رئيس الوزراء الاسرائيلي كان ولايزال يريد الحديث عن ايران وبرنامجها النووي وضرورة التصدي لها وبأن يكون لأمريكا موقف أكثر حسما وحزما في هذا الأمر. في حين كان ولا يزال الرئيس الأمريكي يريد الحديث عن حل الدولتين والعملية التفاوضية بين الاسرائيليين والفلسطينيين وضرورة قيام نيتانياهو بحسم الأمر وعدم ترك فرص السلام تضيع مثلما ضاعت من قبل. ولذلك ما حدث أو تحقق أو تأكد في لقاء أوباما نتنياهو الأخير في البيت الأبيض عكس ما كان ولايزال قائما ومعلقا بين الاثنين في تناولهما لكل من ملفي عملية السلام وايران وما لهما من أولوية في الوقت الحالي. وقد جاءت الأزمة الأوكرانية لتهيمن على الأجواء السياسية السائدة في العاصمة الأمريكية. زيارة بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي تزامن مع انعقاد المؤتمر السنوي ل"ايباك" أقوى لوبي موال لاسرائيل ومصالحها في أمريكا. و"ايباك" أعلنت موقفها بوضوح بأنها ضد الصفقة الايرانية وبرنامجها النووي وأنها مع فرض عقوبات جديدة ضد طهران ونظامها. و"ايباك" في هذا الموقف تعارض الادارة الأمريكية التي ترفض العقوبات في الوقت الحالي. ومن ثم يوجد تحالف من جانب "ايباك" مع قيادات وأعضاء في الكونجرس أغلبهم من الجمهوريين للوقوف ضد التقارب الأمريكي الايراني. وترى الدوائر المقربة من اسرائيل وأنصارها في أمريكا أن ايران الخطر القائم والقادم معا.. وأنها القضية الأكثر الحاحا والأكثر خطورة. أما ملف عملية السلام فيمكن البت فيه فيما بعد طالما "أن الفلسطينيين يماطلون بطلباتهم ومازالوا متمسكين بالارهاب" حسب رأيهم، وفي تقديرهم "أن العرب لديهم ما يشغلهم من قضاياهم الداخلية وثوراتهم". وانتهز نيتانياهو فرصة تواجده في البيت الأبيض ليقول للرئيس أوباما أمام الصحفيين بأن على الفلسطينيين وعلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يقبل ويقر بأن اسرائيل دولة يهودية. المفهموم نفسه بما له من تبعات سياسية فلسطينية وعربية وبصياغة مختلفة كرره نيتانياهو أيضا صباح اليوم التالي للقاء البيت الأبيض في كلمته أمام "ايباك" وسط تصفيق حاد من الحاضرين. ومن المتوقع أن تثار قضية "يهودية دولة اسرائيل" بشدة والحاح خلال زيارة الرئيس الفلسطيني لواشنطن ولقائه بأوباما يوم 17 مارس القادم. ما نشرته "بلومبرج" للأنباء منذ أيام من حديث لأوباما مع الكاتب والمعلق السياسي جيفري جولدبرج عكس الحالة التي وصلت اليها العملية التفاوضية المكثفة بين الاسرائيليين والفلسطينيين بعد نحو ثمانية أشهر وأكثر من عشر زيارات قام بها جون كيري وزير الخارجية لاسرائيل والضفة الغربية. فالرئيس أوباما كما يبدو يرى أن على نتيناهو أن يحسم الأمر وفورا .. قبل فوات الآوان.هكذا يصف جولدبرج الوضع.اذ يوجه أوباما كلامه لنتنياهو قائلا: "اذا لم يحدث هذا الآن.. فمتى؟ واذا لم يحدث منك أنت يا رئيس الوزراء .. اذن ممن؟" وأن أوباما قال أيضا "اذا كان نيتانياهو لا يعتقد بأن صفقة سلام مع الفلسطينيين هو الأمر الصحيح فعله من أجل اسرائيل. اذن عليه أن يقدم التناول البديل". وحسب ما نقل عن أوباما أيضا فان الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو أكثر زعيم معتدل قد يكون لدى الفلسطينيين وأن الأمر يرجع لرئيس الوزراء أن سيتفيد من هذا الوضع. والأمر الأهم في رأي أوباما "أن الوقت يجري". وبالتالي حسبما قال جولدبرج لن تكون هناك هذه الفرص لصنع السلام الى الأبد..