أكتب إليك وأنا جالسة على الأريكة المواجهة لحجرة العناية المركزة فى المستشفى، حيث يرقد زوجى فى غيبوبة تامة منذ أكثر من شهر، وحكايتى معه طويلة فأنا سيدة فى سن السابعة والخمسين، وتربيت فى بيت جميل يملؤه الحب والتفاهم والتدين لأب يعمل بالتربية والتعليم، وقضى فترة كبيرة من حياته مديرا فى استاد القاهرة الرياضى، وأم ربة منزل متدينة ورائعة فى كل شىء. ولى أربع شقيقات وشقيق واحد وتخرجنا جميعا فى الجامعة، واستقل كل منا بحياته، وكونا أسرا ناجحة بفضل الله، ورحل والداى تاركين لنا المحبة والترابط والتعاطف وحب الناس، وقد تزوجت زواجا تقليديا، ولدى خمسة أبناء «ولدان وثلاث بنات»، وابنى الأكبر أستاذ بالجامعة، والثانية «مدرسة» والثالثة «مهندسة ديكور» والرابعة «محاسبة» وتعد رسالة الماجستير، أما الخامس والحمد لله فحاصل على بكالوريوس تربية رياضية، وقد تزوجوا جميعا ما عدا الأخير، وكونوا أسرا ناجحة، وصار لدىّ منهم ستة أحفاد أغلى من نور عينى، ويجمعنا لقاء الجمعة من كل أسبوع فى منزلنا بمحافظة بنى سويف، حيث أعد طعام الغداء وأطهو لهم أشهى المأكولات والحلويات، حيث إننى موظفة وربة بيت ممتازة بشهادة الجميع، ولا أتأخر أبدا عن خدمة من يطلب مساعدتى.. ولم يقطع عادتنا إلا ما حدث لزوجى فى اليوم الموعود بالحزن لنا، والذى فاجأنا بما لم نكن نتوقعه، فلقد خرج زوجى فى زيارة قصيرة لأهله، ووعدنى بأنه لن يتأخر،، ولكن طال غيابه، وفى التاسعة مساء دق جرس التليفون فإذا بخبر مشئوم بأن زوجى تعرض لحادث وتم نقله إلى المستشفى، فهرولت إلى جارتى، وطرقت بابها بشدة، فخرجت معى فى الحال وذهبنا إلى المستشفى، ووجدنا زوجى ملقى على «التروللى» وهو يصرخ، وأنا أصرخ مثله، ودخلنا فى دوامة التحاليل والأشعات، ومن مستشفى إلى آخر حتى فقد الوعى تماما، وتم ادخاله العناية المركزة فى مستشفى يعمل ابن اختى مديرا له.. وقد تم تشخيص حالته بأنه أصيب بنزيف فى المخ وكسر بالضلوع وتشوه فى الوجه، وكسر بالكتف.. ومنذ ذلك اليوم وأنا جالسة على الأريكة المواجهة للعناية المركزة، ولا أدرى ماذا ستكون نهاية هذا المشوار المؤلم من العلاج فهى فى علم الغيب. لقد انقلبت حياتنا رأسا على عقب، وأخذ أولادى إجازات من أعمالهم، ويتناوبون معى الجلوس على الأريكة ومتابعة حالة أبيهم، وهو كل حياتى ودنياى، تزوجته منذ خمسة وثلاثين عاما، وعشنا معا الحلوة والمرة، ولا أذكر مرة أنه «زعلنى»،، إذا حدث فإنه «يتأسف لى».. لقد عشنا حياة جميلة وربينا أولادنا على القيم والمبادئ الحميدة، وكان زوجى يعمل مديرا عاما بالضرائب وهو الآن على المعاش، وخدماته يقر بها كل من اقترب منه أو تعامل معه.. وأستعيد كل ذكرياتى معه منذ أن عرفته، وادعو الله أن يكتب له الشفاء، فليس لى فى الدنيا غيره، فأنا غائبة عن الدنيا، وليس فى خيالى ولا حياتى غير الحجرة التى يخضع فيها للعلاج.. وقد أردت برسالتى أن يشاركنى قراؤك الدعاء له عسى أن يفك كربه ويكتب له الشفاء.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول
ألا تدرين ياسيدتى أن العبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله، ولكن لم يكن له من العمل ما يبلغه إياها، فيبتليه الله بالمرض وبما يكره حتى يكون أهلا لتلك المنزلة ويصل إليها، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله فى جسده أو ماله أو ولده ثم صبرّه على ذلك حتى يبلغه المنزلة التى سبقت له من الله تعالى»..
فالابتلاء الذى تعرض له زوجك، قد يكون فيه نعمة له ولكم، وأنتم لاتدرون ولذلك عليك بالصبر، وهو يتحقق بثلاثة أمور هى حبس النفس عن الجذع والسخط، وحبس اللسان عن الشكوى للخلق، وحبس الجوارح عن فعل ما ينافى الصبر.
ومن أسباب الصبر، العلم بأن المرض مقدر من عند الله، «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون»، وقال تعالى أيضا «ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها».
أسأل الله تعالى أن يكتب له الشفاء وأن يعيده اليكم سليما معافى، إنه على كل شىء قدير.