لن يجد المصريون أمامهم بعد أن أغلقت اللجنة العليا للانتخابات باب الترشح لمنصب الرئاسة سوى خيارين: المشير عبد الفتاح السيسى والأستاذ حمدين صباحي. والترتيب هنا بحسب أسبقية تقدم المرشحين بأوراقهما إلى اللجنة. لكنه سيكون أيضاً الترتيب الذى ستعلن بموجبه اللجنة نتائج الانتخابات. سيأتى السيسى أولاً وصباحى ثانياً. وما لم تحدث مفاجأة سيكون الفارق بينهما كبيراً. وليس فى ذلك رجم بالغيب. فالأمر واضح وضوح الشمس إلى حد يجعل استطلاعات الرأى التى جرت والتى قد تجرى بلا قيمة تذكر، اللهم إلا تدريب شباب الباحثين على مهارات البحوث المسحية. سيفوز السيسى ويخسر حمدين. أما لماذا فسؤال أرجئه إلى مقال آخر. أما هذا المقال والمقال الذى يليه بإذن الله فيتناولان وضع الرجلين بعد الانتخابات وما ينتظر أن يفعله الأول بعد أن يفوز والثانى بعد أن يخسر. لكنى أريد أن أبدأ بمن سيخسر وليس بمن سيفوز، لأن دوره الأكثر صعوبة سيبدأ بعد الخسارة ولا يجب أن ينتهى معها أو بسببها. الأستاذ حمدين صباحى الآن هو صاحب ثانى أكثر الأسماء شعبية بين الناس. وسيظل كذلك إلى أن تنتهى الجولة الانتخابية التى أتاحت له فرصة جديدة وجيدة لتقديم نفسه للمصريين. وقد أثبت من قبل عندما خاض انتخابات 2012 أنه مقاتل نزيه وسياسى ماهر لم يكن كثيرون يتوقعون أن يكون هو الحصان الأسود فيها. ولولا نسبة ضئيلة بينه وبين شفيق لكان قد خاض جولة الإعادة أمام مرسى ولربما كان وضع مصر السياسى خلال العام الماضى قد كتب بطريقة مختلفة. لكنه الآن أمام واقع مختلف. فأكثر التقديرات تحفظاً تذهب إلى أن السيسى سيفوز بنسبة 71% من الأصوات. وهو ما يعنى أن حمدين لن يبقى بعد أسابيع قليلة ثانى اسم يتابعه الإعلام والناس. فالمشير السيسى سيأتى بالرجل الثانى بنفسه ليكون نائباً له أو مساعداً، أو هكذا يفترض أن يفعل بسرعة حتى لا يُذكّر المصريين بمبارك الذى ترك منصب الرجل الثانى شاغلاً لثلاثين سنة كاملة. ويتعشم بعض المتفائلين المؤملين فى تعاون رموز السياسة فى بلدنا أن ينضم حمدين إلى فريق العمل الكبير الذى سيشكله السيسى لإنقاذ مصر على أن يوضع فى المنزلة اللائقة به. وتلك أمنية ليست فى محلها. فلا السيسى سيختار حمدين ليكون الرجل الثانى ولا حمدين سيقبل لو عرض عليه السيسي. فبين الرجلين فروق عديدة وطموحات مختلفة وتصورات متباينة تحول دون انضمامهما لفريق عمل واحد بعد تنافسهما ضد بعضهما فى الانتخابات. لهذا فإن دور حمدين بعد الانتخابات سيحدده بنفسه. لكنه لا يجب أن يكون ثانوياً. فلا ينتظر من سياسى وطنى مثله أن يبتعد أو يترجل بعيداً عن المشهد بل يجب أن يتعامل وتتعامل معه الدولة والناس على أنه قادر على الإضافة بإيجابية للتطور السياسى فى هذا البلد. بمعنى واضح، لا يصح ولا يجوز لأجهزة الدولة العتيدة أن