فى نفس الوقت ننظم سرعة الهواء ودرجة احتياجاته للمبنى لتكون بمثابة تكييف طبيعى متوازن بديلا عن أجهزة التكييف، إضافة لمراعاة تبريد السقف لكل المبنى بالحرص على الزراعة بالسطح بطبقات نجيلية وهو توجه عالمى يهدف لخفض التكاليف وتحسين الصحة العامة حتى مع المبانى الاقتصادية ذات المساحات الضيقة فهذه العمارة تعنى التدقيق فى استخدام خامات البناء مثل «بلوكات» خفض انبعاث الحرارة وتقليل الرطوبة مع الحرص على وضع سواتر أو عواكس حسب درجة الضوء والحرارة للمنطقة وبما يخفض الرطوبة أيضا دون الاعتداء على البيئة أو تجريف خاماتها أو نشر التلوث الناتج عن البناء أو المعيشة للمواطن. وطالب البستانى بضرورة ملاحقة مصر للتقدم العالمى فى مجال العمارة الخضراء بانشاء أقسام على مستوى كليات الهندسة باسم «العمارة الخضراء» لانها المنفذ الوحيد لحل مشكلات معيشتنا الحالية والمستقبلية، لأن المهندس المتخصص الذى درس معطيات البناء الأخضر، سيدرس جيدا عوامل التلوث البيئى وكيفية مواجهته أو منعه فى البناء الحديث، اضافة للفنيات المرتبطة بالطاقة والكهرباء ومشكلات الصحة العامة، وسلبيات الخامات وأخطارها على الإنسان على المدى القريب والبعيد، ودراسات الطاقة البديلة والنظيفة والموارد الطبيعية حسب كل منطقة وكيفية تقييمها، وفتح المجال للتخصص فى أحد مجالات العمارة الخضراء مثل صناعة الألواح الشمسية والألواح العاكسة للحرارة، والتصميم للبناء من حيث الاتجاه وانكسارات الضوء وهناك فنيات خاصة بخفض الحرارة أو الحفاظ عليها حسب الحاجة مما سيسمح بالتوسع فى المناطق الصحراوية والعمرانية الجديدة وكذلك نحتاج إلى انشاء تخصص حول مستويات الزراعة للأسطح والحوائط الخارجية والمنطقة المحيطة بالمبنى وتفاعلاتها لاعطاء مردود صحى للإنسان من حيث الحرارة المطلوبة للمبنى السكنى أو نسبة الأكسجين التى تتوافر منها. وقال د.تامر أكمل أستاذ العمارة عن تجربته الشخصية: انه بقدر الأسلوب المصرى المتقدم فى استخدامات العمارة الخضراء فانها تناسب أيضا الأسر المتوسطة والفقيرة من حيث المساحات الضيقة أو المحدودة حيث تقل تكاليف المعيشة وتوفير المناخ الصحى ومواد البناء المناسبة حيث انه من أساسيات العمارة الخضراء الاستعانة بالزراعة التى تخدمها مثل العناصر النباتية والشجيرات والمتسلقات فى الواجهات والأسطح الصخرية، ومتساقطة الأوراق شتاء بما يسمح لمزيد من ضوء الشمس فى هذا الفصل، وتكون الزراعة بوضع طبقة عازلة على السطح وإضافة طمى بارتفاع 20 سنتيمترا على الأقل لزراعة خضروات تغطى احتياجات السكان اليومية، كما أن هناك فرصة لزراعة أشجار فاكهة مثل المانجو والبرتقال بشرط أن تكون التربة بارتفاع 50 75 سنتيمترا بعد ظهور أنواع من الفاكهة نجحت زراعتها بالفعل فوق بعض الأسطح مما يجعل مشروع العمارة الخضراء مشروعا متكاملا نظرا لدور الخضرة فى زيادة نسبة الأكسجين كما تعطى عائدا ماديا يساوى ألف جنيه تقريبا لمساحة 300 مترا مربع فضلا عن توفير خضر مثل الجرجير والفحل والشبت والبقدونس والفلفل والباذنجان على هامش هذه الزراعة، وهذه الزراعات تتميز بانعدام استخدام الكيماويات والسموم. ومن ذلك تكون الزراعة الخضراد ذات عائد كبير من حيث الطاقة والغذاء ونظافة الجو والصحة النفسية أيضا وانخفاض حالات الأمراض الناشئة عن التوتر النفسى وهى تمثل 70% من حالات الذين يذهبون لعيادة الطبيب وفى نفس الوقت فان رعاية كل عوامل العمارة الخضراء يمكنها ان تستوعب أيد عاملة فى أى من مجالاتها البيئية والفنية والزراعية خاصة إذا كانت المبانى على شكل مجمعات سكنية متصلة الأسطح. نموذج مصري ويضيف الدكتور أحمد عبدالوهاب رزق أستاذ العمارة بجامعة عين شمس أنه أعد نموذجا جديدا للبناء يوفر الطاقة بنسبة 90% ويكون الاعتماد عليها محدودا جدا، وذلك من خلال فكرة «الملاقف العليا للهواء» فوق المبني، وزاوية البناء حسب المناطق الجنوبية فيكون جنوبا والشمالى يكون شماليا غربيا ليتناسب مع ظروف المناخ على مدار العام، مشيرا إلى أن تجارب العمارة الخضراء التى ترفعها أو ربما الآن هى فى الأصل مصرية وهى واضحة فى الأبنية الإسلامية القديمة بمصر الإسلامية فالفناء الداخلى يخزن الهواء البارد ليلا لمواجهة حرارة النهار، ويوجد «الملقف» الذى يكون فى اتجاه صوب الرياح فوق المنزل ويدفع بدوره الهواء إلى داخل المبني، وهناك أيضا النافورة ذات المنظر الجميل ولها دور حيوى فى ترطيب الهواء بالداخل، وكذلك «السلسبيل» الذى يقطر منه الماء ويزيد فرص تكوين البخار والرطوبة بالهواء. كما أن هناك «الايوان» وهو قاعة مفتوحة فى أحد جدرانها تماما تطل على صحن مكشوف حسب البناء وموقعه. وكذلك «الشخشيخة التى تغطى القاعات الرئيسية لتوفير الانارة الطبيعية والتهوية فى نفس الوقت لتتعامل مع الملقف فى تلطيف الحرارة بسحب الهواء الساخن. وأضاف أن من اساسيات بناء العمارة الخضراء المصرية فى ذلك العصر وجود «المشربية» وهى شبكة خشبية بها فتحات ذات مقطع دائرى منتظم بشكل هندسى وزخرفى دقيق يجمع بنى الفن والفائدة المباشرة معا لتضبط الهواء والضوء وتوفير الخصوصية، كما أن الأسقف المقبية التى تميز هذا العصر وهى على شكل نصف كرة أو أسطوانة تكون مظللة فيما عدا وقت الظهيرة ولها دور فى زيادة سرعة الهواء المار فوق سطوحها المنحية بما يخفض درجة حرارة السقوف. ونزيد على هذه الأفكار الصالحة للتطبيق ولو جزئيا فان هناك سيارة البنزين أو السولار التى يمكن تحويلها للعمل بالغاز الطبيعى لاتمام سلامة البيئة مع استخدام خطوط النقل النهري.