هل هناك مخرج من أزمة اللغة العربية وعزلة النحو العربي؟ علينا أن نقرر في محاولة للإجابة أن الانفصال بين مواد اللغة أحد أسباب الأزمة. ذلك أن النشاط اللغوي متعدد ومتكامل, ومحاولة تجزئته, واستقلاله يخل بالنظام النحوي وسلامة اللغة, والمران عليهما. فالقراءة مثلا مجال خصب للتدريب علي النطق, وقراءة التراكيب, وإدراك أنواع الجمل وأشباهها, واستخدام العقل في الموازنة واستخراج القاعدة النحوية واستخلاص أساليب الجمال البلاغي والأسلوبي.. والتدريب علي التذوق وإدراك الجمال والمعني معا.. والقراءة بهذا المعني هي محك الاختبار في جدوي النحو ومردوده, فأن يقرأ الطالب النص اللغوي قراءة صحيحة, ويدرك التركيب ونوعه, ويضبط الجملة, ويفهم المعني لهو أجدي وأفضل من أن نفصل النحو كوحدة لغوية عن القراءة كوحدة لغوية أخري.. ولو استغلت دروس القراءة استغلالا ملائما للمنهج وللفئة السنية لخرج الطالب بزاد وفير من الألفاظ, ودلالاتها فضلا عن السلامة اللغوية في النطق وضبط الكتابة.. وهو الهدف الذي نتغياه من النحو. ولو أضفنا إلي القراءة أنشطة لغوية أخري لصب ذلك كله في مجري السلامة اللغوية. فالإذاعة المدرسية.. نشاط يرتبط بوحدات لغوية متنوعة كالنحو, والقراءة, والتذوق, والتعبير وطرائق الكتابة.. وهي في النهاية منطوق لغوي ومجال حيوي للمران اللغوي واكتساب الصحة في النطق والأداء.. إننا إذا استطعنا أن نوجد الطالب القارئ قراءة لغوية سليمة نكون بذلك قد وضعناه علي عتبة التعبير والتحرير. وهو ما يكسب مادة التعبير أهمية في مجال النشاط اللغوي والسلامة النحوية. لكننا ونحن نستقرئ ما يكتب في هذه المادة نلاحظ افتقاد الطالب جماليات الصياغة وللسلامة النحوية والإملائية, وهو ما يمثل مشكلة تعليمية وتربوية تراكمت آثارها. فالإفادة من النحو وجمالية النص تكاد تنعدم.. ويصبح من المؤلم أن تعجز سنوات التعلم الطويلة عن أن تقدم متحدثا بالعربية الفصيحة بالقدر الكافي.. وهو ما أدي إلي سيادة مظاهر الضعف اللغوي حتي طالت المتخصصين أنفسهم, وفي قاعات الدرس, وأجهزة الإعلام وخطباء المساجد.. فضلا عن الاستخفاف باللغة.. والتجرؤ علي قواعدها.. إن مادة التعبير اللغوي والكتابي هي الغاية.. والنحو هو الوسيلة.. ومن ثم; فإن الاهتمام بالتعبير أمر واجب وأساسي بحيث لا يصبح فرعا شكليا في مادة اللغة كما هو حادث في المنهج التعليمي. ويقف الحوار وسطا بين طرفين القراءة والكتابة وهو كنشاط لغوي يكاد ينعدم في قاعات الدرس. وهو كنشاط تربوي ولغوي يعتمد علي سلامة النطق وحسن الأداء, وإدراك المعني, وهو يأخذ من القراءة الوعي باللغة, وبالمفردة والتركيب, ومن النحو الإطار الضابط.. كما أنه في مجال الكتابة أحد فروع التعبير.. ويندرج ضمن هذا الأداء الموازنة بين النصوص والتدريب علي إبراز الصفات المشتركة أو المختلفة في سياق لغوي وموضوعي صحيحين.. نستطيع عبرها أن نستنبط القواعد الحاكمة في الدرس النحوي.. .. إن المران اللغوي المتواصل وقراءة النصوص بوفرة وسلامة في إطار من الضوابط النحوية الوظيفية.. لهو أحد مخارج النحو من أزمته, وأحدباب القرب من اللغة والشغف بها.