ثلاثة أسباب ربما كانت كافية لقراءة هذا الكتاب بإمعان ! أولها أن مؤّلفه هو حلمي شعراوي المتخصص في شئون افريقيا علما وعملا، و الذي شهد العصر الذهبي لمصر في القارة السمراء إبّان الستينيات، السبب الثاني أنه دراسة رغم فصولها المتفرّقة - تتناول الثورات العربية التي ملأت الدنيا، وشغلت الناس، والتي يراها قوم مؤامرة لتفتيت الدول العربية، ويعتبرها آخرون ملحمة يكتبها الشباب بدمائهم من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية .ثالثها أنه عن أفريقيا القارة السمراء التي أصبحت ملء السمع والبصر، بعد أن نسيناها أو تناسيناها سنين عددا . عبر ستة عشر فصلا يأتي كتاب الثورات العربية وافريقيا الذي يمثّل تجربة المؤّلف الحية، وحواراته حول الثورات العربية الحديثة بين 1952 2013 فى مدى تفاعلها مع الفضاء الافريقي أو تفاعله معها . برأي شعراوي فإن صورة الربيع العربي قد تشوّهت في القارة الافريقية إلى حد كبير ، خاصة أمام صورة الافريقيين في ليبيا عند تحول عمالة غير منظمة أو مهاجرين متسللين إلى عنصر فاعل على جانبي الصراع، مع ترجيح دور الأفارقة إلى جانب حكم العقيد المنبوذ دوليا، مما أدى حسب شعراوي إلى تواري صورة الثورة الباهرة في تونس ومصر ، نتيجة رعونة النظام الليبي، معتبرا أن التحليل المبكر من قبل بعض المفكرين الأفارقة عن أثر اشتعال الثورات العربية اصطدم بالانتفاضة الليبية بشكلها المفاجئ لتثير كثيرا من التساؤلات الجديدة المؤلمة . وأشار شعراوي إلى أن هناك أساليب ظاهرة لعزل مصر وتونس عن افريقيا، وأساليب مواتية لتجديد القوى الرأسمالية الكبرى لمشاريعها الشرق أوسطية، وإعادة بناء طرح «الفوضى الخلاقة» التي تبقي على الصراعات المحلية والإقليمية في الدائرة العربية والافريقية على السواء( صوملة ليبيا والسودان ... إلخ ) . وتساءل شعراوي:إلى أي حد يمضي المشهد الافريقي في طريق التواصل مع جناح استقلالي عربي بقبول مريح لمشاهد الربيع العربي؟وأجاب بأن ذلك يستدعي معالجات مختلفة لمشاكل دارفور والصومال ومياه النيل والأموال الليبية والتسهيلات العسكرية والأمنية وجماعية التصويت لمصلحة مشروع دولة فلسطين أو أي مشروع وطني في الأممالمتحدة، وفوق هذا وذاك إحياء روح التعاون العربي الافريقي . وبرأي حلمي شعراوي فإن «العروبة» و «الافريقية» ما زال أمامهما فرصة للالتقاء، بشرط تخفيف المخاوف الافريقية من فزاعة «الإسلاموية العربية»، وعبر اقتراب حقيقي من قبل الوطنيين العرب والأفارقة ، مشيرا إلى أن الاقتراب من المواقف الإفريقية وتوقعاتها في هذه الفترة من «الثورات العربية» في الشمال الافريقي قد يعطي مزيدا من الأمل في طريق الالتقاء العضوي بين المنطقتين. ذهب شعراوي إلى أن الثقافة السياسية في مصر ارتبطت بثقافة التحرر الوطني، بسبب وقفات مصر المبكرة مع الشعب الفلسطيني في الأربعينيات، وبسبب دعمها للحركة الوطنية في السودان، ودعمها الإعلامي لثورة «ماو ماو» في كينيا منذ أوائل الخمسينيات، ووقفتها الحاسمة مع الثورة الجزائرية منذ منتصف الخمسينيات ، كجزء من دعم التحرر من الاستعمار الفرنسي في أنحاء المغرب ( الشمال العربي الأفريقي) .وأشار د. حلمي إلى دعم مصر لحركات التحرر الأفريقي في الفصل الذي حمل عنوان «الثوات الشعبية في مواجهة الاستبداد» يطرح شعراوي عددا من الأسئلة المحورية ، منها :ما طبيعة الأسئلة الكبرى التي طرحتها انتفاضات أو ثورات الربيع العربي أمام شعوبها ، وعلى المناطق المحيطة ، خاصة في إفريقيا ؟ وهل كانت الانتفاضات ثمرة احتشادات عفوية لحركة الجماهير الساخطة أم منتجا تراكميا لحركات اجتماعية ، وتحركات احتجاجية لفترات سابقة؟ وما مدى تفكيك أو تواصل آليات النظم التسلطية التي واجهتها هذه الانتفاضات ؟ وما طبيعة القوى الجديدة وإجراءات الحكم الجديد الذي تشكّل عقب الثورة ، ومدى نجاعتها في تحقيق شرعية الثورة ؟ وهل كان خروج الملايين للانتفاضة مفاجئا أو مجرد رد فعل عاطفي لمقتل «خالد سعيد» من قبل الشرطة المصرية أو احتراق محمد البو عزيزي بسبب اهانات شرطية في تونس؟ويجيب شعراوي عن السؤال الأخير معتبرا أن المثال المصري يقدم إجابة أكثر وضوحا عن دور الحركات الاجتماعية والاحتجاجات الجماهيرية لسنوات . في الفصل الثاني عشر يؤكد شعراوي أن تحول الظاهرة العربية في الشمال الافريقي إلى مجال تأمل حول المشترك بين العربي والافريقي يمثل لحظة تاريخية سيتذكّرها العرب حين يجدون أن عناصر العولمة التي يركنون إليها الآن ،قد تحولت في وقت ما إلى عوالم مختلفة قد لا يكونون في أحضانها ساعتئذ ، ومن ثم يصبحون في حاجة إلى شبيههم القديم إفريقيا تارة وفي آسيا تارة أخرى ، بل قد تكون مرحلة لعولمة جنوبية شاملة يحتاج فيها العرب إلى التشابك مع هذه القوى ، فلا يجدون إلا الحليف الافريقي ليضمنوا بقاءهم بحسب تعبير شعراوي. وبعد. .فهذه إشارة موجزة لكتاب «الثورات العربية وافريقيا» لم تحط بكل ما فيه من أفكار، ولكن حسبها أن تكون إشارة إلى حتمية العودة لأحضان القارة السمراء اليوم قبل الغد، وعندئذ سنكون نحن الرابحين . الكتاب : الثورات العربية وإفريقيا المؤلف : حلمى شعراوى الناشر : مكتبة جزيرة الورد عدد الصفحات:314 صفحة