سيكون الأسبوع المقبل حاسماً في تحديد مدى قدرة الرئيس أوباما على فرض نفسه كزعيم قوي ووسيط نزيه في عملية السلام بالشرق الأوسط، فبعدما أجل زيارة له كانت مقررة إلى آسيا ليكون حاضراً أثناء اختتام الكونجرس لمشاوراته التي امتدت طيلة السنة الماضية حول إصلاح النظام الصحي، سيتابع أوباما أيضاً فعاليات المؤتمر السنوي للجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة "آيباك" الذي سيعقد في واشنطن وسيحضره رئيس الوزراء الإسرائيلي. وفي ظل الأولوية التي تتصف بها قضيتا الإصلاح الصحي و"سلام" الشرق الأوسط في أجندة البيت الأبيض، ستتجه الأنظار إلى أوباما وطريقة تعامله مع التحديات المطروحة على الجبهتين. فلو استطاع زحزحة مواقف بعض الليبراليين المترددين، ومعهم ثلة من أعضاء الكونجرس المحافظين من حزبه الديمقراطي، للقبول بخطته لإصلاح الرعاية الصحية لأمكنه إثبات قوته وتصميمه على ربح المعارك الصعبة وخوض صراعات مريرة ضد جماعات الضغط. وقبل أن ينقل أوباما اهتمامه إلى قضايا داخلية أخرى، سواء تعلق الأمر بإصلاح قانون الهجرة، أو إقرار قانون للطاقة يعالج مشكلة الاحتباس الحراري... فسيكون على البيت الأبيض مواجهة معضلة أخرى تدق على بابه هي مشكلة الشرق الأوسط المستعصية. فمنظمة "آيباك" تستعد من جهتها للمواجهة والوقوف في وجه أوباما الذي امتلك ما يكفي من الجرأة والشجاعة لإدانة خطط توسيع المستوطنات الإسرائيلية في القدس. والحقيقة أننا رأينا سابقاً إدارات أميركية تواجه الصلف الإسرائيلي من بوش الأب إلى كلينتون الذي قام بذلك بطريقة غير مباشرة. لكن اللغة التي استخدمتها هذه الإدارة خلال الأسبوع الماضي كانت غير مسبوقة في حدتها، حيث أدان بايدن إسرائيل بطريقة واضحة لا لبس فيها، كما اعتبرت وزيرة الخارجية تصرفات إسرائيل "مهينة للولايات المتحدة". وزاد من حدة التصريحات ما أعلنه قائد القيادة المركزية الأميركية، بترايوس، الذي قال إن تحركات إسرائيل تهدد مكانة أميركا في العالم الإسلامي. بل امتدت موجة التنديد إلى اللجنة الرباعية التي أصدرت بياناً يؤكد أن القدسالشرقية أرض محتلة ويندد بعمليات البناء الإسرائيلية في المدينة القديمة. واللافت هذه المرة التزام أعضاء الكونجرس الأميركي الصمت وعدم تسرعهم في الدفاع عن إسرائيل، كما جرت العادة، اللهم إلا بعض الأصوات القليلة مثل السناتور جون ماكين، وحليفه السيناتور جوزيف ليبرمان. لكن من غير المرجح استمرار هذا السكوت الإيجابي لفترة طويلة، إذ سيحاول أعضاء الكونجرس الذين يواجهون انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل استغلال وجود "آيباك" في واشنطن لتعزيز حظوظهم وتأمين دعم اللوبي اليهودي من خلال التعبير عن "صدمتهم وخيبة أملهم" تجاه تصريحات البيت الأبيض وطريقة تعامل الإدارة مع إسرائيل في الأيام الماضية. وسيلتف الجميع حول نتنياهو في محاولة للتهجم على أوباما ليبرز في الأخير الانفصام الواضح بين "آيباك" ومن يساندونها من أعضاء الكونجرس وبين الشارع العام الإسرائيلي نفسه الذي تظهر استطلاعات الرأي أن 69 في المئة منه يعتقدون أن أوباما "عادل" في تعامله مع إسرائيل، وعبرت أغلبية هذا الشارع عن استيائها من قيادة نتنياهو. وبالنسبة للبيت الأبيض فإن الاختبار الأكبر سيكون يوم الاثنين المقبل عندما يلتقي نتنياهو مع هيلاري، ثم بالرئيس أوباما. لكن وبصرف النظر عن الحديث الذي سيدور حول علاقات الجانبين، فسيتركز الانتباه على موقف الإدارة الأميركية وما إذا كانت ستتراجع عن إدانتها وسترضخ مجدداً للموقف الإسرائيلي، ذلك أن أي تساهل أميركي بشأن المستوطنات والتصرفات الإسرائيلية الأخيرة سيقوض آفاق السلام، بل سيؤدي الأمر كما عبر عن ذلك الجنرال بترايوس، إلى إضعاف مكانة أميركا في العالم الإسلامي والمس بمصالحها وأمن جنودها. ومع أن البعض يتوقع تراجع نتنياهو هذه المرة لإنقاذ علاقته مع أميركا، فمن الصعب الركون إلى هذا التحليل حتى يجري اللقاء. وخلافاً لما يعتقد البعض، لم يكن نتنياهو في يوم من الأيام سياسياً براجماتياً، بل هو أيديولوجي إلى أبعد الحدود، فهو خلق العديد من المتاعب لفريق أوباما منذ الوهلة الأولى، لكن العلاقات مع أميركا وصلت إلى الحضيض في الأيام الأخيرة بعد الإعلان على بناء مستوطنات جديدة، وتزامن ذلك مع زيارة بايدن إلى إسرائيل. وبالنظر إلى القضايا الإقليمية الأخرى التي تنخرط فيها أميركا، سواء في العراق أو أفغانستان أو إيران، لم يستطع البيت الأبيض البقاء مكتوف الأيدي أمام التعنت الإسرائيلي وكان لابد أن يصدر تصريحات قوية. فقد جاهدت الولاياتالمتحدة لإقناع الفلسطينيين والجامعة العربية بالرجوع إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن مطالبهم المسبقة بوقف الاستيطان الإسرائيلي، لكن نتنياهو قوض تلك الجهود وقلبها رأساً على عقب بعد مجموعة من التصريحات ادّعى فيها حق إسرائيل في الخليل وبيت لحم ووادي الأردن، فضلا عن خطواته الاستفزازية في القدسالشرقية، وهو ما دفع البيت الأبيض إلى تبني لهجة حادة هذه المرة لأن التراجع أمام إسرائيل كما فعلت الإدارات السابقة، سيشجع الدولة العبرية على مزيد من الصلف والتعنت، بل وعلى الاستهزاء حتى بحليفتها الأهم متمثلة في الولاياتالمتحدة. *نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية