لن تكون الصوفية بتجلياتها المختلفة شعراً ونثراً ونغماً وغيرها من مناحي الإبداع عارضاً يظهر ويختفي، إنما هي تعبير شفيف عن جانب مهم من جوانب النفس البشرية في سعيها للاتصال بالخالق والتقرب إليه والتفاني في إرضائه للوصول إلى محبته، ولهذا ظل إبداع آهلها حاضراً يشفي الأرواح ويسقيها سلاماً. للتعزف على الصوفية، يحض د.عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة على قراءة كتاب التصوف الثورة الروحية فى الإسلام للدكتور آبو العلا عفيفي، الذي خروج إلى النور قبل خمسين عاماً، ولكنه من اهم المراجع عن الصوفية لما يحتويه من تعريف لها من حيث نشأتها منذ اكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان، ويعد مدخلاً عن الصوفية كما كتب عنها الجنيد والغزالى وابن عربى باعتبارها التصوف القائم على علوم الدين وليس المنفصل عنها، ولا عجب ان الحلاج كان يغتسل ويتطيب لكل فرض ويصلى الف ركعة كل يوم تقربا لله. وتكمن آهمية الكتاب فى تقديمه لعدد من الحقائق عن التصوف، الذي تمازج مع سمات كل بلد وعادات اهله، وفي تجلياته مع الموسيقى والآداء الحركي. ويؤكد د.محمد السيد اسماعيل استاذ النقد الأدبى أن حياة بعض رجال الصوفية ونصوصهم كانت مصدراً لكثير من الأعمال الأدبية وخاصة الشعر الحديث الذي نهل من منابع التصوف الأولى متمثلة فى كتابات الحلاج والنفرى والسهروردى، ويستطرد: "هناك كتاب المواقف والمخططات للنفرى الذي يحوى نصوصا تخترق كثيرا من المجازات الأدبية المعاصرة فى تعدد دلالاتها. وقد تأثر صلاح عبد الصبور بالحلاج واستدعاها فى اولى مسرحياته، وكذلك فعل الشاعر محمد فريد ابو سعدة وهو احد شعراء السبعينات عندما كتب مسرحيته ليلة السهروردى الأخيرة، وغيرهم. كما تحفل الرواية المعاصرة بتجليات الأثر الصوفي عليها كما هو الحال في كتاب التجليات وغيره لجمال الغيطانى، التى تقترب لغتها من النصوص الصوفية، وهناك رواية شجرة العابد للباحث د.عمار على حسن، ثم تأتى الرواية الرائعة قواعد العشق الأربعون، للكاتبة التركية إليف شافاق والتى تدور احداثها حول شخصية جلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى وتترصع صفحاتها بنصوصهم الصوفية، مما يؤكد انه بالرغم من كل الانتقادات التى وجهت للصوفية إلا آنها عاشت وبقوة وأثرت فى آجيال لا تزال تبحث فيها وفى حياه آقطابها . أما على المستوى العربى، تبدو اللمحة الصوفية واضحة عند السوري الراحل سعد الله ونوس فى رائعته المسرحية طقوس الأشارات والتحولات، وكذلك في أعمال الليبي إبراهيم الكونى مثل البئر والمجوس، وعند أدباء المغرب العربى في أعمال بن سالم حميش فى روايتيه العلامة ومجنون الحب، المستوحاة من تاريخ ابن خلدون والتتار ولمحات من الحياة الصوفية وقتئذ، وهناك ايضا التونسى محمد الأشعرى وروايته جنوب الروح، ومحمد السرغينى وروايته وجدتك فى هذا الأرخبيل، ومحمود السعدنى وروايته حدثنا ابو هريرة وقال، والميلودى شمغوم وروايته مسالك الزيتون". ويؤكد د.عمار على حسن أستاذ علم الأجتماع السياسى وصاحب رواية شجرة العابد الحاصلة على جائزة اتحاد الكتاب لهذا العام: "نحن الأن فى مسيس الحاجة للتصوف لأن الدين قد آزيح عن دوره الحقيقى فى السمو الروحى بالأنسان وطغت الحياة المادية على كل شىء وتحول الدين إلى آفعال مجردة لا تمس الروح ولهذا اذا اعتبرنا ان الحركة الصوفية هى ثورة فنحن بالفعل نحتاج لها فى اعادة قراءة القرآن وفهمه بشكل جديد كأن تجمع الأيات التى تحدثت عن موضوع ما، لنقرآ ونفهم اجمالى الموضوع، وذلك بسبب وصول بعض المتحدثين عن الأسلام والذين ينتقون ايات بعينها ويوظفونها لخدمة اغراضهم، ونحن فى حاجة للتصوف الذى يقوم على السمو الأخلاقى وابراز حق البشر فى التفكير السليم وعدم الغاء العقل. اما بالنسبة للأدب فاذا نظرنا فى النقد الأدبى مثلا نجد النقاد قد تحدثوا عن نصوص الصوفية على انها نصوص معجزة كالحكم العطائية لابن عطاء الله، او حكم الجنيد، ونصوص الرومى التي أقبل الغرب عليها لاهتمامها بمخاطبة الروح والوجدان عبر لغة التصوف والزهد والرضا التي تعلو على الماديات، وهي لغة موحدة تعلو على الخلافات التى كثيراً ما تفرق أبناء الدين الواحد".