ما يفعله رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب وووجوده فى الشارع ومواقع الأحداث كالمحلة الكبرى وأسوان يعد محاولة مستميتة لاستعادة فاعلية وهيبة الدولة والتى انتهكت، ولم تجد من يدفع عنها هذا الانتهاك على مدى السنوات الثلاث السابقة. نحن هنا نتحدث عن دور الحكومة وكلمتها ومدى احترام قراراتها، او مدى قدرتها على اتخاذ القرار والإصرار على تنفيذه، وقد أصبحت الحكومة ضعيفة امام هاجس الفوضى والاحتجاجات تماما مثلما كانت حكومات سابقة لا تحاول الاقتراب من الإصلاح خشية تكرار ما حدث فى يناير 1977 وفى تصورنا أن الحكومة ،وهى محاطة بظروف قاسية من كل الجوانب عليها ألا تستسلم بل على العكس فإن هذه الظروف القاسية هى أفضل مناخ يمكن فيه اتخاذ القرارات الصعبة مادامت فى مصلحة الوطن والمواطن. سوف نطرح هنا نموذجا واحدا وهو الكهرباء للدلالة على أن هيبة الدولة قد خفتت، وانه من الممكن اتخاذ القرارات المناسبة والحازمة لمواجهة المشاكل لقد أعلن وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، وهو رجل علم وعالم محترم، أن الصيف المقبل سوف يشهد انقطاع الكهرباء لمدة بين 4 و6 ساعات يوميا ورغم انزعاج الرأى العام بهذا الخبر إلا أنه قد سلم أمره إلى الله وسوف يتعامل المواطنون مع هذه الأزمة كل بطريقته، ورغم أن هذا الإعلان من جانب الوزير كان يمكن استخدامه لترشيد استخدام الكهرباء فإنه حدث تراجع عنه وصار حديثا جديدا عن أن مواجهة مشكلة الكهرباء تتطلب 800 مليون دولار ستوفرها الدولة، بينما كان ينبغى استغلال الأزمة لفرض هيبة الدولة. كان عليها القيام بإعلام سكان المناطق التى ستنقطع عنها الكهرباء بتوقيت انقطاع التيار وعودته وفقا لجداول احتراما للناس، وكان عليها أن تطرح للمجتمع حوارا حول مبلغ ال 800 مليون دولار، وعما إذا كان من الأفضل استخدامها فى معالجة انقطاع الكهرباء والإبقاء على المنظومة الحالية المختلة، أم إنشاء خدمات للناس كالتعليم والصحه والمواصلات العامة. كان على الحكومة انتهاز هذه الفرصة لتصحيح أوضاع استخدامات الكهرباء والتى يعتريها الكثير من الاختلال مثل إجبار كبار مستهلكى الكهرباء فى المنازل على تركيب عدادات من نوع جديد تسجل سعرا اعلى لاستهلاكهم وقت الذروة طالما يريدون التمتع بالكهرباء كوسيلة لتشغيل أجهزة التكييف المتعددة فى منازلهم. وما لايعلمه الكثيرون أن هناك ثلاث محطات كهرباء جاهزة ولكنها معطلة لأن خطوط الكهرباء تمر ببعض أراضى الفلاحين، وهم يرفضون ذلك ومن ثم كان على الدولة بما لها من سيادة ليس إجبارهم ونزع الملكية للمنفعة العامة ولكن تعويضهم تعويضا عادلا، ومن الأمور التى توضح سوء التخطيط فى بلدنا أن الدراسة التى أجريت لإنشاء هذه المحطات لم تأخذ فى اعتبارها مرور الخطوط بأراضى الفلاحين واحتمال معارضتهم لها وأنهم - أى - الذين خططوا لهذه المحطات سيطرت على عقولهم ثقافة الدولة المستبدة، وأنهم سوف يقررون وعلى الشعب أن يذعن. ما هى الكهرباء؟ فى علم الاقتصاد وبعيدا عن النواحى الهندسية والتكنولوجية هى (خدمة) مثلها مثل أى سلعة لها جانبان: العرض وهو إنتاج الكهرباء والطلب وهو استخدام الكهرباء سواء فى المنازل او المصانع او الزراعة وغيرها, مغزى هذا السؤال أن الحديث عن الكهرباء يتناول جانبا واحدا وهو الإنتاج، بينما يتم إهمال الجانب الأهم وهو الاستهلاك، ومن هنا يجب لمعالجة المشكله أن نعرف من هم المستهلكون، وما هى أسعار البيع لهم وكيف يمكن التعامل مع هذا الجانب لتصحيح الاختلال القائم، وسوء الاستخدام مما يحسن وضع المعادلة بين الإنتاج والاستهلاك. إن هناك استهلاكا مفرطا فى الكهرباء بين أجهزة تكييف انتشرت بالملايين وبين سرقة كهرباء تزايدت وبين محلات ومراكز تجارية مفتوحة حتى الفجر بلا ضابط ولا رابط. إن الحل الحقيقى يكمن فى القضاء على الفوضى وإعادة النظام بالقانون والعدالة القوية، وأن يتوقف القادرون عن استنزاف إمكانيات هذا الوطن، فما الذى يمنع من فرض رسوم استهلاك على اجهزة التكييف بمقدار ألفى جنيه على الأقل لكل جهاز؟ والأمر كذلك بالنسبة للسخانات الكهربائية وغيرها، من الأجهزة المنزلية وما الذى يمنع تحديد مواعيد للمحلات والمطاعم والمقاهى، ولن نقول مثل أوروبا ولكن مثل دولة كالأردن التى تغلق المحال فى الثامنة مساء والمطاعم والمقاهى فى الثانية عشرة وحتى فى دولة عربية غنية كالكويت هناك مواعيد محددة لفتح وإغلاق تلك الأنشطة.لقد آن الأوان لتنظيم حياة هذا الشعب، وأن جزءا كبيرا من حل همومه يتم بالتنظيم والنظام والثقة بين إدارة الدولة وبين الشعب، وفى هذا الشأن نسترجع عددا من النقاط المهمة تتعلق بالكهرباء ما هو واجب الحكومة، وما هو واجب الناس؟ على الحكومة إنشاء جهاز لترشيد الطاقة بالقانون أحيانا وبالإعلام، وتغيير العادات، وكذلك الصيانة الدورية للمحطات والخطوط وإصلاح هيكل تعريفة الكهرباء ليصل الدعم للمستحقين ومواجهة سرقة الكابلات ورفض الأهالى إنشاء محطات كهرباء وأبراج ومد الخطوط بأماكن قريبة من إقامتهم.ومن الضرورى إعادة التوقيت الصيفى وعلى الحكومة عندما تطلب من الناس ترشيد استهلاك الكهرباء أن تقول لهم متى وكيف، لا أن تترك المسألة للتخمين والعشوائية، والمعروف أن فترة الذروة هى من المغرب حتى الساعة11 ليلا والترشيد خلالها يكون بإغلاق كل الأجهزة التى لا تستخدم حتى الصباح مثل الغسالات وأجهزة الكومبيوتر، وكذلك منع الرى فى المنتجعات إلا بعد منتصف الليل وتعديل ورديات بعض المصانع لتركيز التحميل بعد منتصف الليل لتقليل الضغط خلال الذروة، واستخدام أفضل للتكييف يقلل استهلاك الكهرباء. لمزيد من مقالات عصام رفعت