فى عددها الصادر فى عام 2002 نشرت مجلة « الضمير» الكاثوليكية، والتى تنشغل بإثارة اختيارات مستقبلية، موجزاً لندوة عقدها الكاثوليك بالاشتراك مع أعضاء من البرلمان الأوروبى فى 28 نوفمبر2001 ببروكسل تحت عنوان « دور الدين فى صياغة السياسة الدولية» وهو عنوان لاقى إجماعاً من المشاركين على أن الأديان مكلفة بالمساهمة فى هذه الصياغة لأنها مثل المنظمات الأخرى لها دور مماثل. إلا أن الذى كان موضع تساؤل من المشاركين هو فيما إذا كان دور الدين فى السياسة قضية جديرة بإثارتها. ولكن جاءت أحداث 11 سبتمبر فحسمت الجواب عن هذا التساؤل، إذ جاء بالإيجاب. ومع ذلك فإن نقصاً أصاب الندوة وهو غياب دولة الفاتيكان على الرغم من الاتصالات الجارفة مع سفرائها السابقين والحاليين لحثهم على المشاركة. دار الحوار فى الجلسة الأولى حول قضية الفصل بين الكنيسة والدولة، وهى قضية كانت موضع نقد من قِبل الجماعات الدينية ضد علمانية الدولة فى العصر الحديث. وجاء التعبير عن ذلك النقد فى الهجمات الارهابية التى حدثت فى 11 سبتمبر عندما انهار مركز التجارة العالمى بنيويورك وأصيب مبنى البنتاجون بتصدعات بفعل نفر من جماعة اسلامية أصولية بدعوى أن ذلك المركز هو رمز على الدولة العلمانية على الرغم مما تعلنه هذه الدولة من قيم التعايش المشترك مثل التسامح والتعددية الدينية وحرية الضمير والديمقراطية، وهو أمر لا يستلزم من الدين أن يكون من مكونات ذلك التعايش إنما يستلزم إنشاء مؤسسات اجتماعية وسياسية مستندة إلى سلطة شعبية وليس إلى سلطة دينية. وإذا كان ذلك ما تعلنه علمانية الدولة الغربية فى مواجهة الأصولية الدينية فما الذى تخشاه هذه الدولة من تحديات أخري؟ الرأى عند بعض المشاركين أن التحديات الأخرى كامنة فى إمكانية حدوث ضعف للدولة العلمانية بوجه عام أو للعلمانية ذاتها بوجه خاص. وهذه الإمكانية واردة فى اللحظة التى تبحث فيها هذه الدولة عن فتوى دينية تبريراً لقرار سياسى أو اجتماعى أو حتى لتبرير العلمانية. ولكن هذه الإمكانية واردة أيضا فى اللحظة التى تشعر فيها السلطة الدينية بأن ايمان أتباعها أصبح موضع شك، وهو أمر من شأنه أن يدفع هذه السلطة إلى فرض سلطتها على الدولة العلمانية، ولكن من شأنه أيضاً أن يشكك فى مصداقيتها. ومن هنا يثور السؤال الآتي: ما هو مستقبل الأديان؟ وكان الجواب أن منظمة الأممالمتحدة هى الضامن لذلك المستقبل لأن الأديان من مكوناتها منذ مولدها. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة بموت الاتحاد السوفييتى فى عام 1991 تغير المناخ الدينى ببزوغ الأصوليات الدينية فى جميع الأديان بلا استثناء. وهذه الأصوليات مثل الذبابة الطنانة التى لا تكف عن عرقلة أية دعوة لتحرير المرأة لأن فى تحريرها هدماً للنظام البطريركى الذى يقوم على تحكم الرجل فى المرأة. والسؤال اذن: هل منظمة الأممالمتحدة فى حاجة إلى وجود هذه الأصوليات الدينية مع أن قضاياها المثارة فى حالة تغير متواصل، أى فى حاجة إلى التفكير بالنسبى وليس التفكير بالمطلق؟ وفى صياغة أوضح: هل تعانى هذه المنظمة من صراع مكتوم بين مجمع الثبات ومجمع التغير؟ وفى صياغة أدق: لماذا يحرص الفاتيكان على تسمية مقعده فى الأممالمتحدة بأنه مقعد « المجمع المقدس» وليس مقعد الفاتيكان؟ ويترتب على هذه الأسئلة الثلاثة سؤال رابع: ماذا يفعل الأصوليون بمنظمة الأممالمتحدة؟ إنهم يريدون دفعها نحو الأخذ بقيم التراث، بل دفعها نحو انتقاء قيم معينة من التراث وهى القيم التى تشجب التعددية وتحض على الاجماع كما هو حال الأصولية الاسلامية التى تريد فرض مفهومها عن الشريعة على كوكب الأرض، بل كما هو حال الأصولية المسيحية. فقد قال مؤسسها القس جيرى فولول فى عام 1979: « كل أمل فى أن أعيش لأرى اليوم الذى يتم فيه استيلاء الكنائس على مدارس الدولة، بل كان متحمساً لمشروع « حرب النجوم» الذى دعا إليه ريجان عندما كان رئيساً لأمريكا. وكانت الغاية من هذه الحرب نسف الاتحاد السوفييتى فى دقيقتين بحيث لا يبقى على كوكب الأرض سوى قوة واحدة هى القوة الأمريكية المؤسسة على أصولية مسيحية. واللافت للانتباه فى هاتين الأصوليتين الاسلامية والمسيحية والمتنافستين على امتلاك كوكب الأرض هو أن المشترك بينهما عقدة نفسية غايتها التحكم فى المرأة. ومن هنا جاءت القضية الثانية فى مجلة « الضمير» وهى قضية المرأة تحت عنوان رئيسى « النساء تحت حصار الأنظمة القمعية» وعنوان فرعى « النساء والأصوليات الدينية». ومن هنا أيضا جاءت القضية الثالثة « الحرب ضد النساء». لمزيد من مقالات مراد وهبة