أحيانا تستهوي المرء لعبة الذكاء مع النصابين لعبة مسلية تتحول فيها الفريسة إلي صائد, وينقلب النصاب إلي مغفل, تمد له خيوط الأمل إلي نهايته, وفي اللحظة التي يترقب فيها سقوط الضحية في الفخ, لايجد إلا قبض الريح, وهذا مافعله الأستاذ حسين العشري مع مستر ياماشيتا شيجيرو في مباراة مثيرة استغرقت ثلاثة اسابيع. حسين العشري مواطن مصري علي باب الله, اقتحمت بريده الالكتروني في الثالث من يناير الماضي رسالة تقول اسمي ياماشيتا شيجيرو ياباني الجنسية, وأتعامل مع مناجم الذهب في الفلبين منذ عام1993, ولا أتوقع أن تري رسالتي مجرد نفاية للسخرية منك. لقد شخص الأطباء حالتي بأنها سرطان متأخر في الرئة نتيجة تدخيني الشره فلم أعد قادرا علي المشي أو حتي الوقوف, ولم يبق لي سوي بضعة أشهر. وقد فقدت أيضا قدرتي علي الكلام, وكل ما أستطيعه هو الكتابة للاتصال بالآخرين, وكل ماأريده منك هل تستطيع مساعدتي في وديعة لي بستة ونصف مليون جنيه استرليني مودعة في بنك بريطاني أريد توزيعها علي الأعمال الخيرية في نهاية رحلتي مع الحياة البالغة69 عاما؟ ورد عليه الأستاذ حسين بالطبع عندي كل الرغبة فماذا تطلب؟ فعاد إليه قائلا عزيزي حسين لقد خذلتني عائلتي وزوجتي علي علاقة غرامية برجل آخر, لم تستطع الانتظار حتي أموت لقد أقسمت ألا أدعهم يعرفون شيئا عن أموالي التي سأتبرع بها من أجل أن تشعر نفسي وروحي بالسلام, الحياة علي الأرض قصيرة لكن الروح خالدة والأفعال الرائعة هي التي تصفي أرواحنا, وعليك أن تؤكد لي أنك تستطيع أداء المهمة وتوزيع مالي علي الأعمال الخيرية, فقد كنت قاسيا في حياتي علي الناس, وأود أن أفعل خيرا قبيل موتي, فيدون لي أنني ساهمت في تغيير حياة بعض الناس إلي الأفضل, كم كنت أود الحديث معك, لكن السرطان اللعين جعل ذلك مستحيلا. سأرسل لك صور مستندات الوديعة, ولاأريد أن أسبب لك إزعاجا, فقط أن توزع أموالي حسب التعليمات, أطبائي قالوا لي إنني لن أعيش أكثر من ثمانية أسابيع لهذا تراني مشغولا بإنجاز هذه المهمة في أسرع وقت وسوف أبلغ البنك بأنك المستفيد الوحيد من وديعتي, كي تتصل بهم وتنقلها إلي حسابك الخاص. ورد الاستاذ حسين أشعر بالأسف لمرضك, وفي الوقت نفسه أنا معجب بروحك المؤمنة بالخير, فأنت شخص نادر في هذه الأيام وتأكد أن تعليماتك سوف تنفذ بدقة لترتاح روحك في السماء, من فضلك أرسل كل التفاصيل المطلوبة. وفعلا أرسل ياماشيتا صورة جواز سفره ورقم حسابه في البنك الألماني في لندن, وصورة من ايصال ايداع مبلغ ستة ونصف مليون جنيه استرليني, وعنوان بريد إلكتروني ل كارل فيلكس مسئول في البنك ورقم تليفونه, وطلب من حسين مكاتبته للتأكد من صحة المعلومات وسوف أمنحك18% من قيمة المبلغ نظير مجهوداتك في تنفيذ وصيتي, صحتي تتدهور بسرعة وسوف أجري جراحة خطيرة جدا