سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع بمنتصف تعاملات السبت    غرامات رادعة.. النقل تفعل عقوبات استخدام حارة الأتوبيس الترددي على الدائري    البيت الأبيض: دونالد ترامب لا يعتزم التحدّث إلى إيلون ماسك    الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شبكة إيرانية لغسل الأموال    وزير العمل يهنئ فلسطين بعد اعتمادها "دولة مراقب" في منظمة العمل الدولية    محمد هاني عن لقاء إنتر ميامي: "نؤمن بقدرتنا على تحقيق نتيجة إيجابية"    مقتل شاب بطلق ناري غامض في قرية أبوحزام شمالي قنا    الخلاصة.. أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة    حفلة بدار الضيافة وملابس جديدة.. الداخلية تدخل الفرحة إلى قلوب الأيتام فى عيد الأضحى    أول تعليق من أسما شريف منير بعد زواجها: فهمت محتاجة إيه من الجواز    أول رد من إسماعيل الليثي على اتهامه بضرب زوجته وسرقة أموالها (فيديو)    الصحة: تكلفة علاج 1.4 مليون مصري على نفقة الدولة تتخطى 10 مليارات    الرعاية الصحية: 38 مستشفى و269 مركز طب أسرة جاهزة لخدمة المواطنين خلال عيد الأضحى    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    في ثاني أيام العيد.. مصرع شخص وإصابة آخر في انقلاب سيارة بأسيوط الجديدة    إبداعات متطوعي شباب كفر الشيخ في استقبال رواد مبادرة «العيد أحلى»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    بعد الرد الروسي الحاد.. ألمانيا تعيد تقييم موقفها تجاه الأسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    محافظ أسيوط يشارك احتفالات عيد الأضحى في نادي العاملين (صور)    في ثاني أيام العيد.. إصابة 4 أبناء عمومة خلال مشاجرة في سوهاج    القبض على المتهم بقتل والدته وإصابة والده وشقيقته بالشرقية    أسعار البيض والفراخ اليوم السبت 7 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    مجانًا خلال العيد.. 13 مجزرًا حكوميًا بأسوان تواصل ذبح الأضاحي    إيرادات ضخمة ل فيلم «ريستارت» في أول أيام عيد الأضحى (تفاصيل)    أواخر يونيو الجاري.. شيرين تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين بالمغرب    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    الصحة تنظم المؤتمر الدولي «Cairo Valves 2025» بأكاديمية قلب مبرة مصر القديمة    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    ريابكوف: ميرتس يحاول إقناع ترامب بإعادة واشنطن إلى مسار التصعيد في أوكرانيا    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    زيزو: جيرارد تحدث معي للانضمام للاتفاق.. ومجلس الزمالك لم يقابل مفوض النادي    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصنيع مصر فريضة غائبة عن ثورة‏25‏ يناير

لا بديل عن تصنيع مصر‏;‏ إن أراد المصريون نيل ما يستحقون من حرية وكرامة وعدالة‏.‏ وإذا استعرت شعار كلينتون للتعبير عن أهم مهام ثورة‏25‏ يناير لا أملك إلا أن أقول‏:'‏ إنه التصنيع أيها الغبي‏'!‏ وقد تبدو دعوتي إلي التصنيع خروجا علي سياق السجال الدائر حول أسبقية الدستور أم الانتخابات‏. وقد قلت رأيي بضرورة وإمكانية تحقيق وفاق وطني في هذه القضية; من أجل تركيز الجهد علي استشراف سبل تحقيق غيرها من الغايات الإستراتيجية للأمة. وأقول باستقامة أن عدم إدراك حتمية تصنيع مصر- وهو بالمناسبة مهمة توحد ولا تفرق- يهدد وعد الثورة ببناء مصر الجديدة التي نتطلع إليها جميعا; ببساطة لأن وعي الحاضر يحدد صورة المستقبل!
