لم يكن يوم السبت 8 فبراير 2014 يوما عاديا، ففى هذا اليوم ومن على منصة القاعة الرئيسية بمعهد إعداد القادة بالعجوزة، والتى كانت تشهد تكريماً لذكرى أحد شهداء الثورة المصرية أعلن السيد / حمدين صباحى عزمه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية المقبلة رابطا ذلك بموافقة مجلس أمناء التيار الشعبى (الجمعية العمومية للتيار)، وبذلك يكون «صباحي» المرشح السابق على منصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية 2012 هو أول المعلنين عن عزمهم الترشح فى الانتخابات الرئاسية 2014. وهو ما تحقق بعد ذلك بثمان وأربعين ساعة، حيث أعلن التيار الشعبى فى بيان صادر عنه يوم الثلاثاء 11 فبراير (الذكرى الثالثة لتخلى الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم)، أنه اتخذ قراره بترشيح «صباحي» للانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بعد مناقشة ذلك فى اجتماعه مساء أمس، موضحًا أن هذا القرار يأتى بناءً على رؤية التيار للمرحلة الراهنة التى تمر بها مصر، وسعيه الدائم لتحقيق أهداف الثورة واستكمال مسارها الذى بدأ فى 25 يناير وصولاً إلى 30 يونيو. وقال التيار إن مجلس أمناء التيار قرر رسميًا ترشيح «صباحي» لانتخابات الرئاسة 2014، وذلك بأغلبية 54 عضوًا وافقوا على القرار، مقابل 3 أعضاء عارضوا وعضو واحد كان مع تأجيل القرار، وذلك بالإضافة إلى موافقة 73% من المكاتب التنفيذية لوحدات التيار الشعبى بالمحافظات، وفق استطلاع الرأى الذى شمل كل المكاتب. وكلف مجلس أمناء التيار الشعبى «صباحي»، ومن يستعين به من قيادات التيار الشعبى وحزب الكرامة بسرعة إجراء لقاءات مع باقى الشركاء المنتمين لخط ثورة 25 يناير 30 يونيو من القوى السياسية والشبابية والحركات الاجتماعية والقيادات الوطنية، وذلك خلال مدى زمنى من أسبوع إلى 10 أيام، على أن يُعقد بعد انتهاء تلك المشاورات مؤتمر صحفى عالمى يعلن فيه «صباحي» ترشحه رسميا ويلقى خطابا للشعب المصرى العظيم يحدد فيه ملامح رؤيته وبرنامجه وميثاق الشرف الأخلاقى لحملته الانتخابية. ودعا التيار الشعبى كل أعضائه للانضمام فورا إلى الحملة الانتخابية الرسمية لحمدين صباحى فور بدء تشكيلها رسميا، ويؤكد أنه سيكون جزءا منها بكل إمكاناته وكل طاقته. وأكد البيان أن القرار النهائى للتيار الشعبى يأتى بعد سلسلة من المداولات فى مجلس الأمناء على مدى الشهور السابقة، خاصة فى آخر اجتماعين له، والتى شهدت اتجاها عاما يرجح قرار الترشح، وبعد الاطلاع على قرار الهيئة العليا لحزب الكرامة الذى قرر دعم «صباحي» فى القرار الذى يتخذه بشأن خوض انتخابات الرئاسة المقبلة، وبعد مراجعة البيان الذى سبق للتيار إصداره وإعلانه قبل الاستفتاء على الدستور والذى أعلن فيه دعمه ل «صباحي»، وبعد استعراض نتائج الحوارات التى جرت مؤخرا مع عدد من القوى السياسية والشبابية والشخصيات الوطنية والعامة، وفى ضوء المؤتمر الأخير للتيار الشعبى لإحياء ذكرى الشهداء، والذى عبر فيه شباب التيار الشعبى وشباب قوى شبابية وثورية متعددة عن إرادتهم الواضحة بضرورة ترشح صباحي، وكذلك بعد استعراض أهم ملامح كلمة «صباحي» للشباب فى أثناء هذا المؤتمر ورؤيته للمعركة الانتخابية المقبلة وضوابطها وبرنامجه فيها. وأضاف البيان ان التيار الشعبى المصرى إذ يعلن اليوم 11 فبراير 2014 قراره النهائى والرسمى بترشح «صباحي» لانتخابات الرئاسة المقبلة، فى نفس اليوم الذى تحل فيه الذكرى الثالثة لرحيل حسنى مبارك عن الحكم الذى كان رأس النظام الذى ثار ضده الشعب المصرى فى 25 يناير 2011، والذى مثل أول انتصارات الثورة العظيمة، فإن التيار الشعبى بذلك يواصل سعيه ونضاله من أجل تحقيق أهداف الثورة واستكمال مسارها، ببناء نظام وطنى ديمقراطى يقيم «دولة الثورة» الكفؤة الناجحة العادلة القوية المستقلة التى تحقق أحلام المصريين وشهدائهم فى وطن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني. والتيار الشعبى هو تجمع سياسى لشباب من القوى الثورية الفاعلة فى الشارع السياسى مدعوما بكوادر لديها العديد من الخبرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنتمى فى معظمها لقوى اليسار المصرى أسسه «صباحي» عقب ثورة يناير 2011، وتقوم الرؤية السياسية للتيار كما يعبر أعضاؤه فى الكثير من المقابلات واللقاءات، عن رفض هيمنة أو انفراد طرف بمستقبل الثورة، ويؤكد إيمانه بدور الدين والقيم الروحية مقدما فهما واعيا مستنيرا معتدلا للدين الذى يدعو للحرية والعدل والمساواة والتقدم والمحبة، ويرفض التمييز بين البشر على أساس المعتقد أو الجنس أو اللون، كما يرفض احتكار أى طرف الحديث باسم الدين. كما يؤمن بدور القوات المسلحة فى الدفاع عن الوطن واستقلال أراضيه، وحماية أمنه الوطنى والقومى، ويرفض أى إقحام للجيش فى الشئون السياسية والحزبية. والتيار الشعبى المصرى منذ تأسيسه يرى أن التقدم تصنعه نظرة متكاملة إلى مراحل التاريخ، للاستفادة من إنجازات ودروس ثوراتنا العظيمة فى تاريخنا الحديث، منذ ثورة القاهرة الكبرى، مرورا بوقفة أحمد عرابى طلبا للمساواة والحرية، وثورة 1919 التى نادت بالدستور والجلاء، وثورة 23 يوليو وقد حققت العدل الاجتماعى والاستقلال الوطنى وتطلعت إلى الوحدة العربية، وصولا إلى ثورة 25 يناير وأهدافها فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، كشعارات تمثل جوهر نظام جديد يحقق نهضة شاملة تضع مصر فى مكانها الطبيعى بين الدول المتقدمة فى المدى المنظور، وذلك عبر : 1 نظام سياسى ديمقراطى فى إطار دولة وطنية مدنية ديمقراطية حديثة، تجسد مبدأ السيادة للشعب وأنه مصدر كل السلطات؛ يقوم على دستور جديد يصون الحريات العامة، ويحقق الفصل بين السلطات، ويعيد بناء مؤسسات الدولة، ويحفظ استقلال القضاء وحرية الاعلام والصحافة والإبداع والتفكير والعقيدة، ويساوى بين المواطنين فى الحقوق والواجبات، ويقيم دولة القانون والمؤسسات. 2 عدالة اجتماعية تقوم على تحول اجتماعى جذرى، أساسه مشروع للتنمية الشاملة المستقلة، تضمن تكافؤ الفرص وكفاية الإنتاج وعدالة التوزيع، وتحافظ على الثروة الوطنية من التبديد والنهب، وتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين فى الغذاء والمسكن والرعاية الصحية والتعليم والعمل والأجر العادل والتأمين الشامل والبيئة النظيفة. 3 كرامة إنسانية يحميها استقلال وطنى يستعيد مكانة مصر ودورها القائد لأمتها العربية والرائد لقارتها الأفريقية، وتعود كما كانت منارة لعالمها الاسلامى، وتبنى كتلة دولية جديدة تتصدى للعولمة المتوحشة ومشروعات الهيمنة، وتدعم خيار المقاومة المشروعة ضد الاحتلال فى فلسطين والعراق وغيرهما، وتؤمن بالقيم الإنسانية النبيلة، وتنحاز لها فى بناء نظام دولى جديد. ما سبق، يعد مدخلاً مهماً لفهم العديد من الأمور، أولها، أن توقيت قرار «صباحي» بإعلان الترشح للرئاسة ووفقا لتحليل مضمون العديد من المقالات للمقربين منه، على ما يبدو أنه قد أجبر على اتخاذه بناء على ضغط شباب التيار الشعبى يوم لقاء معهد إعداد القادة. ف «صباحي» حتى هذا التوقيت كانت لديه الرغبة فى إعلان ترشحه ولكنه كان أكثر ميلا إلى التروى فى توقيت الإعلان، غير أن الثورية الفكرية القائمة على فكرة أن «الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها» التى يتمتع بها شباب التيار الشعبى كانت عاملا حاسما فى ذلك بعد الضغوط التى تعرض لها بصورة مباشرة وتحت هتافات «اعلن ... اعلن»، فلم يكن أمام «صباحي» سوى الاستجابة لضغوط شباب التيار بالإعلان المبدئى انتظاراً لقرار مجلس أمناء التيار. ثانيها، أن رغبة «صباحي» فى الترشح لثانى مرة لمنصب رئيس الجمهورية تنسجم تماماًمع التوجهات والنسق الفكرى له، كما أنها تنسجم مع الإطار والمبادئ التى تأسس عليها التيار الشعبي. ف «صباحي» لديه الرؤية الذاتية لنفسه بأنه صاحب نضال سياسى ممتد منذ حقبة السبعينيات وحتى الآن، أسهم من خلاله فى الوقوف أمام سياسات الرئيسين السادات ومبارك، مدافعا عن السيادة الوطنية والأمن القومى المصرى اللذين يراهما قد انتهكا بتوقيع السادات معاهدة «كامب ديفيد» للسلام مع إسرائيل، ومدافعا عن حقوق المصريين عمالا وفلاحين ومدنيين فى نضال ممتد منذ مظاهرات السبعينيات التى كادت تعصف بالسادات وامتدت طوال عهد مبارك واعتقاله العديد من المرات فى العهدين، وانتهاء بنزوله للميدان يوم 26 يناير 2011 وقيادته المظاهرات التى عصفت بنظام مبارك. وانطلاقاً من موقعه فى قيادة هذه المظاهرات التى تحولت لثورة عصفت بنظام مبارك، والتى يعتبرها التيار الشعبى أول انتصارات الثورة على النظام المستبد، والتى تأسس التيار لكى يستكمل خطوات انتصارها، يأتى الانسجام مع المبادئ الحركية للثورة وللتيار، وبصفة خاصة الشباب منهم، من حتمية وجود مرشح يعبر عن الشباب الثائر وعن الثورة التى ينبغى أن تستكمل خطواتها لتحقيق المطالب المتعلقة ب «العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». وهذه المبادئ الخاصة بالتيار لا تنسجم مع وجود حكم دينى يحاول أن يفرض رؤيته الأحادية على مجريات الأمور فى البلاد ولا يتبنى منهجاً وسطياً معتدلاً فى التعامل مع قوى المجتمع ومؤسساته المختلفة. من هنا كان للتيار موقف واضح من حكم جماعة الإخوان، وبرغم ما يؤخذ على تحالفات فى توقيت الانتخابات البرلمانية 2011 من رموز التيار وحزب الكرامة الذى هو أساس العمل السياسى ل «صباحي»، فإن رغبة الجماعة فى الانفراد بالحكم عقب وصول مرشحهم لمنصب الرئيس ورغبتهم فى السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة قد دفعت بشباب التيار ليكونوا عنصراً من ضمن عناصر كثيرة من المصريين أسهمت فى إنهاء حكم الجماعة. ومن جهة أخرى، ينسجم القرار مع رؤية التيار لدور القوات المسلحة فى الدفاع عن الوطن واستقلال أراضيه، وحماية أمنه الوطنى والقومى، ورفض أى إقحام للجيش فى الشئون السياسية والحزبية. ومن ثم، فقد ضغط شباب التيار الشعبى على «صباحي» لإعلان قراره فى خطوة استباقية ربما كان دافعهم فيها الرغبة فى الضغط على المشير / عبد الفتاح السيسى لإثنائه عن اتخاذ قراره بالترشح تحقيقاً لرؤيتهم السابقة عن دور القوات المسلحة، ومن جهة أخرى إعلان السبق والتعبير عن عدم الخوف من وجود السيسى كمرشح محتمل للرئاسة فى ظل ثقة شباب التيار فى فرص مرشحهم وحظوظه فى الفوز بمنصب الرئيس فى الانتخابات المقبلة. والواقع أن «صباحي» لم يخف سر انزعاجه فى العديد من اللقاءات مع مقربين منه نشروا ذلك فى العديد من المقالات، من تخوفه من شق الصف الوطنى لثورة 30 يونيو إذا ترشح وترشح السيسى أيضاً، وأنه يخشى على المؤسسة العسكرية الوطنية. من هنا، طرحت فى هذا التوقيت العديد من المقالات التى تحاول دعم هذه الفكرة، وأنه يمكن القبول بصيغة «حمدين السيسي» أو «عبد الفتاح صباحي»، فى إشارة لمحاولة إجبار السيسى على التغاضى عن توجه العديد من قطاعات المصريين للضغط على السيسى للقبول بالترشح للرئاسة وظهور مؤشرات تدل على قبوله بذلك، وأن يتقبل السيسى فكرة الوساطة التى تقوم على البقاء فى منصبه وأن يقبل ب «صباحي» رئيساً، ولعل ذلك ما عكسته تصريحات عديدة ل «صباحي» فيما بعد وحتى ما قبل إعلان السيسى نيته الترشح لمنصب الرئيس. غير أن ما يحسب ل «صباحي» تأكيده فى أكثر من مناسبة أولها يوم لقاء معهد إعداد القادة وفى العديد من اللقاءات الأخرى، أنه حال تردد شعار «يسقط حكم العسكر» فى أى من مؤتمراته فإنه سيعلن انسحابه فوراً من الانتخابات. ما بين إعلان «صباحي» قراره بالترشح وحتى الآن، خاض وشباب التيار الشعبى مواقف عديدة وصلت بهم إلى التهديد بالانسحاب من الانتخابات، لعل أبرزها موقفهم من قرار تحصين اللجنة العليا للانتخابات، ولكن شباب التيار ومعهم «صباحي» مصرون على استكمال المشوار للنهاية، واثقون فى قدرة مرشحهم على حسم الأمور لصالحه. ولكن من أين تأتى هذه الثقة فى قدرة مرشح التيار على الفوز؟. على ما يبدو أن «صباحي» وشباب التيار لا يعولون كثيراً الآن على فكرة الناصرية وأنه امتداد طبيعى للزعيم جمال عبد الناصر، خاصة بعد ظهور أبناء الزعيم فى أكثر من لقاء وإعلانهم عن دعمهم السيسي، ولعل أبرز هذا الظهور، كان يوم انعقاد مجلس أمناء التيار الشعبى الذى حضره مجموعة من أعضاء حركة «تمرد» التى كان لها الدور الفعال فى تحريك قطاعات كبيرة من الشعب المصرى للثورة على الإخوان يوم 30 يونيو وأبرزهم حسن شاهين ومحمد عبد العزيز، حيث عقدت حركة «تمرد» مؤتمراً موازياً حضره عبد الحكيم جمال عبد الناصر، وأعلنت فيه أن الحركة ليست مسئولة عن قرارات فردية لأعضائها بدعم مرشح بعينه للرئاسة، وأن قرار الحركة هو دعم ترشح السيسى للرئاسة. قد يكون «صباحي» قد خسر الدعم المباشر لأسرة عبد الناصر، وهو ما قد يؤثر عليه كثيراً. ولكن تبقى قيمة «صباحي» فى الأفكار التى يطرحها والتى تنسجم كثيراً مع أفكار عبد الناصر فى العزة والكرامة ووحدة القومية العربية والعدالة الاجتماعية، وهى الأفكار الرئيسية التى اشتمل عليها برنامجه الانتخابى فى الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة المصرية 2012، والتى نصت تحت شعار «واحد مننا» على ثلاثة محاور رئيسية : أولا : بناء نظام سياسى ديمقراطى. ثانيا : عدالة اجتماعية ونصيب عادل لكل مواطن فى ثروة الوطن. ثالثا : استقلال مصر الوطنى واستعادة دورها القومى والإقليمى ومكانتها الدولية. فبفضل شعار «واحد مننا» ومن خلال مفردات ولغة خطاب وطريقة إلقاء لقيت هوى فى وجدان المجتمع المصرى آنذاك قبل إجراء هذه الجولة الانتخابية، بدا «صباحي» فى أسبوعيها الأخيرين ك«حصان أسود» يعدو من الخلف إلى الأمام بصورة لم يتوقعها أحد. اجتذب ثقة قطاعات متزايدة من الفئات الأكثر فقراً، رأت فيما يطرح من رؤى وأفكار انحيازا لها، وقطاعات أخرى من الطبقة الوسطى قلقة على مستقبلها، وقطاعات واسعة من الشباب الذين يتخوفون كما يتخوف هو تماماً من عودة الدولة البوليسية والإجراءات القمعية. كان ظهور «صباحي» بهذا الشعار وشرحه لبرنامجه بمحاوره المختلفة بآلية خطابه الحماسية وتأييد قطاعات كبيرة من الشباب له عاملاً دافعاً له بقوة، كاد أن يفعلها «صباحي» لكنه حل ثالثاً بعد د. مرسى والفريق شفيق كما يوضحه الشكل رقم (1). كان يمكن ل «صباحي» آنذاك أن يتحول إلى بطل شعبى يحسم أى انتخابات مقبلة بسهولة شديدة، غير أن خطأ فى الحسابات دفعه للنزول إلى ميدان التحرير فى نفس يوم إعلان نتيجة هذه الجولة مباشرة، يبدو أنه أفقده قدراً ما من شعبيته، وهو ما أقره لاحقاً. ولكن الفارس لم يفقد الأمل، أعاد ترتيب البيت من الداخل، أعاد الحسابات مع شباب التيار الشعبي، وخاضوا معاً ومع الشعب المصرى ملحمة إسقاط الجماعة فى 30 يونيو. وظل «صباحي» فى وجهة نظر مؤيديه من الشباب الثورى الزعيم السياسى الأكثر قدرة على التعبير عن شرعية ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وأنه الأكثر قدرة دون غيره على التعبير عن مطالب الشباب فى تحقيق مطالب وحقوق المصريين. ولعل هذه القوى الشبابية الثورية هى الركيزة التى ستركن لها حملة «صباحي» الرئاسية، والتى على مايبدو أنها ستكون تحت نفس الشعار «واحد مننا» مع إضافة بعد آخر لها ألا وهو «الشارع لنا». فحملة «صباحي»، ستركز فى دعايتها على البرنامج الانتخابى الرسمى له، والذى لا يبدو أنه سيكون بعيداً كثيراً عن برنامجه فى الانتخابات الرئاسية الماضية، ولكنه سيتضمن بعداً آخر هو بعد ثورة 30 يونيو، وهى الثورة التى ستكون محكاً حقيقياً فى كيفية توصيفها فى البرنامج، ويبقى المؤكد أن يستمر برنامج «صباحي» فى مغازلة الطبقات الوسطى والدنيا فى المجتمع المصري، كما سيتوجه فى جانب كبير منه لمعالجة قضايا الأمن القومى المصرى وفى القلب منها مشكلة سد النهضة الاثيوبى وكيفية استعادة مكانة مصر الإقليمية والدولية، كما أنه ومن المؤكد أن يتطرق لقضايا محورية تتطلب معالجات جادة كقضايا الصحة والتعليم والإسكان، ويتبقى التأكيد أن برنامج «صباحي» سيكون معنياً كثيراً بالشباب وكيفية تحقيق أحلامهم وطمأنتهم على مستقبلهم فى ضمان عدم عودة الدولة البوليسية ووجود حلول لمشكلة البطالة ومستوى الدخل أهم إشكاليتين تشغلان ذهن الشباب فى هذا التوقيت. لا أذهب بعيداً فى التأكيد أن الشباب سيكونون محور البرنامج الانتخابى ل «صباحي»، ولم لا والشعارات المطروحة حتى الآن كعنوان للحملة تتضمن أنه منهم وأن الشارع لهم، فى إشارة واضحة إلى أن الشباب هم الأكثر وجودا والأكثر قدرة على التفاعل والحركة فى الأوساط الاجتماعية بتعدداتها المختلفة. وهو ما يدلنا عليه قدرة «صباحي» عندما خاض المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية على حسم نتائج ست محافظات كاملة لمصلحته، وذلك فى مواجهة مرشح تيار الإسلام السياسى (د. محمد مرسي) ومواجهة أحد المرشحين المدنيين الشرسين (الفريق / أحمد شفيق). فوفقاً للجدول الذى يوضح المحافظات الست التى حقق «صباحي» فيها الفوز ونتيجة هذه المحافظات فى جولة الإعادة، يمكننا استنتاج ما يلي: أن محافظة القاهرة، فى الجولة الأولى قد شهدت تنافساً قوياً بين حمدين وشفيق، حسمه حمدين بفارق 50 ألف صوت تقريباً، فيما حل مرسى ثالثاً بفارق 300 ألف صوت عنهما تقريباً. بينما فى جولة الإعادة تمكن شفيق من الفوز على مرسى بفارق 390 ألف صوت تقريباً، ولكن مع تضاعف عدد الأصوات تقريباً، وهنا يمكننا القول إن قطاعاً كبيرا من المصريين قد استشعر خطر فوز مرسى فاندفع لتأييد شفيق ويشتمل هذا القطاع على الداعمين السيد عمرو موسى، فيما أن أصوات مرسى قد تضاعفت بفعل أن قطاعاً من مؤيدى «صباحي» قد صوت لمرسى بالإضافة إلى الأصوات التى كانت تؤيد عبد المنعم أبو الفتوح. يتأكد الطرح السابق عندما ننظر إلى نتائج محافظاتالإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط، فهذه المحافظات حسمها حمدين فى الجولة الأولى، وفى الجولة الثانية أظهرت النتائج تفوقاً واضحاً لمرسى على حساب شفيق فيها. وهو ما يؤكد أن أنصار «صباحي» قد ذهبت أصواتهم لدعم مرسى كتصويت انتقامى نكاية فى شفيق مضافاً إليهم بالطبع الأصوات الخاصة بعبد المنعم أبو الفتوح. أما فى بورسعيد والبحر الأحمر، فرغم تفوق حمدين الواضح على منافسيه فى الجولة الأولى فإن محدودية الحجم التصويتى للمحافظتين لم يدعم كثيراً من حظوظ حمدين فى البقاء فى السباق الرئاسي. وفى جولة الإعادة، فاز شفيق باعتبار أن البحر الأحمر محافظة سياحية وربما استشعر أهلها الخطر ففضلوا التصويت لمرشح مدنى على حساب مرشح التيار الإسلامى وحسمت نتيجتها بفارق ضئيل من الأصوات. أما بورسعيد، ففوز شفيق أيضاً لم يكن بفارق مريح ولكنه ربما يرتبط بطبيعة مدينة بورسعيد. أياً ما كان الأمر، أن التصويت ل «صباحي» فى هذه المحافظات، يدل دلالة مباشرة على تأييد قطاعات من الشباب لحمدين وبعدد أصوات كبير يعكس قبولهم به كمرشح الثورة، وهذه المحافظات تشتمل تقريباً على 26.5% من حجم الكتلة التصويتية فى جمهورية مصر العربية. ومن ثم، تظل فرص وحظوظ حمدين كبيرة فى المنافسة على المقعد الرئاسى وذلك إذا ما استطاع الحفاظ على شعبيته تلك فى الأوساط الشبابية والاجتماعية المختلفة، إضافة إلى ما يمكن لحمدين أن يكتسبه من أصوات من تيار الإسلام السياسى التى قد تصوت ضد أى مرشح آخر يعادونه، فما بالنا لو كان السيسى فى بقية المحافظات، وتحديداً فى الإسكندرية والبحيرة والجيزة والمنيا والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج، بما يمكن أن يسهم كثيراً فى دعمه ودعم حملته فى الطريق التنافسى على مقعد الرئاسة.