ما طرحه السيسى فى خطابه الانتخابى يعزز أهم أسباب تأييدى لانتخابه رئيساً؛ وهو جدارته بقيادة الصراع المصيرى لإنقاذ مصر: دولة ووطنا وأمةً وهويةً، بدحر قوى الفاشية التكفيرية والإرهابية، وردع قوى الهيمنة وأدواتها. لكنه مع دور السيسى الحاسم فى إنجاز هذه المهمة الملحة، يبقى عليه أن ينطلق فى رئاسته المرتقبة من استيعاب شعارات ثورتى 25 يناير و30 يونيو، حتى يلهم الأمة المصرية ويحشد طاقاتها الكامنة؛ لإنجاز مهمة تأسيس نظام جديد: عنوانه دولة المواطنة، ومهمة تسريع تقدم اقتصادي: رافعته تصنيع مصر. وأكتفى هنا بتناول المهمة الثانية، حيث جذب إهتمامى فى خطاب السيسى الانتخابى ما نشرته الأهرام وبوابتها بالأمس عن لقائه بوفد من المستثمرين ورجال الصناعة. أقصد تأكيده أن المستثمرين فى الصناعة سيتمتعون بفرص حقيقية مع خطته الطموح لبناء شبكة مرافق وبنية أساسية غير مسبوقة، وأن مصر فى سباق الزمن من أجل تنمية حقيقية يشعر بها المواطن، وأن المستثمرين مدينون لمصر وعليهم تحمل مسئوليتهم الوطنية بتحمل مسئولية التنمية عبر تعظيم الاستثمارات وفرص العمل واستعادة قدرة الصناعة المصرية والمشاركة الفعالة فى إيجاد حلول عملية لمشكلات المصريين، معلنا أنه لن يسمح بأن يضيع الغلبان فى مصر. كما أوضح السيسي- وبحق- أنه لن يكون مجدياً أن يتصدر شخص بمفرده لمواجهة مشكلات وتحديات الوطن، الذى يحتاج تكاتف جميع المصريين، إنه يحاول خلال لقاءاته مع كافة فئات المجتمع نقل صورة حقيقية وأمينة للواقع، حرصا على تكوين وعى حقيقى لدى كل أبناء الشعب بأهم التحديات التى تجابه الوطن. ورغم هذا مازلت أري- كما نشرت على صفحتى بالفيس بوك- أن “أهم القضايا الغائبة عن السيسي، هى استيعاب حتمية وأسبقية تصنيع مصر؛ وهى غائبة أيضا عن صباحى والثورة وكل الأحزاب. ولننظر للعالم من حولنا ولنتعلم من خبرة الدول الصناعية؛ المتقدمة والجديدة والصاعدة؛ وسندرك أن أى دولة لم تتمكن من تصفية فقر الدخل والقدرة، وتحقيق الأمن الاقتصادي، القومى والإنساني، بغير التصنيع. وأن توسع عمران مصر بغزو الصحراء لا غنى عنه، ولكن بالاستثمار الانتاجى ورافعته التصنيع، فى مراكز صناعية جديدة خارج القاهرة وبعيدة عنها تستقطب الزيادة والكثافة السكانية بفرص عمل عالية الانتاجية والدخل، ولكن ليس بالانزلاق الى فخ ممر تنمية الباز المماثل لفخ توشكى الجنزوري؛ أى استنزاف الموارد المتاحة والمحتملة، فى مشروعات جدواها الاقتصادية غائبة أو آجلة، ولا تفيد سوى جماعة الجشع المنفلت والفساد المنظم وشبقها للمضاربة بالأرض والثراء الفردي، وان تعمق فقر الشعب وعوز الدولة. وفى هذا السياق، أجدنى أعود لأذكِّر بثلاثة مقالات نشرتها قبل الثورة بالأهرام وموجودة على موقعى بالانترنت، أزعم أنه لو استجاب نظام مبارك لما تضمنته من دعوة للإصلاح، ما قامت الثورة، التى سيبقى هذا النظام مسئولا أمام الأمة والتاريخ عن ثمنها الفادح وآلامها المبرحة، وأتصورها رسائل مهمة الى المرشح لرئاسة مصر. أقصد أولا، مقالي: حتمية تصنيع مصر (الأهرام 29 يونيو 2008)، حيث أكدت أن مصر لن تصبح دولة متقدمة بمجرد تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي; وأن التقدم منذ فجر الثورة الصناعية وحتى عصر العولمة الاقتصادية لم يتحقق فى أى مكان بغير التصنيع؛ رافعة النمو المتواصل للإنتاجية والتصدير والتشغيل، وأنه بدون إستراتيجية للتصنيع- أى تبنى سياسات اقتصادية وصناعية تضمن أسبقية تنمية وتعميق وتنويع الصناعة التحويلية- لن تعزز مصر أمنها القومى بتملك القدرة الصناعية والتكنولوجية، ومن ثم القوة الاقتصادية والشاملة، ولن يتمتع المصريون بأمنهم الإنساني، فيتحرروا من الحاجة والفاقة والخوف من المستقبل، وأن قدرات مصر الكامنة تسمح لها بانجاز التصنيع وبلوغ ما تستحقه: أن تصبح دولة صناعية! وثانيا، مقالي: مكافحة الفقر تكون بتصفية أسبابه (الأهرام 7 سبتمبر 2008)، حيث أعلنت أن الفقر مثل الإرهاب، ينبغى القضاء عليه باقتلاع جذوره. وكما أن الجذر الأول المفرخ لجنود الإرهاب ينبت من فكر منحرف عن مقاصد العقيدة، يدفع قادته للدعوة لقتل من يتصورونه أعداء تفسيرهم للنص الديني، فإن الجذر الأول المولد للفقر المعاش ينبثق عن فكر منحاز لمصلحة الأغنياء، يقود منظروه إلى مضاعفة الفقر المطلق والنسبى لضحايا الاقتصاد الحر'! وأن استهداف المناطق والسكان الأشد فقرا، شأن استهداف جماعات وبؤر الإرهاب، ليس إلا مجرد إسعاف أولى لوقف نزيف الضحايا، من القتلي والفقراء، لكن اقتلاع جذورهما ضرورة لحفظ الكرامة والحياة. وأن السوق الحرة تقود الي: عدم كفاءة استخدام الموارد من منظور المصلحة العامة وإن تعاظمت الثروة الفردية للقلة، واحتكار يقتل المنافسة، واختلال فى توزيع الثروة والسلطة، وفرض لأسعار غير عادلة وغير مبررة، وتهديد للاستقرار الاجتماعى والسياسى والاقتصادى نتيجة تفاقم البطالة والكساد والفقر، ولا بديل عن بناء اقتصاد سوق اجتماعي، تجنبا لخطر الثورة !! وثالثا، مقالي: فى أصول المسئولية المجتمعية لرجال الأعمال، (الأهرام، 3 مايو 2009)، حيث أعلنت أن رجل الأعمال يسعي, وينبغى أن يسعي, الى تحقيق أقصى ربح ممكن, لأن هذا ما يميز مشروع الأعمال عن العمل الخيري, ولأن تعظيم الربح يوفر حافز رجل الأعمال, المبادر والمنظم والمخاطر والمبتكر, ليكون فاعلا لا غنى عنه فى قيادة التنمية والتصنيع والتقدم. لكنه على رجل الأعمال أن يلتزم بواجبات مسئولياته المجتمعية, التى تعنى تحقيق ربحية المجتمع جنبا الى جنب مع الربح الخاص، ولا تعنى مناشدتهم فعل الخير للحفاظ على الاستقرار الاجتماعى والسياسي. وأضيف هنا أن علينا تذكر أن شعار ما أعظم الجشع Greed is Great كان راية طغمة الجشع المنفلت والفساد المنظم، التى فجرت الأزمة المالية الأمريكية والثورة الشعبية المصرية، وأن إخفاق الاقتصاد والسياسة يكون حين تترواج السلطة والثروة ويسيطر الايديولوجيون على مركز القرار الاقتصادى والسياسي، وأن إنجازات مصر تحت قيادة عبدالناصر فى مجال العدالة الاجتماعية قد تلازمت وتحققت بفضل إنجازات التصنيع والتنمية الشاملة. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم