الخالدون بذكرهم في الأرض والسماء.. شهداء الثورة المباركة الأبرار, هم الأحق بالتكريم والتبجيل والاحتفاء مع دخول الثورة عامها الثاني. لا أحد غيرهم يستحق أن نكتب عنه ونتذكره اليوم. المجد لهم في السماء فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. غدا سترفرف أرواحهم الطاهرة مخضبة برياحين الجنة وشذي المسك والعنبر علي الملايين في التحرير وفي كل ميادين النصر احتفالا بالثورة واستكمالا لمسيرتها. الأهداف التي ضحي الراحلون من أجلها لم تتحقق بعد: التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. الشعار السحري الذي حرك الملايين الشعب يريد إسقاط النظام مازال يتردد, فلم يسقط إلا المخلوع وأسرته وبعض أعوانه. الفلول والأتباع يتحصنون في مواقعهم, وتزداد أقدامهم رسوخا في كل المؤسسات. المحاكمات بطيئة والعدالة لم تقتص للشهداء حتي الآن. القتلة يفلتون من العقاب, وأسر الشهداء والمصابين الموصدة في وجوههم الأبواب لا تجد من يخفف عنها آلامها. حتي لو وجدت بعض السلوي في كلمات شاعر جميل مثل فاروق جويدة: لا تسألي القناص عن عيني ولا قلبي ولا الوجه النحيل. ولتنظري في الأفق, إن النهر يبكي والخيول السمر عاندها الصهيل. لا تسأليني عن شباب ضاع مني, واسألي القناص كيف شدوت أغنية الرحيل؟ لن يبدد احد حيرة جويدة ولن تجتث كلماته الأحزان من قلوب الثكالي. ومع ذلك فلديه أمل أن تتحقق أحلام شباب رحلوا من أجل مصر في عمر الزهور: إني حلمت ككل أطفال المدينة في ليالي العيد. وحلمت باللعب الصغيرة والحذاء وقطعة الحلوي وبالثوب الجديد. وحلمت يوما أن أكون الفارس المغوار يغرس في ربوعك كل أحلام الوليد. زمن سعيد, وطن مجيد, أمل عنيد. هذه الأحلام النبيلة لم يرحمها القساة ولم يشفع لأصحابها مطالبهم المشروعة. هكذا يلخص جويدة القضية. يا أيها القناص ثمن الرصاصة يشتري خبزا لنا. وشبابنا قد سال نهرا من دماء بيننا. لم لا يكون سياج أمن حولنا هذا الوطن؟ لم لا تكون ثماره ملكا لنا؟ لم لا يكون ترابه حقا لنا؟ يا أيها القناص.. انظر نحونا, ستري بطونا خاوية, وتري قلوبا واهية, وتري جراحا دامية. فالأرض ضاقت ليس لي فيها سند. والناس حولي لا أري منهم أحد. حتي الجسد قد ضاق بي هذا الجسد. أصاب الشاعر كبد الحقيقية فثمار هذا الوطن وثروته لم تكن أبدا ملكا لنا. الأموال المهربة لم تعد. واللصوص يرتعون في بر مصر وخارج حدودها لم يعد منه أحد. منظومة الفساد ما زالت قلعة حصينة. بينما يواصل تجار الإعلام وصناع الأكاذيب ومروجو الباطل حملات التشويه الخبيث للثورة. ما بكم من شر فمن الثورة وما بكم من خير فمن الاستقرار هذه رسالتهم المسمومة للبسطاء المحاصرين بالمعاناة المدبرة. عام كامل مضي تعرض فيه المصريون لعقوبات جماعية غير مسبوقة تأديبا لهم علي ثورتهم: انفلات أمني مريب, أزمات لا تنتهي في السلع الأساسية وضروريات الحياة, ارتفاعات هستيرية متواصلة للأسعار, أزمة اقتصادية خانقة, تراخي في حل المشاكل يولد احتجاجات واعتصامات جماهيرية منفلتة. كل هذا لكي يكفر الناس بالثورة. ويترحموا علي الزمن الديكتاتوري الجميل باستقراره وأمنه. حتي الديمقراطية الوليدة أكبر ثمرات الثورة التي توجت بالانتخابات الأخيرة لا نعرف إلي أين ستسير, وما سيكون عليه مصيرها عندما تبدأ اختبارها الحقيقي مع انعقاد البرلمان ثم بدء معركتي الدستور والانتخابات الرئاسية. ومع ذلك يبقي لدي مصر سلاحها الأقوي وهو إرادة ووعي شبابها وحلمهم المتوهج بالتغيير. لولا هذا لما كنا نحتفل اليوم بصنع تاريخ جديد لبلادنا. الفضل بعد الله إلي هؤلاء الشهداء الذين جعلوا هذه المعجزة ممكنة. رحمة الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين. لا نفرق بين أحد منهم, أحمد وأخوه دانيال ورفاقهما أحياء عند ربهم يرزقون. أرواحهم تحلق في بهائها وجلالها ونبلها تحت عرش الرحمن. الجنة وعد الله لهم وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق