لم أكن اتصور ان فكرة نصحنى بها أحد الاصدقاء من جملة افكار وربما خواطر فى لحظة عابرة طافت برأسى منذ ثلاثة اشهر او اقل، هى فترة تكليفى بمسئولية رئاسة قسم المحافظات وحتى اللحظة. أن تتحول إلى حقيقة إلى تجربة صحفية فريدة جديدة هى التى بين ايديكم الآن واستطيع أن اقول انها قد تلفت النظر وتثير الانتباه، إذ كان الموضوع الاساسى اجراء حوارات على السادة المحافظين، لكن اردناها حوارات من نوع جديد، حوارات غير تقليدية، تتحول فيها الاماكن والبشر إلى اسئلة وعلامات استفهام تفجر الحقائق وتطرح المسكوت عنه، حوارات ع المكشوف تطرح كل المخاوف والهواجس المخبوءة فى عقول البسطاء والمهمشين بلا محرمات ولا موانع حتى من الخطأ فى التعبير عن تلك الاحاسيس فتوقظ فى المسئول ضميره وفى الصحفى مهنته ومسئوليته وفى المواطن ثقته بنفسه ووطنه ودولته .. وهنا تحية واجبة حقا، للدكتور حازم عطية محافظ الفيوم الذى بمجرد أن تحدثنا اليه واقترحنا عليه الفكرة ، بأن نجرى معه حوارا من هذا النوع ولكن فى الزمان والاماكن وبين الناس التى قررنا نحن أن نحددها ، استجاب ولم يتردد للحظة بل حماسه فاق حماسنا، لتبدأ تجربتنا التى استحقت وعن جدارة عنوان » محافظ فى مهمة مفاجئة خاصة أنه لا أحد كان يعلم بها إلا بضعة اشخاص يعدون على الاصابع، مدير العلاقات العامة خالد الجبيلى وفريق عملنا الصحفي، مم جعل التجربة اسما على مسمى فعلا حيث فوجئ المواطنون ومسئولو الجهات والاماكن التى ذهبنا اليها بالمحافظ بينهم دون ساق انذار ، يسأل ويسمع ويحقق ويصدر قرارات فورية وحسب الحال .. واسمع ياسيدى. فى التاسعة والنصف صباحا من الثلاثاء الموافق الاول من ابريل الجارى كانت البداية، ساعة الصفر لتنفيذ الفكرة، فقد وصلنا الى المقر المؤقت للمحافظة مقر المجلس الشعبى المحلى حيث ان جماعات الارهاب والتخريب يوم 13 أغسطس الماضى قد احرقت مبنى المحافظة «الأثرى» تماما وعن اخره وكأنها ارادت ان تعد للمحافظ استقبالا حافلا ساخنا وملتهبا فى اول يوم يتسلم فيه مهام عمله، وماهى الا دقائق من احتساء الشاى الساخن وترحيبه واستقباله لنا فى مكتبه، ابلغناه بأننا جاهزون أن نبدأ حوارنا اى جولتنا على الفور لكن بشرط أن يستقل معنا سيارة «الاهرام» دون أن يرافقه أحد اللهم حراسته الشخصية جدا لزوم الحالة الامنية ومدير العلاقات العامة ، وقبل تحركنا بثوان كنت حريصا على أن اقول للدكتور حازم عطية ، نحن فى «الاهرام» وفى قسم المحافظات على وجه الخصوص فى حوارتنا مع السادة المسئولين والمحافظين بهذه الطريقة لابد ان تكون رسالة واضحة وصريحة وصادقة بأن الدنيا تغيرت، وأن محافظ يتحرك فى موكب رسمى وسارينة شرطة وموتوسيكلات تسبقه هى حكايات راحت لحالها انتهت بفعل الثورة. فقال المحافظ : أنا سعيد بهذه الفكرة ومتحمس لها ولعلكم تعلمون أن الفيوم محافظة متعددةالسمات وبها مقومات كثيرة ومتنوعة من زراعة وسياحة وصناعة وتراث وبيئة ، لكنها فى نفس الوقت مليئة بالمشاكل ، فلم اكن اتخيل أن اكثر من 50% من المناطق لايصلها الصرف الصحى، والذى يزيد هذه المشكلة تعقيدا هنا، أن الفيوم محافظة زراعية ونسبة كبيرة من رى الاراضى الزراعية تتم باستخدام مياه الصرف دون معالجه فغالبية محطات الصرف الموجودة كفاءتها لاتبلغ اكثر من 10 % وتقريبا لاتعمل وتلك كارثة صحية كبرى، وأما الاخطر فى ذلك الأمر أن جزءا كبيرا من الصرف الصحى والزراعى ينتهى به المطاف فى بحيرة قارون أهم مسطح مائى «55 الف متر» موجود فى المنطقة وهذا يعنى قتلا للثروة السمكية والتنمية السياحية . سألناه: وماذا فعلت؟ فأجاب: طبعا لم نقف مكتوفى الايدى وتحركت بسرعة وعرضت المشكلة فى اول اجتماع لمجلس المحافظين وفعلا اهتم المهندس ابراهيم محلب بالأمر عندما كان وزيرا للاسكان الذى قام وقتها بتشكيل عدة لجان للمعاينة للفحص وتحليل عينات من مياه الرى والشرب مأخوذة من مختلف المحطات محل الشكوي، وكانت النتيجة دراسة توصلت الى وضع خطة عمل مدتها ثلاث سنوات مكونة من 3 مراحل تنتهى فى عام 2018 تشمل انشاء محطات صرف جديدة واستكمال واصلاح المحطات المتوقفة ، فالموقف فعلا خطير ومؤلم وهناك شكاوى كثيرة من مزارعين يصر خون من عطش اراضيهم وموت محاصيلهم وان المياه لاتصلهم كان هذا الحوار القصير قبل خروجنا من المكتب وعندما خرجنا ونزلنا الشارع لنستقل سيارة الاهرام ونبدأ جولتنا فوجئ المحافظ بمجموعة من الاهالى سيدات وشيوخ واطفال فقراء وبسطاء ينتظرونه أمام ديوان المحافظة، احاطوا به وراحوا يحاصرونه بمطالبهم ومشاكلهم، لم تبد على وجه المحافظ اى علامات للقلق والضيق وبصدر واسع راح يستمع.. قالت سيدة وعلامات الانفعال والغضب ترتسم على وجهها : ياباشا احنا السكان بتوع هوارة اللى كانت هتقع، الباشوات اللى هنا قالوا لنا اننا لازم نخرج من شققنا لانها هتنهار فوق رأسنا ولازم تترمم وبعد ستة شهور هنرجع تانى، مشينا وقعدنا فى الخيام 8 شهور لحد دلوقتى وكل ما نسال ياجماعة امتى نرجع لبيوتنا يقولوا شويه كدا لما المجلس المحلى يستلم الشقق من شركة الاسكان اللى بتصلحها ، وادينا للنهاردة فى الشارع متشردين وبننام فى الجوامع بعد ما اخدوا الخيام مننا .. نعمل ايه ياباشا .. قال المحافظ وبحسم : دلوقت تطلعوا عن اللواء حمودة السكرتير العام تستلموا شققكم انا لسه مخلصها ووقعت عليها .. لم يكمل الدكتور حازم كلمته فقد قاطعته الزغاريد والدعوات وكم كان المشهد مؤثرا على ملامحه ، لنصعد بعدها الى سيارة الاهرام .. لننطلق الى المستشفى العام ولكن ونحن بداخل السيارة سألناه : ماهى حكاية هذه العمارات الآيلة للسقوط فى ممنطقة هوارة .. اجاب : لعلكم تستغربون عندما اقول لكم ان هذه عمارات لم يمض على انشائها 7 سنوات وصرفها الصحى كله »ضرب« ازاى عمارات مازالت حديثة وتحتاج الى تغيير الصرف الصحى كله .. شيء فعلا يدعو للضيق وضرورة المساءلة .. دقائق ووصلنا الى المستشفى العام والذى بدا واضحا ان ارضية طرقاته تم مسحها منذ دقائق قبل وصولنا فبقايا المياه مازالت موجودة على بلاط الطرقات ، لكن ذلك لم يمنع الحقيقة ، فقد لاحظنا أن عددا كبيرا من اهالى المرضى والمترددين على المستشفى تم حجزهم عبر ابواب حديدة فى ممرات الطوابق المخصصة لقسم الكلى والكبد عندما كان المحافظ يتفقد اقسام المستشفى ، وصحيح ان هناك جهودا مبذولة واقساما جديدة اخرها افتتاح قسم الكلى الصناعى للاطفال تعمل بكفاءة إلا ان هناك بعض الاخطاء والسلبيات تعانى منها المستشفى، ورغم كل المحاولات التى قام بها مديره لتبسيطها واخفائها ، فقد كان القدر بالمرصاد، إذ عند خروجنا من قسم العناية المركزة استوقفنا أحد اهالى المرضى وهو يصرخ: الاسانسير عطلان يامعالى الوزير له شهر واحنا فى عذاب ، وهنا قاطعه مدير المستشفى قائلا : الاسانسير للمرضى بس مش لاهاليهم وايه المشكلة لما تطلعوا على السلم والاسانسير يكون للمرضى فقط .. فسألته : الراجل بيقول الاسانسير عطلان .. هو عطلان ولا مش عطلان؟.. اجاب: عطلان وجار تصليحه ان شاء الله .. واثناء نزولنا على السلم تقدم مواطن اخر ليستوقف المحافظ ويسمعه وقد بدت علامات عدم الارتياح ترتسم على وجهه بعض الشيء .. قال المواطن وهو يكاد يبكى : الست بتاعتى حطوها هنا فى الرعاية 15يوما لما اكلتها قرحة الفراش ورمونى بها بره المستشفى، ومن ساعتها ياباشا بعالجها ب1000 جنيه كل يوم.. فاقترب منه المحافظ وقال له : اهدأ شوية المريضة اسمها ايه ياحاج .. اجاب الرجل : أنا اسمى مسعود عبد الظاهر ومراتى اسمها الحاجة ثريا عوض من مركز طامية ياباشا.. فقال المحافظ : بسرعة دلوقت اكتب ورقة بالكلام ده واحنا سنحقق فيه فورا .. وهنا سألته : هل تعتزم حل مشكلة هذا الرجل فورا فأجاب بحسم : طبعا والسكرتير بياخد بياناته وتليفونه وسنعرف الحقيقة ونحقق فى الامر بل سأتصل به تليفونيا وسأتابع حالته وماذا تم .. وغادرنا المستشفى لنتوجه الى احدى المناطق السكانية المهددة دائما بحوادث السكة الحديد وفى السيارة رحت اساله : بصراحة ماهو انطباعك عن زيارة المستشفى وماهى اهم السلبيات التى لاحظتها والقرارات التى تدور براسك الان بشأنها؟ .. اجاب: نعم هناك سلبيات العيادات الخارجية والطوارئ معاناة وخاصة عيادات الاطفال ونحن الان بصدد زيادتها، كذلك توفير مقاعد لاهالى المرضى فى صالات الانتظار التى كانت شبه خالية من هذه المقاعد وطبعا اصلاح الاسانسيرات بالمستشفى والاهم ان المستشفى بحاجة الى منظار وهذا طبعا شيء غريب ان اكبر مستشفى عام بيخدم المحافظة باكملها لايوجد به منظار سعره لايزيد على 200 ألف جنيه .. وعندما وصلنا الى منطقة السكة الحديدلاحظنا عدم وجود اية حواجز أو وسائل للامان وان الخطر فعلا يحيط بكل من يقيم بهذه المنطقة .. وقبل ان نسأله عما نرى قال الدكتور حازم عطية : هذه مسئولية وزارة النقل ولقد تكلمت مع الوزير الدميرى وعرضت عليه المشكلة وابلغته باننا بحاجة الى سور و11 مزلقانا على الاقل بمبلغ قد يتجاوز 100 مليون جنيه ونحن نعرف حجم الاعباء الملقاة على عاتق وزير النقل .. قلت : عموما اهالى الفيوم يتمنون رحيل القطار لانه غير مفيد فعليا بل اضراره اكثر من منافعه ..فقال : ربما يكون ذلك صحيح وانا غير مقتنع بوجوده ولابد للاعلام والصحافة ان تقف معنا فى هذا الطلب .. فنحن نرغب فى نقل القطار من هنا واستبداله بسرفيس لأنه غير مفيد فعلا ولايخدم كما يجب ان يكون ، فهو لايأتى الا مرتين فى اليوم.. وقد لايعلم البعض انه فى حالة نقل القطار سيتم توفير مساحة كبيرة تتسع لعمل 20 الف مشروع للشباب وفعلا اعلن المحافظ ذلك على الملأ وكم لاقى هذا الاعلان ارتياحا بين السكان . وما إن وصلنا الى منطقة بحر يوسف حيث لاحظنا ان حجم التعديات على البحر كبيرة ومستمرة حتى كادت تخفيه عن اعين المارة .. فسألناه : ماكل هذه التعديات على البحر الذى يعد شريان الحياة الزراعية فى الفيوم ، نراه مهدا بان يختفى ياسيادة المحافظ ؟ اجاب : هذا حدث فى فترة الانفلات خلال السنوات الثلاث الماضية ونحن الان ننسق مع اجهزة الامن لاستمرار حملاتنا فى ازالة كل المخالفات وفجأة نظر المحافظ الى احد التعديات المستفزة ليصدر قرارا بانه لن يغادر المكان الا بعد ازالة هذا التعدى وفعلا جاءت القوات وتمت الازالة .. وهنا سألته : وماهو الضامن الى انه بعد مغادرة سيادتكم لاتتم اعادة المخالفة ؟ اجاب : طبعا هذا يحدث وبالتالى لاحل لهذه المشكلة الا الحبس الفورى وحكم 10 سنوات على الاقل مع سداد غرامه على الاقل 500 الف جنيه .. ووسط هتاف اهالى المنطقة وتأييدهم للمحافظ لما يقوم به من ازالات للتعديات ينتهى رجال الدفاع المدنى من مهمتهم. ورحنا نستقل سيارتنا الى منطقة شكشوك وهى منطقة الصيادين التى انقذها المحافظ بمذكرة عاجلة ارسلها الى رئيس الوزراء محلب لقيام وزارة الزراعه بطرح مساحة 3 افدنة للبيع واستغلالها رغم انها هى المساحة الباقية فقط على البحيرة التى تعد المرسى الوحيد لصيادين واهالى شكشوك .. وبينما كانت السيارة كانت تقطع بنا هذا الطرق وسط حقول ولمزارع تتحسر على حالها من شدة التعديات والقضاء عليها باستبدال الشجر بالحجر .. رحنا نستكمل حوارنا معه فالمسافة تبلغ 75 كيلو وسألناه : هل تعتقد انه وفى ظل هذا التزايد من التعديات ان نرى يوما فى الحكومة المقبلة وزير للازالة ؟ قال : انا طلبت واقترحت فى اجتماعات مجلس المحافظين ومن رئيس الوزراء أنه مثلما هناك شرطة متخصصة للسياحة والكهرباء والتموين والاثار الخ لماذا لاتكون هناك شرطة للازالة نحن فعلا نحتاج الى تشريع قوى يمنع هذه التعديات وياريت يكون هذا اول موضوع يتبناه البرلمان الجديد ويصدر تشريعا حاسما بشأنه .. وتوقف المحافظ عن الكلام فقد قررنا ان ننزل الى منطقة بحيرة قارون وصلنا الى البحيرة فعلا وبمجرد ان نزلنا اتجه المحافظ الى احدى محطات رفع الصرف المعطلة وقال : هذه هى المشكلة محطات الصرف الصحى المعطلة والسبب الرئيسى فى زيادة منسوب البحيرة .. وكيف ان زيادة منسوب المياه بسبب مياه الصرف التى تلقى مياهها فى البحيرة يهدد بغرق كل المنشآت السياحية على بحيرة قارون فلابد من تدخل الدولة وانقاذ الامر بشكل عاجل.. وغادرنا بحيرة قارون لنذهب الى قرية الصيادين شكشوك حيث بها اكثر من 13 الف صياد يعانون قلة الرزق ومتاعب الصيد بسبب مشكلة قناديل البحر التى لاول مرة تهاجم بحيرة قارون وتهدد عمليات الصيد وفعلا وصلنا الى هناك والتف الصيادون حول المحافظ ودار حوار ساخن مفاده .. ان ذريعه السمك الملوثة والتى تم القاؤها فى البحيرة هى وراء جلب القناديل كما طرح الصيادون مشكلة حاجتهم الى تأمين صحي، فنصحهم المحافظ بالانضمام للنقابة الخاصة بهم فالدولة لاتستطيع ان تتعامل مع افراد اوكل فرد على حدة ولكن مع نقابات .. كما قال : انه ستتم متابعة مواعيد القاء الذريعه فى البحيرة ومراقبتها جيدا حرصا على الثروة السمكية وعدم الاضرار بها، ووسط غمرة الحديث وسخونته تقدمت سيدة منه لتقول وبحرقة : احنا ياباشا بيوتنا بقالها 15 يوما مادخلهاش جنيه واحد .. بينما قال صياد اخر ان عدد مراكب الصيد فى البحيرة 625 مركبا وعدد الصيادين على كل مركب 9 افراد وكل فرد مسئول عن اسرة اقل عدد فيها 9 والمركب هذه الايام لاتاتى برزق اكثر من 100 جنيه للجميع .. فماذا نفعل احنا بنموت يامعالى الوزير .. استمع المحافظ واوصى مدير مكتبه بتسجيل كل البيانات للنظر فى هذه المشكلة ومحاولة حلها على وجه السرعه فالموقف خطير فعلا .. وانتهت جولتنا فى المنطقة الصناعية ليخبرنا المحافظ ونحن فى السيارة وقبل وصولنا الى هذه المنطقة الصناعية انه اكتشف قيام احد اصحاب مصانع الطوب وفى غفلة من الزمان بالسطو على مساحة 140 الف متر يعنى 10 افدنة كاملة وبالوثائق والخرائط والمستندات التى تدعم موقف المحافظة والدولة نجح الدكتور حازم عطية فى استرداد هذه المساحة المفقودة الضائعة ليقوم بتخصيصها للمشروعات الشبابية المتناهية الصغر يتم توزيعها على شباب الفيوم من حديثى التخرج. ..وأنتهت الجولة.. وشكرنا المحافظ آملين أن نستكمل المهمة مع محاظ آخر.