لعل محصلة مدارسة علوم اللغة وأبرزها علم النحو هو القدرة على القراءة والفهم والاستيعاب، ذلك أن السلامة فى الضبط والوعى بالنظام اللغوى والمران عليه هو صنو الفهم وطريق المعنى. ولو ألقينا نظرة على الإعلام المرئى فى قنوات التليفزيون المختلفة فإننا نلاحظ أن المحصلة اللغوية السليمة تكاد تنعدم فى ظل انحسار الحديث باللغة السليمة، المنضبطة، الميسرة، وكذلك التجرؤ الفاحش على النظام النحوى، مما يثير الدهشة، ذلك أن سنوات التعلم الطويلة عجزت عن أن تقدم متحدثا بالعربية الصحيحة بالقدر الكافى. ومع ندرة الحديث اللغوى السليم فإن سيطرة اللهجة فى أدائها اللغوى الجزئى ونظامها الصوتى المرتبط بالبيئة، والتى لا يفهمها غير أهلها، أحد أهم معاول الهدم فى بناء اللغة العربية. وهذا التجرؤ على اللغة فى أجهزة الإعلام الرسمية سهل التجرؤ عليها فى الإعلان الذى قد تتدنى لغته إلى حد الإسفاف.. ولو توفر باحث على لغة الإعلان لخرج بمعجم لغوى جديد وبانحرافات لغوية خطيرة تبتعد عن النظام والقواعد اللغوية المرعية.. وهو تجرؤ أدى إلى انحسار الحروف العربية من واجهات المحال، حيث سيطرت الحروف الإنجليزية حتى بات الأمر مخجلا حين يكتب اللفظ الأجنبى بالحرف العربى، وهو ما يؤدى إلى ازدياد هجر اللغة وسيطرة العجمة، ولعل أحدا من الباحثين أيضا يرصد ويحصى العبارات والألفاظ، والإعلانات الموجودة بالمركبات العامة، وعربات السرفيس وكذلك لغة الأغانى التى تبثها إذاعة ال «FM» فقد يضع يده بحثيا على الكارثة، وتفعل أجهزة الإعلام ذلك كله.. ولم تفكر فى إقامة برامج لتعليم اللغة العربية وتحبيبها إلى الناس وفق مستويات لغوية متنامية تتسم بالصحة واليسر معا. إن علينا أن نقرر أن الاتصال بين المواد العربية أحد أسباب هذه العزلة، فالنشاط اللغوى متعدد، وتجزئته، واستغلال يخل بالنظام النحوى والمران عليه، فالقراءة مثلا مجال خصب للتدريب على نطق وقراءة التراكيب، وإدراك أنواع الجمل وأشباهها، واستخدام النشاط الفعلى فى الموازنة واستخراج القواعد، بل إن القراءة هى محك الاختبار فى جدوى النحو ومردوده، حيث تتعدد الأساليب التى تقوم اللسان، وأن يقرأ الطالب النص اللغوى قراءة صحيحة، ويدرك التركيب ونوعه، ويضبط الجملة، ويفهم المعنى لهو أجدى نحويا وأفضل من أن نفصل النحو كوحدة لغوية عن القراءة كوحدة لغوية أخرى. إن المران اللغوى المتواصل وقراءة النصوص بوفرة وسلامة فى إطار من الضوابط النحوية الوظيفية، لهو أحد مخارج النحو من أزمته، وأحد أسباب القرب من اللغة والشغف بها. لمزيد من مقالات محمد قطب