ينتفض الشاعر الشعبي عزت قرشي بربابته وصوته وجسمه، ويصيح بقوة، ومن ورائه العم فاوي، عازف الربابة وأحد أفراد فرقته، إيذانا بنجاح زيدان- ابن أخت دياب الزغابي- في قتل مطاوع، تابع الزناتي خليفة ملك تونس، لينال شرف ثأر الأمير الخفاجي عامر، وذلك بعد مرثيات طويلة قالها قرشي في البطل العراقي، خلال ليلة رمضانية بحديقة السيدة زينب تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة. يقول قرشي (32 عاما) من قرية المشودة بمركز جرجا (محافظة سوهاج): السيرة جزء من حياتنا اليومية، نحياها ونعيش تفاصيلها. ويؤكد على كلامه العم فاوي، الذي ما يزال منفعلا، حتى بعد انتهاء الفرقة من تقديم الجزء الخاص بإقدام الأمير خفاجي عامر على مبارزة الزناتي خليفة، وقتله على يد مطاوع غدرا، ومرثياته ثم أخذ الثأر. ويقول الباحث هشام عبد العزيز- مدير أطلس المأثورات الشعبية: في الصعيد تكون السيرة بطلا، حيث يستمع إليها الآلاف في الحفل الواحد، ولكل من الجالسين بطله الخاص، مضيفا أنه ليس صحيحا أن هذه السيرة تخص الأمير أبو زيد الهلالي فقط، وإنما هي سيرة الأبطال مثل الخفاجي عامر ودياب الزغابي، لكن أبو زيد كان بطلا دراميا يحول مسار الأحداث. ويشير عبد العزيز إلى أن هناك الآلاف من شعراء السيرة وحافظيها ومتذوقيها من الأطفال إلى المسنين. وحسب قرشي، فقد حفظ السيرة الهلالية منذ سن خمس سنوات، عن والده قرشي مطاوع، وجده مطاوع، عندما كان يشارك معهم في إحياء حفلات بأنحاء مختلفة في الصعيد. يقول قرشي: السيرة الهلالية أدب شعبي يحوي القيم والأخلاق، مثل قيم احترام الذات والكلمة والوفاء، التي تميز فرسان السيرة، فهي جزء أو كل الصعيد المصري، فالناس في الصعيد تعرف السيرة أكثر مما تعرف عن العالم نفسه. ويخشى الشاعر الشعبي عزت قرشي على سيرة بني هلال من الانقراض في الوقت الحالي، فالأضواء عليها قليلة جدا، كما يقول، ورغم ذلك، يؤكد قرشي أن هناك رواة بالمئات يحفظون السيرة، لكن لا أحد يعرفهم، ولذلك يأمل أيضا في نقابة تضمهم وتحافظ على حقوقهم وتراثهم الشعبي. ولا يستطيع قرشي أن يغني إلا من خلال فرقته، ووفق طقس وجلسة يوفرهما له مستضيفوه وفرقته، ويقول إن سيرته الصعيدية- أي التي تروى في الصعيد- هي السيرة الأصلية، لأنها على طريقة المربعات، مثل مربعات الشاعر الشعبي ابن عروس، وتكون أسهل في تلقيها، أما السيرة التي تروى في بحري (السباعية)، فهي تطيل أكثر مما تمتع، فيقول لك الراوي أبو زيد عمل كذا وكذا، وهي أصعب في تلقيها، وفقا له. لكن الباحث هشام عبد العزيز مدير أطلس المأثورات الشعبية يفرق بين روايتي سيرة بني هلال على الطريقة القبلية أو البحرية، بأنها في الصعيد تكون على شكل مربعات، موضحا أن الشاعر جابر أبو حسين هو أول من حاول بناء هذه المربعات، وحكم السيرة فنيا بها، ثم جاء بعده سيد الضوي وعز الدين نصر الدين، وقرشي سليل هذه المدرسة والسيرة هي عمل ضخم، بحسب عبد العزيز، يقوم على فكرة هجرة العرب من الجزيرة، حيث الصحراء القاحلة، إلى المناطق الخضراء، حيث تونس وجنوب إسبانيا مرورا بمصر والجزائر. وعن رواية السيرة باللغة العربية الفصيحة، وجزء منها باللهجة الصعيدية، يقول مدير الأطلس: الفصيح في رواية بني هلال هو الأصل، والمروي عبر القصيد في بحري، ويبدأ كما في الرواية الصعيدية بالصلاة على النبي كاستهلال، لكنه يدخل الموال عكس المربعات الصعيدية. و يضيف: الشاعر عبد الرحمن الأبنودي أغفل رواية بحري بتجاهله للشاعرين فتحي سليمان في المنوفية ، وسيد حواس في الغربية ، واعتماده على رواية واحدة من السيرة لجابر أبو حسين ، لافتا إلى أن السيرة انتقلت من الجزيرة عبر مصر وتونس والجزائر وأسبانيا، وفي أماكن توقفها وبالتالي أثرت وتأثرت. وقال الباحث هشام عبد العزيز إن أن المشكلة تكمن في عدم وجود فريق بحثي بين الجزيرة ومصر وتونس والجزائر وأسبانيا، لرصد تحولات السيرة الهلالية، حيث استقرت القبائل العربية، موضحا أن تغيير المصريين للغتهم بسرعة إلى العربية كان بسبب استقرار الكثير من القبائل العربية بها.