كثيرة.. هى القواسم المشتركة بين المسيحية والإسلام.. فمن فضائل التعارف والتآلف والمودة والسلام.. إلى قيم التسامح والتناصح والإخاء والوئام.. ومن الإقبال على فعل الخير وحسن معاملة ومعاشرة الغير.. إلى الإحجام عن الأنانية والأثرة.. وسلوك دروب الشر.. ومن حب الأوطان وتجويد العمل والعطاء وإعتناق العدل والبر والإحسان.. إلى نبذ الشدة والغلظة ومقاومة البغى والعدوان. تلكم هى مجرد أمثلة من القيم والفضائل والأخلاق الحميدة.. وغيرها كثير من المثل العليا الراقية الرشيدة.. وأزعم أن ذروة سنام الفضائل والقيم التى تتقاسمها المسيحية والإسلام.. هما فضيلة الحب وقيمة السلام.. إليهما دعا ومن أجلهما جاهد السيد المسيح وأخوه محمد عليهما الصلاة والسلام.. فلقد بلغت فضيلة الحب قمة الشرف الذى لا يرام.. وإعتبرها السيد المسيح درة المجد فى جبين كل الأنام.. حين جعلها صفة سامية عليه للذات الإلهية.. فى عبارته الشريفة النورانية «الله محبة» ثم أطلق محبته لينالها الناس جميعا وعلى السواء.. الأخيار والأشرار.. العصاة والأسوياء.. لا يحرم منها أحد حتى الأعداء الألداء. تلكم هى المقولة التى جاوزت فى صفاتها وبهائها نجوم السماء: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم».. ثم أنه من قبل ذلك وجه أتباعه وحوارييه إلى أن ما يطلبه منهم هو الحب المطلق.. مجردا من المقابل والمعاملة بالمثل.. فى قوله البليغ المبهر: «إن أحببتم الذين يحبونكم فأى فضل لكم، فإن الخطاة أيضا يحبون الذين يحبونهم» ويستطرد عليه السلام قائلا: «وإذا أحسنتم للذين يحسنون إليكم فأى فضل لكم فإن الخطاة أيضا يفعلون هكذا». ثم جاء الإسلام.. ليثنى على السيد المسيح عليه السلام.. وليتمم ما دعا إليه من مكارم الأخلاق.. ذلكم قول أخيه نبى الإسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. ومن بعد الإنجيل جاء القرآن الكريم ليعظم فضيلة الحب المتبادل بين العبد وربه واعتبار أن سببه وعلامته وغايته هى طاعة رسول الله «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله» ولقد وردت كلمة «الحب» ومشتقاتها فى نحو ثمانين آية فى القرآن المجيد.. ثم إن الرسول الكريم قد أخرج من دائرة الإيمان.. من لا يحب ويرقى بمحبته لأخيه فى الإنسانية إلى درجة حبه لنفسه.. نعم.. يحب غيره تماما كما يحب نفسه.. ذلك ما سجله الحديث الشريف: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».. تلكم هى لمحات لأرقى وأسمى مراتب الحب الإنسانى التى توافقت عليها شريعتا السماء.. المسيحية والإسلام. أما قيمة السلام جوهر المسيحية والإسلام.. فهى لا تعنى السلام المقابل للصراع والحرب والصدام فحسب.. وإنما السلام مطلقا.. سلام المرء مع ربه.. مع نفسه.. مع أهله.. مع وطنه.. مع الناس أجمعين. ولقد كان السلام هو واسطة عقد الترنيمة الملائكية التى صاحبت مولد المسيح عليه السلام.. «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».. ثم جاء السيد المسيح داعيا إلى السلام.. مبشرا من يقيمون السلام.. بأعظم بشارة.. وهى انتسابهم إلى أعلى وأسمى مقام.. ذلك قوله: «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون».. ثم جاء الإسلام.. ليشتق اسمه من كلمة السلام.. بل وليكون الإسلام (لغة) هو اسم فعل السلام.. وليدعو الله تعالى المؤمنين جميعا أن يستظلوا بمظلة السلام.. »يا أيها الذين امنوا ادخلوا فى السلم كافة« وإن من لم يستجب لذلك فهو متبع خطوات الشيطان.. ثم وردت كلمة السلام ومشتقاتها فى نحو مائة وأربعين موضعا من القرآن الكريم.. ولقد بلغ السلام قمة سنام شرفه ورفعة مكانته وقدسيته بأن جعله الله تعالى اسما من أسمائه الحسنى وصفة من صفاته العلي.. فسبحانه هو: «الملك القدوس السلام» وفى حديث شريف بالغ الروعة والبلاغة والجلال.. جمع رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) بين فضيلة المحبة وقيمة السلام.. وجعل منهما معا علامة وآية وحصاد الإيمان.. بل وجعل من ثلاثتهم: الإيمان والحب والسلام.. تأشيرة دخول الجنة وبلوغ غاية المرام.. ذلك قوله: «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا.. أفلا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم. أفشوا السلام بينكم». وهكذا.. اتفقت شريعتا المسيحية والإسلام على إرساء وترسيخ قيمتى الحب والسلام.. عسى أن يجيد فهمها والالتزام بهما.. أتباع السيد المسيح وأخيه محمد عليهما الصلاة والسلام.. أما من لا يتفهم ذلك فهو من مرضى القلوب والأفهام.. علينا أن نصلى من أجلهم.. ليخلصهم الله من شر الأمراض والأسقام. لمزيد من مقالات المستشار عبدالعاطي الشافعي