وعلى نيتانياهو أن يبادر ويأخذ الخطوة وأن ينتهزالفرصة قبل فوات الآوان. رسالة أوباما وصلت.الا أن نيتانياهو كعادته كان حريصا وهو واشنطن وفي البيت الأبيض على القول:"ان اسرائيل قامت بدورها..وأنا آسف للقول بأن الفلسيطينيين لم يقوموا بدورهم". ولم يعد بالأمر الخفي لدى المراقبين للشأن الاسرائيلي بأن أوباما ونيتانياهو (كما يقال) لا يتفقان في كثير من القضايا المطروحة وأن غالبا ما يوجد بينهما جفاء وعدم قبول ينعكس أحيانا في لغة الجسد المتبادلة فيما بينهما.الا أن على الاثنين أيضا أن يعملا معا (كما يقال) طالما هذا هو المطلوب منهما وما يعد لمصلحة كل من أمريكا واسرائيل. وعلى الرغم من أن الوقت اقترب من أبريل الموعد المحدد من جانب الولاياتالمتحدة لاتمام المفاوضات فان تفاصيل "اتفاق الاطار" مازالت سرية وما تم الحديث عنه يدخل في اطار التسريب والتكهن و"بالونات الاختبار". والجانب الأمريكي ك"وسيط نزيه" متحفظ وقلق ولايريد الحديث عن ما تم أو سيتم تحقيقه. متحفظ أيضا في ابداء التفاؤل وفي الاعلان عن أي جداول زمنية يمكن الالتزام بها والتحرك وفقا لها. فالهدف المرجو في نهاية المطاف هو ترك الفرصة للطرفين المتفاوضين في طرح المقترحات ومناقشة التصورات والاختلاف أو الاتفاق حولها ثم تحمل المسئولية في الاعلان عن ما تم الاتفاق حوله والالتزام بتنفيذه. وبما أن "ايباك" كانت تعقد مؤتمرها السنوي ونتنياهو في زيارة لواشنطن. فقد ترددت من جديد في الأيام الأخيرة النغمة المعتادة والمبررة للمماطلات الاسرائيلية في العملية التفاوضية وأيضا ممارساتها الاستيطانية على أرض الواقع وهي القاء اللوم على الفلسطينيين وأيضا الزعم ب"عدم جديتهم في تحقيق السلام مع اسرائيل" وأنهم "يعرقلون عملية السلام" أو الادعاء بأنهم "ينسفونها بالعمليات الارهابية".الا أن تقريرا رسميا صادرا من اسرائيل مؤخرا ذكر زيادة تقدر ب 123 في المئة في حجم بناء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة خلال عام 2013 أي ضعف عدد بيوت المستوطنات الجديدة التي بنيت في عام 2012. ولذلك حرصت حركة "السلام الآن" الاسرائيلية ومعها نظيرتها الأمريكية على التنديد بنيتانياهو وسياساته قائلة في بيان صادر عنها يوم وصوله لواشنطن "أن الأرقام الجديدة تؤكد ما قلناه من قبل من أن نيتانياهو يتعامل كرئيس وزراء المستوطنين وليس اسرائيل ويخدم مصالح أقل من خمسة في المئة من المواطنين الاسرائيليين الذين يعيشون في المستوطنات" مضيفة "أن هذه المستوطنات تبعث برسالة من الطوب والأسمنت بأن نيتانياهو لا يهتم في التفاوض حول حل الدولتين" لقد أثارت زيارة نيتانياهو لواشنطن وأيضا تشاوراته مع الرئيس أوباما وادارته عديدا من القضايا الحيوية والاستراتيجية بين أمريكا واسرائيل وتناولت ما يحدث في المنطقة من تطورات وتغيرات وأيضا ما تواجهه اسرائيل ومصالح أمريكا في المنطقة من مخاطر وتحديات..وهذه الملفات ستظل مفتوحة ومطروحة للنقاش والجدل ولن تغلق أبدا.