بعد ساعات. ورد الأستاذ حسين بنفس الثقة, وأعطاه تفاصيل جواز سفره وكل المعلومات المطلوبة بما فيها رقم حسابه الخاص علي البنك الأهلي فرع الجيزة, والذي لايحتوي إلا علي83 دولارا بالتمام والكمال. وعاد ياماشيتا وقال لقد أعطيت تعليماتي لمدير حسابي في البنك أن يحول لك الوديعة إلي حسابك في مصر, وأنا الآن علي وشك الدخول إلي غرفة العمليات, صلي من أجلي وإذا انقطعت عن الاتصال بك, فنفذ وصيتي علي الفور ولاتدع زوجتي أو أي أحد آخر أن يضع يده القذرة علي أموالي.. وبنفس الطريقة رد حسين لاتقلق وكن هادئا وقويا ثق بي, كل ما أوصيت به سوف ينفذ حسب رغباتك تماما. فكتب ياماشيتا لقد أرسلت إلي مدير حسابي مرفق طيه صورة من الرسالة ليحول لك الأموال بسرعة وسوف أبدأ المرحلة الثانية من الجراحة الخطيرة بعد أقل من أربعين دقيقة, وأري أن فرصة نجاتي منها ضئيلة للغاية. ثم سكت مستر ياماشيتا عن الكلام المباح, لكن الرسائل لم تتوقف. ففي19 يناير وصلت رسالة غريبة إلي الاستاذ حسين: هاي اسمي شيميزو كياوشو من اليابان, أنا محامي عائلة مستر ياماشيتا شيجيرو, وقد مات في15 يناير, وقد وجدنا في أوراقه اسمك وعنوان بريدك الالكتروني ورقم تليفونك, وقد حاولنا الاتصال بك لنعرف مانوع الأعمال بينكما لأن العائلة والزوجة يودان معرفة أعماله وشركائه, ممكن أن تتصل بي علي تليفون مستر شيجيرو وإذا لم يكن معك رقمه فهو081345888783 آسف علي ركاكة انجليزيتي فأنا ياباني يتعلم الانجليزية حديثا. ورد عليه حسين: آسف لسماع خبر وفاة مستر ياماشيتا كان رجلا طيبا من فضلك ارسل لي أسم زوجته بالكامل وعنوانها واسمك وعنوان مكتبك. وجاءه الرد لاأستطيع إرسال معلومات عن الزوجة فأنا محامي العائلة وعنواني هو... فكتب حسين أريد عنوان الزوجة لأرسل لها برقية عزاء. فرد شيميزو: الزوجة في حالة حزن ولاتريد أن يتدخل أحد في خصوصياتها, خاصة أنها لاتعرفك, قل لنا, هل كنت شريكا لزوجها وفي أي مجال؟ بنفس الخبث اللذيذ أعاد حسين الكرة: من فضلك اتصل بالمحامي الخاص بي للتفاهم وهو توفيق معاطي, وبريده الإلكتروني هو... وفعلا أرسل شيميزو رسالة للمحامي توفيق معاطي يستفهم منه عن علاقة العشري ب'ياماشيتا'. فرد المحامي الذي هو في الأصل الاستاذ حسين نفسه, كبداية للتعاون بيننا أريد أن أري تفويض عائلة ياماشتيا لك, ورقم تسجيلك في اتحاد المحامين اليابانيين.ولم يرد.. فكتب حسين الذي هو توفيق رسالة أخري يستعجله في الرد. فرد شيميزو بعصبية مفرطة: أنا لست غبيا أن أعطيك هذه المعلومات. فكتب حسين رسالة أخيرة لاأحد غبي لاهنا ولاعندك, لكن كيف نعرف أنك مفوض لمتابعة هذه القضية. ولم يأت أي رد حتي الآن. انتهت قصة النصاب الذي مات هل فهمتم منها شيئا.. من فضلك اقرأ الحكاية من جديد. [email protected] المزيد من مقالات نبيل عمر