قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    وزيرة الثقافة تبحث مع سفير كوريا الجنوبية تعزيز التعاون المشترك    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    حملة مكبرة لإزالة مخالفات البناء في مدينة دمياط الجديدة    مقتل شخص وإصابة 6 في اشتباكات بغرب ليبيا    سرايا القدس: ندك جنود وآليات العدو المتوغلة في رفح بحمم الهاون    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    مرصد حقوقي يحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية بغزة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة بيراميدز    30 دقيقة سلبية بين الأهلي والترجي في ذهاب نهائي أفريقيا (صور)    نوران جوهر بطلة العالم للإسكواش للمرة الأولى في تاريخها    بدون تريزيجيه| طرابزون سبور يفوز على باشاك شهير بالدوري التركي    القبض على سيدة متزوجة بعد انتشار فيديو مخل لها مع شاب بكرداسة    فيفي عبده ومصطفى كامل يقدمان واجب العزاء في زوجة أحمد عدوية    مصطفى كامل وحلمي عبد الباقي يقدمان واجب العزاء في زوجة أحمد عدوية    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني خلال 24 ساعة 1725 جنديا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    " كاد ماسترز" تستعرض تفعيل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياءفي التشييد والبناء    بينى جانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف إذا لم يلب نتنياهو التوقعات    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    رئيس «الرقابة الصحية»: التمريض المصري يتميز بالكفاءة والتفاني في العمل    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    التليفزيون هذا المساء.. إلهام شاهين: عادل إمام حالة خاصة وله فضل فى وجودي الفني    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    الدواء المصرى الأقل سعرا عالميا والأكثر تطبيقا لمعايير التصنيع الجيد    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر المصرى ابن عروس ليس مصريا وليس شاعرا 3
كيف تمت «جزأرة» و«تونسة» و«لبينة» و«مصرنة» مربعات المجذوب ؟

إن فن الرباعي الذي ينسب لسيدي عبدالرحمن المجذوب، قد نسج علي منواله في جميع أنحاء الشمال الإفريقي بما فيها مصر، بل اختلط ما قال الرجل بما قاله الآخرون من خلال «جزأرة» «وتونسة» و«لبينة» و«مصرنة» أقوال الرجل والنسج علي منوالها، ولو قلبنا في كل رباعي أو مربع كما نسميه في مصر لعرفنا جيده من رديئه، وسماحته من عنصريته، وصدق الرؤية من سذاجة إطلاق الأحكام، فإن رباعيا عظيما مثل:
قلبي كفرن جيار كامي علي صهر ناره
من فوق ما بانت نار ومن تحت طابوا حجاره
الوارد في كتاب (ممتع الأسماع لمحمد مهدي الفاسي) الذي يصور ذلك الفرن أو «قمينة الطوب» كما نسميها في مصر، والتي تزود بالجير فتطيب أحجاره دون أن تظهر لها نار، وهي صورة عبقرية أن يشبه القلب بما يحمل من أحزان ونيران يمشي صاحبه بين الناس وكأنه لايعاني شيئا.
نفس المربع يتخذ صياغة ثانية بصورة أخري دون أن يفقد بنيانه وجزئياته أو تأثيره مع اختلاف التوظيف، إذ يذكر انه شبّه روحه بحمام تلك الحمامات.
البلدية والتركية التي تستخدم حرارتها دون أن تري لها نارا أو دخانا:
مثلت روحي لحمام مبني علي صهد نائه
من فوق ما بان دخان ومن تحت طابوا حجاره
وهو رباعي أعرج القافية في شطره الثالث لكنه يوضح الصورة بشكل أفضل، فنحن ندخل الي الحمامات الشعبية ذات البخار والحرارة المرتفعة لا نجد بداخلها دخانا أو نارا بينما أحجارها تطيب كما في الطعام من وهج النار وحرارتها.
أما الفرنسية «جان سيل ميلي» والتي جمعت مربعات المجذوب من الجزائر وليس من المغرب أرض الشاعر ومراح ابداعه فإنها تورد النص بصورة مخالفة تماما:
يا حمام يعطيك ريبة ياللي مبني علي صون نارك
من برا ما بان دخان وفي الداخل انحرقوا حجارك
وعلي كل حال فإن المربع بما يوحي به انما يصف الادميين قبل أن يصف الحمام أو مجامر الجير والحجر، وأغلب الظن أن المجذوب انما كان يصف حال نفسه التي تهدر بالحقيقة والأسرار والتواصل المنهك بما أعطي له، بينما إذا نظرت الي وجهه لا يبدو عليه شيء من كل ذلك، فكأن في داخله نارا بلا دخان يشي بما يعتمل في روحه وفكره شأن المجاذيب.
والمجاذيب عندنا كلمة سيئة السمعة في الفهم الشعبي، فهي عادة ما تطلق علي البلهاء «خفيفي» العقل الذين لا يسيطرون علي أجسادهم فلا يحكمون بولا ولا رولا ،ويفتقدون ثبات الخطوة واتزان الجسد، ومنفلتون يمدون ايديهم الي ما يحتاجون فإن نهروا سبوا ولعنوا وهو ما يخيف أصحاب الحاجة من أن يقبل دعاؤهم، وأغلبهم تقام لهم قباب فوق مزارات حال موتهم، وهم يهمهمون بكلام غير مترابط بل ربما كان كلامهم بلا أحرف، وحتي سبابهم غير مفهوم يدل عليه فقط غضب ساذج.
ولكن وحين نتحدث عن «مجاذيب» من أمثال «ابن عروس» أو «عبد الرحمن المجذوب» فإن الأمر لا يكون كذلك علي الاطلاق، إذ ان للاثنين مع اختلاف المراتب والدرجات كلاما مفهوما ومآثر ومناقب معروفة ويصدر من افعالهما ما يستحق أن نضعه بدون تردد تحت بند المعجزات (والعهدة علي من عاصر وشاهد وروي)، ولهما نظم رباعي مهم إذا ما استخلصناه بعيدا عما نسب إليهما وزيد علي إبداعهما. كان المجذوب أعلم الناس بأنه مجذوب، لم يعر المتلسنين والناقدين والناقمين التفاتا فهو يقول:
قلبي مولع مزلع مجذوب.. لا شىء تلوموني
أوه يارب مولاي أهل المحبة... فاتوني
يقول: لقد هجرني الأحباب بعد أن لاموني علي تصرفاتي وأنا أقول أنا سعيد بانجذابي فلأي شيء تلومونني.
مجذوب محبوب مرغوب ساكن في أرض العلالي
اللي قضي ربنا كان في الراس ما يمتحي لي
وهو هنا يؤكد أن انجذابه هو سر محبة الخلق وانجذابهم اليه وأن العلم الذي وهبه الله إياه لا يمكن لمخلوق ان يمحوه، ولا شك ان أرض العلالي هي أرض بالمغرب لا نستطيع ان نشير لها بمعرفة غير انه في النص الجزائري للاستاذ «عبد الرحمان رباحي» تتغير أرض العلالي بأرض «الملالي» ويشير الي أن أرض الملالي هي «تاملالت» بالمغرب الاقصي.
ويقول المجذوب عن نفسه أيضا وكان يقرأ ما في خواطر الناس من حوله أو يرد علي آرائهم فيه ويحاول شرح الانجذاب ليرق بينه وبين الجنون:
مجذوب مانا مجنون.. الأحوال هذي اللي بيا
نظرت في اللوح المحفوظ.. السابقة سبقت ليا
وهو يقول: حين ترون في افعالي ما تعتقدون أنه جنون فأنتم مخطئون، أنا مجذوب ولست مجنونا، لقد قرأت كتاب الله وإذا كنت أتنبأ أحيانا وأسبق بقول الوقائع قبل حدوثها فهو أمر حباني به الله.
ويختلف النص الجزائري عن النص المغربي السابق في قليل من مساحة الصياغة«
مجذوب مانا مجنون.. غير الأحوال اللي دارت بيا
قريت في اللوح المحفوظ .. والسابقة سبقت ليا
ولذلك فإن التفسير يختلف هنا رغم الاختلافات الضئيلة في الصياغة، فيشرح الأستاذ «رباحي» ويفسر الشطر الثاني بقوله: «أي أحوال الدهر ونوائبه هي سبب همومي وتدهور معيشتي واضطراب عقلي وفكري».
ويستمر المجذوب في التعريف بأصيل منبته ومكانات حياته وتنقلات أسرته ثم من بعد انتقالاته هو تبعا للنداءات الخفية لمجذوب حقيقي مثله، فيقول:
شافوني أكحل مغلف يحسبوا ما في ذخيرة
وأنا كالكتاب المؤلف فيه منافع كثيرة
والمعني أنهم رأوني علي هذا المنظر من سوء الخلقة وسوء الحال وسواد الوجه، فلم يعتقدوا اني أحمل شيئا من علم ومن قدرات، وأنا كالكتاب الذي احتوي علما غزيرا فيه منافع للناس.
وفي مربع ورد في (قال المجذوب لعبد الرحمن رباحي) مربع تكرر عند الباحثة الفرنسية جان سيل ميلي يشير الي ان المجذوب ذو أصول تونسية وانه من نسل «فاطمة الزهراء» أي أنه من السلالة النبوية ولا أري في (ديوان القول المأثور للمجذوب) أثرا لهذا المربع الذي نصه:
أصلي من تونس الخضراء واللي عنده نسب يدور عليه
أنا ولد «فاطمة الزهراء» والكاذب «لعنة» الله عليه
ويتطابق النصان ما عدا في نطق قافية الشطرين الأول والثالث، إذ في نص «ميلي» نجد الخضرة والزهرة بدلا من الخضراء والزهراء، فهل فعلا أن المجذوب ذو أصول تونسية؟ وهل فعلا هو من نسل رسول الله؟ الله أعلم.
وهنا نعود مرة أخري لها (سيدي أحمد بن عروس) حيث نسب اليه البعض وبالذات (الشيخ سيدي عمر بن علي الجزائري الراشدي في كتابه ابتسام الغروس، ووشي الطروس في مناقب.. سيدي أحمد بن عروس المربع الذي يقول فيه ابن عروس:
جميع البلاد شوليت حتي ل.. (سبته) الحصينة
أنا مثل (بنزرت) ما رأيت الوادي وسط المدينة
وها نحن نري في (مربعات المجذوب) لجان سيل ميل نسبة المربع للمجذوب وهو أقرب للحقيقة اذا لم يشهد معاصرو الشيخ ابن عروس ومجاوروه بقوله الشعر، ولكن ربما وبعد زيارته للمغرب والتسوح في حارات وميادين بلدانها حمل بتلك المربعات النادرة التي ربما رواها إعجابا فنسبت له. أما سيدي عبد الرحمن المجذوب، فليس للمربعات التي صدرت منه أو نسبت اليه عدد، إذ ان عدد المربعات التي أوردتها الفرنسية جان سيل ميلي في دراستها بلغت 108.
أما ما ورد في ديوان القول المأثور/ من كلام سيدي عبد الرحمن المجذوب فعدد المربعات به 82 مربعا فقط.. كذلك أورد (محمد المهدي الفاسى في كتابه:
ممتع الأسماع) حوالي 36 مربعا، ويورد الأستاذ «رباحي» أن أول من أعتني بجمع الرباعيات المنسوبة الي المجذوب هو المستشرق الفرنسي «الكونت هنري دي كاستر» وكان ضمن جيش الاحتلال الفرنسي وقد أهتم بتاريخ وثقافة المغرب وبالذات ماكان منها بالتعبير العامي والشعبي وأصدر 1896 بباريس «جمعاً» كما يطلق عليه رباحي بعنوان (الأشعار الحكمية ، عبد الرحمن المجذوب).
كذلك فقد تلاه الاستاذ (محمد بن أبي شنب) فأورد في كتابه الصادر في ثلاثة أجزاء والمسمي «الأمثال العربية في الجزائر والمغرب) بعضا من رباعيات المجذوب، ويضيف «رباص» أنه أعقب ذلك كتابا صدر الأسبانية عن معهد الدراسات الافريقية في مدريد سنة 1955 ألفه (الشيخ محمد بن عزوز الحكيم) ويحتوي علي الأصل العربي للرباعيات التي جمعها المؤلف.
أما كتاب (القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمن المجذوب) فكما يورد الأستاذ «رباحي» فقد صنفه واعتني بشرح غريب ألفاظه «الأستاذ عبد القادر نور الدين» طبع ونشر «المكتبة الثعالبية لعدور بن مراد ردوسي التركي بالجزائر العاصمة».
ونحن مع الأسف لم نستطع أن نتحصل علي نسخة تحتوي شروح الأستاذ عبد القادر نور الدين، فلدينا أكثر من نسخة من ديوان «القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمن المجذوب المعنون (ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب مطلب من دار إحياء العلوم بالدار البيضاء بالمغرب).

إن هذا العدد الوافر من مربعات المجذوب والتي بالتأكيد هي التي انتقلت من المغرب الأقصي للجزائر وتونس وليبيا ومصر، يضعنا في مأزق ليس هينا الانفلات منه، فلو كان الأمر بيدي لانكببت علي وضع المربعات بأكملها أمام القاريء لتتضح قيمة الرجل وقدرة رباعياته علي التأثير والتنقل والرحيل من عقل الي عقل ومن بلد الي بلد، ولكن هناك محظورات حق الملكية الفكرية وإن كنت أربأ به عن منع الإفادة وإعطاء الحق لذويه، واستخلاص ابداع المجذوب من بين أيدي صناع الأساطير الكاذبة ورد الاعتبار لقيمة ومقام سيدي أحمد بن عروس، وإن كان كما الأدب الشعبي المصري نعتبره مشاعا ومجرد ترديده أو نشره هو تكريم لأهله من طوائف الشعب المختلفة.
والمربع تسمية خاطئة لاشك فإنه يحيلك في الحال إلي الشكل الهندسي الذي يتخذ نفس الاسم، بينما (الرباعي) أو (الرباعية) يعني ذلك اللون من الفن المنظوم رباعي الأجزاء أو الأشطر : أي الشعر الرباعي أو الشعر الذي يتخذ صورة الرباعية، فلا نستطيع أن نطلق علي «رباعيات عمر الخيام» أو «رباعيات صلاح جاهين» اسم المربع، ولكننا استخدمنا التسمية لأن «شعراء عظاما مثل «جابر أبو حسين» أو «سيد الضوي» وغيرهما ممن اهتم ومن أنشد السيرة الهلالية يطلقون علي الرباعي اسم «المربع»، وهم ينشدون سيرة «بني هلال» بمجملها من خلال المربع عدا بعض القصائد في بدايات الأجزاء الكبيرة تهييء الأسماع لاستقبال مربعات القص، ويقول «الراحل جابر أبو حسين» في حوار طويل أجريته معه أنه اضطر الي إعادة صياغة ماحفظه من شعراء دلتا النيل إلي (مربعات) إذ إن صعيد مصر لا يستمع لشاعر ينشد خارج هذا الشكل، وحين سألته : وهل التربيع كان سهلاً عليك، خاصة أن الملحمة الهلالية لا أول لها ولا آخر ؟ قال إنه «ربعها» من أولها إلي آخرها بمعاونة «مُربِّعين» كانوا يحترمون صناعة هذا الفن.
هكذا اضطررنا أن نجاريهم في المقولة التي لا يعرفون غيرها، فلو صدمناهم بتسميته «الرباعي»«الرباعية» فإنهم سيصمتون وكأنك عائد من أوروبا، أو كأنك تحاول وضع حاجز بينهم وبين ما استقروا عليه وتشككهم فيه. وهناك الآن في مصر محاولات للتربيع مثل تلك التي قام بها شاعر من جنوب مصر هو «عبد الستار سليم» وإخواته.
إذن فإن كل همي الآن أن أورد الكثير أو القليل من رباعيات المجذوب ليتأكد كل من مد يده في هذا الأمر في مصر أن أصول مربعاتهم مغربية، وأن أباهم الكبير هو «سيدي عبد الرحمان المجذوب» وأن الفلاح الصعيدي نسب علي منواله تماما مثلما فعل إخوة له في المغرب والجزائر وليبيا وتونس، ولم يكونوا بحاجة إلي اختراع الأسطورة التافهة حول ذلك الفارس الذي اختطف عروسا ليلة زفافها وهرب بها إلي الجبال وحين شرع في اغتصابها فاجأته بأحد المربعات فتاب وأناب وردَّها إلي أهلها سليمة نقية وفرش فراشا فقيرا أمام بيته بعد أن زهد الدنيا وراح يحكي الدنيا في مربعات.
إن الزهد هو المشترك بينه وبين سيدي أحمد بن عروس الحقيقي في تونس، وبينه وبين المجذوب(1) في المغرب. لكن المجذوب له محل ميلاد وله رحلة واقعية علي الأرض ورصد هذا فتناثرت الرحلة المكانية والحياتية والفكرية في كل مربعاته، بينما لا نعثر علي أي ملمح لابن عروس المنتحل الذي قامت عليه الدراسات الباطلة شكلا وموضوعا. كذلك فإن شيخنا الحقيقي «ابن عروس»، له محل ميلاد، وله معاصرون وشواهد علي وجوده، وبئر ومزار وأقوال رددت من بعده ومناقب رصدت وكل من جابيه في السوق القديمة بتونس رآه، وعاينه وهو يرفع الأحمال التعجيزية ويسألون وأجابهم بكلام لا يفك طلاسمه سوي الزهاد والمتصوفة أو المجاذيب من أمثاله. بينما «ابن عروس» المصري يبدو وكأن حدأة اختطفته وطارت، أو صبت عليه حامضا أذابه.
أما الهدف من سردنا تلك المربعات فهو استخلاص العبرة واستجلاب الحكمة التي في ثنايا كل رباعي سواء جاءنا من المغرب أو ليبيا أو الجزائر، وربما بالمقارنة مع بعض «المربعات» المصرية سيتأكد لك أصل المربعات ومن أين جاءت، وكيف وصلت إلي صعيد مصر ولماذا احتفي بها الصعايدة ولم تزج في بلاد الشمال سوي لدي بعض من حاول استغلالها بطريقة غير علمية أو حتي أخلاقية.
يقول «عبد الرحمن رباحي» اننا نميل إلي الاعتقاد أن طائفة من الأشعار المنسوبة لعبد الرحمن المجذوب من نتاج غيره علي سبيل التقليد والإنزواء تحت راية حكمته وفنه الشعري أو نلاحظ علي الأقل أنها تعرضت للتحريف اللفظي من طرف بعض الرواة المتأخرين».
وكنا دائما في دراساتنا في الأدب الشعبي ننسبه لهذا الحذف والزيادة علي أساس أنه ليس ملكا لأحد بعد ذوبان صاحب النص القديم وعبوره أي النص من شفاه إلي شفاه، حيث تتعدد الأمزجة والمواقع الطبقية ولحظات القول بظروفها ومفارقاتها فيتحور الكلام تبعا لذلك وإن كان من الممكن دورانه حول فكرة الشاعر الأول الذي هو فلاح في معظم الأحيان، لكن «المجدوب» ينال الآن شرف انتماء نصوصه للأدب الشعبي الذي دائما ما عرفناه بأنه مجهول المؤلف ينتقل شفاهيا... الخ
فمثلا فإن أزجال الأستاذ محمود بيرم التونسي علي الرغم من اقترابها من الشعب والتعبير عن قضاياه، ظلت كما كتبها هو، ليس بسبب التدوين فقط لكن ولأن وراءها فكرا وتفكيرا أو إعمال عقل وصياغة مما يتطلبه فن الزجل لن نجد له مثيلا في رباعيات «المجذوب» فالرجل يلتقط حكمته مما حوله من أحوال الدنيا، ومفارقات الحياة، ويقدمها في أبسط صياغة ممكنة تصل أحيانا لحد السذاجة، وهو ما يتوافق مع ذهنية الجماهير في درجاتها الدنيا، بينما ظلت أزجال العم بيرم سجينة الطبقة الوسطي في دوائر بعض المثقفين والمتعلمين.
تلك الحكم المطلقة التي لا تغيرها أزمان والتي هي من أعمدة خصائص الإنسان والحياة، اضافة إلي تلك البساطة المتناهية في الصياغة، واستعمال لهجة عامية ليست مغربية تماما وإنما هي وسط بين أرجاء اللهجات العامية في المغرب العربي هي التي جعلت أشعار «المجذوب» تترك المغرب الأقصي لتنتشر في أنحاء المغرب العربي تونس الجزائر ليبيا ثم تنتقل إلي مصر وقضية أشعاره في مصر لها وقفة أخري.
إذا فبالنسبة للمغرب فإنني سأعتمد اعتمادا كاملا علي الطبعة الشعبية من ديوان «المجذوب» والمسمي (القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمن المجذوب) الصادر من دار احياء العلوم الدار البيضاء المغرب.
أما بالنسبة «للمربعات الجزائرية» إذا جازت التسمية فإنني سأعتمد بشكل أساسي علي ما جمعته الباحثة الفرنسية جان سيل ميلي، وأدين في معرفتي بجهدها الكبير إلي عمنا الأديب والمؤرخ الراحل (الطاهرقيقة) وكيل وزارة الثقافة التونسية.
كذلك ومن الجزائر فإن جهد الأستاذ (عبد الرحمن رباحي) جهد مشكور في العمل علي شرح معظم مربعات «القول المأثور» وله مآثره كسر حواجز اللهجة وشرح ما أستعصي علينا فيها، كما أننا اعتمدنا عليه كثيرا في تعداد مصادر الكتابة عن شيخنا ومن كتبوا عنه وأولهم «المستشرق الفرنسي «الكونت هنري دي كاستر» وكان عسكريا برتبة مقدم في جيش الاحتلال كما ذكرنا من قبل .
كذلك وبالنسبة للنصوص المغربية فإن ما أورده الأستاذ (محمد مهدي الفاسي) في كتابه (ممتع الأسماع) مربعات تستحق الاعتماد علي نصوصها اعتمادا كبيرا.
أما بالنسبة للنصوص الليبية فإن اعتمادنا كان علي ما ورد علي لسان الصديق الفاضل وخبير الأدب الشعبي الأستاذ (أحمد النويري) من خلال حلقاته الرائعة التي قدمها في تليفزيون ليبيا، وكنا قد التقينا في تونس بمدينة الحمامات وقضينا أوقاتا طيبة نقارن بين النصوص الليبية والمصرية وهو إنسان خلوق علي دراية عميقة بما ينشغل به ويشتغل.
أما في مصر فإن بداية جمع «المربعات المصرية» كانت بعض الجهد الذي قدمنا به (سيرة بني هلال) البعض جمعته من رواة السيرة والشعراء والبعض وهو الأكثر تماسكا وصياغة وحصرا للحكمة جمعته من عامة الناس الذين مازالوا يحتفظون ببعض المربعات ويفخرون بامتلاكها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.