واستمرار التصنيع فريضة غائبة عن رؤي وبرامج القوي السياسية المصرية بعد الثورة, ليس سوي تكريس للأوضاع التي أدت الي الثورة! وباختصار, فإن تراجع مكانة ودور مصر ليس سوي محصلة لضعف قواها الشاملة; لأن مكانة الأمة ودورها يتوقف علي قوتها النسبية الشاملة, خاصة قدراتها الصناعية التكنولوجية. ولنتذكر أن التخلي عن مهمة التصنيع كان أساس تهميش الذات, وقاد إلي استبعاد مصر من مجموعة العشرين, التي تضم بلدانا سبقتها مصر الرائدة طوال تاريخها القديم والوسيط والحديث. ومن المشين حقا, أن يد مصر صارت السفلي بعد أن كانت العليا, تتلقي العون بدلا من أن تقدمه, منذ جري التخلي عن التصنيع, واعتمد نموها علي موارد ريعية خارجية متقلبة وتضاعف ثروة القلة المضاربة بالعقارات!
وإهدار الكرامة الإنسانية للمصريين ليس بدوره سوي حصاد للفقر, المطلق والنسبي. أقصد فقر الدخل الذي يؤدي إلي الحرمان من القدرة علي إشباع الحاجات الإنسانية الأساسية من مأكل وملبس ومسكن, وفقر القدرة المتولد عن الحرمان من فرص التعليم الجيد والرعاية الصحية اللائقة. وأقصد الفقر النسبي, المتولد عن الإحساس بالفقر رغم زيادة الدخل, وذلك جراء العجز عن تحقيق التطلعات الي نوعية حياة أفضل, يراها المصريون أمام ناظريهم مع اتساع الفجوة وغياب العدالة في توزيع الثروة داخل الوطن, وحين تدفعهم الحاجة وغياب فرص الترقي الاجتماعي إلي الاغتراب بالهجرة المؤقتة أو الدائمة الي البلدان الغنية. وبدون التصنيع, فلا سبيل الي تنمية وطنية مستدامة; تضاعف الثروة الوطنية والدخل الفردي بدون حدود, ولا تجعل عدالة توزيع الدخل مجرد اشتراكية تتقاسم الفقر!
وقد كتبت في مقال حتمية تصنيع مصر, المنشور بجريدة الأهرام في29 يونيو2008, أقول: أن مصر لن تصبح دولة متقدمة بمجرد تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي; حتي وإن استدام هذا النمو ربع قرن من الزمان! وإنما يتحقق تقدم مصر فقط بتحولها إلي دولة صناعية. باختصار, لأن التقدم منذ فجر الثورة الصناعية وحتي عصر العولمة الاقتصادية لم يتحقق في أي مكان بغير التصنيع; رافعة النمو المتواصل للإنتاجية والتصدير والتشغيل! ولهذا فإن الدول الصناعية هي التي تصنف- دون غيرها- باعتبارها الدول المتقدمة, بل وتعد الدول الصناعية- الجديدة والصاعدة- أكثر تقدما بالمقارنة مع الدول الغنية المصدرة للبترول, مهما تفوق معدل نمو وتضاعف الناتج القومي وارتفع دخل الفرد في الأخيرة!
لكن منظري' السوق الحرة' من حواري التوريث لم يدخروا وسعا في ترويج وتحسين النظريات المعادية والمناوئة للتصنيع أو المشككة في جدواه وفي نتائجه العملية. ولنتذكر أن برنامج الحزب الوطني الديموقراطي, قد تجنب التعامل مع مفهوم التصنيع. ولمن يروج لأن مصر تملك عوامل النجاح في السياحة مثلا دون الصناعة, قلت: إن عوامل النجاح واحدة, سواء تعلق الأمر بالتصنيع أو بأي مجال من مجالات التنمية الاقتصادية. ويتوقف حسم خيار التصنيع- بداية- علي أن التحرر من أسر النظريات التي شككت في إمكانية تصنيع مصر, وروجت لأن مصر عاجزة عن خوض' ماراثون' التصنيع!
ويري كل ذي عينين أن الدول الصناعية المتقدمة هي التي تتمتع بالقوة الاقتصادية والشاملة, التي مكنتها من إدارة شئون العالم في اتجاهات تتوافق مع مصالحها وقيمها. والدول الصناعية الجديدة والصاعدة هي التي تمكنت دون غيرها من أن تفرض نفسها شريكا مؤثرا في إدارة العولمة! وبفضل التصنيع بمفهومه الواسع; أي بفضل تطوير وتعميق وارتقاء الصناعة التحويلية, ونشر ثمار التحديث الصناعي التكنولوجي في بقية قطاعات الاقتصاد, لا تعد الدول الصناعية هي المصدر الأهم فقط للسلع المصنعة, وبالذات منتجاتها ومكوناتها ذات المحتوي المعرفي الأرقي والقيمة المضافة الأعلي, بل صارت المصدر الرئيسي أيضا للمعرفة والتكنولوجيا والخدمات والغذاء!
ولا جدال في أن قدرات مصر الكامنة تسمح لها بانجاز التصنيع وبلوغ ما تستحقه: أن تصبح دولة صناعية متقدمة! ولكن بدون إستراتيجية للتصنيع; أي تبني سياسات اقتصادية وصناعية تضمن أسبقية تنمية وتعميق وتنويع الصناعة التحويلية, لن تعزز مصر أمنها القومي بتملك القدرة الصناعية والتكنولوجية, ومن ثم القوة الاقتصادية والشاملة, اللازمة لحماية مصالحها وقيمها وتعزيز مكانتها ودورها. ولن يتمتع المصريون بأمنهم الإنساني, فيتحرروا من الحاجة والفاقة والخوف من المستقبل, إلا بفضل ما تتيحه عملية التصنيع من وظائف غير محدودة ومرتفعة الإنتاجية, تؤمن لهم عملا لائقا, ودخلا مرتفعا, وحياة كريمة مديدة بصحة جيدة. ولن يتحقق تقدم مصر بجسارة وثبات علي طريق التصنيع بغير أن تثق- قيادة ونخبة وأمة- في قدرتها علي أن تصبح دولة صناعية, وأن تدرك أن إنجازات محاولاتها للتصنيع علي مدي القرنين الماضيين, رغم ما تعرضت له من إخفاقات, تؤكد ولا تنفي هذه القدرة.
وتتأكد حتمية إعادة الاعتبار للمشروع الوطني بتصنيع مصر إذا سلمنا بحقائق قيود المياه والأرض علي فرص التنمية الزراعية الأفقية, واستحالة رفع إنتاجية الزراعة المصرية بغير إنتاج ونشر مدخلات التقدم الصناعي التكنولوجي. وإذا أدركنا حدود ومخاطر الاعتماد علي مصادر الدخل الريعية المتقلبة مثل العوائد البترولية أو إيراد قناة السويس أو الدخل السياحي أو تحويلات المهاجرين...إلخ. وأخيرا إذا إنطلقنا من بديهية أن تعظيم القيمة المضافة من الثروة البترولية مرهون بتطوير الصناعات البتروكيماوية في حلقاتها الأرقي, وأن مضاعفة القيمة المضافة للسياحة تتوقف علي ما يتيحه التصنيع من إنتاج محلي لمستلزماتها من المدخلات المصنعة...إلخ.!
وإذا أردنا لمصر مكانة مرموقة وللمصريين حياة لائقة, فلابد أن تكون قضايا حفز وتوفير عناصر تصنيع مصر محورا رئيسيا للحوار الوطني, خاصة أن هذه القضية المشتركة تمثل أحد أهم مجالات الإجماع القومي. لكن تصنيع مصر لا يعني مجرد التنمية الصناعية والنمو الصناعي, وإنما يعني تحول الاقتصاد المصري تحولا نوعيا من حال إلي حال, تصبح فيه مصر عضوا في النادي المرموق للبلدان الصناعية المتقدمة. وبهذا المعني, لا يزال تصنيع مصر مهمة غائبة عن جدول أعمال الأمة بعد ثورة25 يناير; رغم أنه ينبغي أن يكون المشروع القومي للثورة بلا منازع. وللحديث بقية.
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.