تتعامل مع حمدين بعد الانتخابات كما تعاملت مع أيمن نور بعد انتخابات 2005 حينما خاضها ضد مبارك. فالسيسى ليس مبارك، وصباحى ليس أيمن نور، فضلاً عن أن مصر 2014 ليست مصر 2005. الأمور تغيرت. ومثلما أن مصر تحتاج إلى رئيس بارع ينتشلها من تركة مبارك الثقيلة تحتاج أيضاً إلى معارض وطنى صلد يرسخ تقاليد عمل سياسى مختلفة. وحمدين هو ذلك المعارض الوطنى الصلب. لم تبعده خسارة الانتخابات السابقة عن خوض التجربة من جديد. وهذا يحسب له. ولم يتردد بعد أن رأى آخرين يترددون فى خوضها أمام السيسى رافضاً ترك فراغ يملئه رجل واحد. البعض توقع ألا يقدم أوراق ترشحه أو أن يسحبها، بل وما زال هناك من يتمنى أن ينسحب حتى يحرج السيسي. لكن لحمدين حسابات مختلفة. فهو يعى أن مصر ما زالت تعيش زخماً سياسياً واجتماعياً تولد من ثورتين، وأنه جزء أصيل من هاتين الثورتين وأن مصريين عديدين بالذات بين الشباب يعتبرونه رمزاً مهماً يعبر عن طموحاتهم. باختصار، حمدين ليس من السياسيين الذين يمكن أن يبعدهم الأثر النفسى لخسارة انتخابات عن الساحة بل قد يدفعه إلى المحاولة بطرق أخري. وهو أمر لن يرضى أبواق المنافقين وشلل المنتفعين التى بدأت وستواصل بعد الانتخابات حملات النهش الرخيصة ضد الرجل. يستطيع حمدين بعد الانتخابات أن يقدم الكثير. أشير فقط من بينه إلى أربعة أمور. أولها العمل البرلمانى والمشاركة فى بناء مؤسسة تشريعية جديدة مستقلة عن السلطة التنفيذية غير تابعة لأحد إلا لإرادة الشعب. ومثلما أثبت مرتين أنه جدير بالمنافسة على الرئاسة، عليه أن يثبت أنه قادر على بناء حركة سياسية قوية تخوض وتنجح فى الانتخابات التشريعية القادمة. الأمر الثانى يتعلق بمستقبل حملته الانتخابية. ففيها رجال أكفاء وكوادر محترمة يجب أن تفتح الدولة أذانها لبعضهم وأن تستعين بهم لأنهم يفكرون لمصر ولا يعملون فقط من أجل حمدين. وحمدين لن يمانع فى ذلك لأنه من السياسيين الوطنيين الذين يضعون الدولة فوق الفرد. والأمر الثالث ما يتضمنه برنامجه الانتخابى من اقتراحات قيمة تخص قضايا العدالة الاجتماعية والحريات وتشغيل الاقتصاد. فلا يهم أن يأتى هو بنفسه لينفذها لكن يحسن أن ينفتح عليها ويتبنى بعضها من ستنعقد فى يده سلطة التنفيذ. والأمر الرابع هو الحفاظ على رمزية الثورة. نعم رمزية الثورة التى يطعن فيها جهاراً نهاراً عيارون وعيابون بتشجيع من قوى قديمة لا تخجل من نفسها وهى تقتات على حساب فقراء مصر وشبابها وشهدائها. ولأن حمدين يعرف أن الثورة يجب أن تستقر لتنهض الدولة، فالمنتظر منه أن يكون أول المهنئين للسيسى بفوزه المتوقع بالرئاسة. وأن يبقى فى الوقت نفسه فاعلاً على الساحة ليُذكّر الدولة بأن للثورة رموزاً تدافع عنها إلى أن تخلص الدولة لمطالبها وتنتصر لقضاياها. لمزيد من مقالات أبراهيم عرفات