القنوات الناقلة لمباراة مصر وتنزانيا اليوم مباشر في أمم أفريقيا للشباب.. والموعد    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بيل جيتس ينوي إنفاق قسم كبير من ثروته على الأعمال الخيرية    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    بجائزة 50 ألف جنيه.. محمد رمضان يعلن عن مسابقة جديدة لجمهوره (تفاصيل)    7 يونيو.. جورج وسوف يُحيي حفلًا غنائيًا في لبنان بمشاركة آدم    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    اجتماع بين الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية واللجنة الوطنية للمستهلك بجنوب إفريقيا لتعزيز التعاون في حماية المستهلك وسلامة الغذاء    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    بنك القاهرة بعد حريق عقار وسط البلد: ممتلكات الفرع وبيانات العملاء آمنة    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    عاجل- مسؤول أمريكي: خطة ترامب لغزة قد تطيح بالأغلبية الحكومية لنتنياهو    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن الأبنودى يكشف
الشاعر المصرى ابن عروس ليس مصريا وليس شاعرا!
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 02 - 2014

كان حين يحتدم حوار الاختلاف بيننا وبين أحد من أهالينا مازلت أذكر يصيح مستنكرا: «دي جات في الجورنان، ح نصدقك انت ونكدب جورنان الحكومة؟»
مازلنا مثل أهالينا أسري للكلمة المطبوعة. مهما بلغ ارتقاؤنا وثقافتنا، إلا أن نصا علي ورق لا يمكن أن يطاول مصداقية الكلمة التي طبعت «بالمكنة» فالنص مهما بلغ من هزال وقلة قيمة إلا أنه إذا طبع يتحصن بأسر خاص تضفيه عليه الطباعة.
قد تبدو هذه نظرية هزلية ولكن صدقوني، مازلنا مثل أهالينا نعيش أسر الكلمة المطبوعة في كتاب أو جريدة أو نشرة، ومازالت هذه القداسة الزائفة تتسلل خفية وتمارس دورها القيمي الذي تضفيه علي النص، فنصبح نحن أهالينا الذين يصدقون إلي حد الإيمان «جورنان الحكومة» مع أن معظم الكذب في بلاد كبلادنا لا يتسرب ولا يفوح ولا يفعل فعله لولا وجود هذه المصادر.
لا أقول ذلك اعتباطا ولكن إليكم ما يلي:

من كتيب تكونه عدة وريقات طبعت بتلك المطابع التي كانت بشارع الصنادقية بجوار جامع الأزهر الشريف بالقاهرة، كان يباع بأسواق القري الأسبوعية بنصف قرش إلي جوار كتيبات تحوي بعض أقاصيص منفلتة من ألف ليلة وليلة أو حتي مستقلة عنها تسير علي نهجها مثل:
1 مواويل «سيد درويش الطنطاوي» وتمييزا له عن خالد الذكر فنان الشعب سيد درويش كتيب صغير بغلاف من نفس ورق الصفحات عليه صورة رجل طويل عريض بينفخ في أرغول طويل مجوز، وفي داخله مجموعة من مواويل مؤلفة ليست متوارثة منها الغث ومنها السمين.
2 قصة (قمر الزمان) وما جري له مع «السيدة بدور» ابنة الملك الغيور.
3 قصة (مريم الزنارية) وما جري لها مع محبوبها نورالدين المصري بالتمام والكمال والحمد لله علي كل حال.
4 نوادر «الخواجة نصر الدين الملقب بجحا الرومي» وتليها (نوادر أبو نواس)
5 ألف ليلة وليلة
6 (فتوح اليمن) المعروف برأس الغول، وعلي الغلاف لوحة كتب تحتها «قتال سيدنا علي» مع رأس الغول وصورة له علي فرس أسود يطعن رأس الغول بسيفه الذي يخرج طرفه من ظهره.
7 قصة (الزير سالم أبوليلة المهلهل الكبير) وقتل (كليب) وما جري له مع (جساس بن مرة) من الحروب والأهوال. ليست الطبعة الكبيرة، وانما كتيب مكون من 24 صفحة قطع صغير شأن المجموعة كلها.
8 (قصة العاشق والمعشوق)
9 (قرعة النساء): «أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ونفعنا بهن، آمين يارب العالمين».
10 تلك القصة النحيلة المنفلتة من «سيرة بني هلال» تحت عنوان:
(قصة الطرب والألحان، في زواج الأميرة شامة للملك سرحان)
11 كتاب (الرحمة.. في الطب و الحكمة) لجلال الدين السيوطي.
وهو كتاب في الطب الشعبي وصنع العقاقير والمعالجة من وجع السرة والبرد القديم والرمد إلي علاج الطاعون وخفقان القلب إلي علاج «المربوط» الذي عملوا له عملا فكف عنه الانتصاب وممارسة الجنس إلي تقوية «الجماع» وعلاج الفرج البارد إلي رد الثيب بكرا إلي كيفية تغليظ الذكر، إلي عقد المرأة لأن لا يطؤها غيرك، إلي علاج الغيرة إلي عمل الحبر والكحل إلي كيفية صيد الأسماك والطيور إلي مثل ذلك وغيره.
12 وما نحن بصدده وهو كتاب يحمل اسم (ابن عروس) ويحتوي علي بعض من «مربعاته الشعرية؟؟!!» والكتاب أكثر سذاجة من سابقيه علي الرغم من قيمة المربعات الشعرية ويقص بصورة ساذجة عن قاطع طريق كان يغير علي بيوت الأغنياء وممتلكاتهم، وفي ليلة اختطف عروسا ليلة عرسها وحين أراد أن يفعل بها الفاحشة خاطبته بمربع شعري عن النزاهة والأمانة والعرض فارتبك وتاب وأناب واعادها إلي أهلها سالمة وجلس هو يغزل علي وزن «مربعها» الشعري مربعات حكم دامت وعاشت حتي الآن.
والقصة لا تقل في سذاجتها عن كل مجاوراتها علي «فرش» الرجل الفقير الذي يبيع ماسبق وأوردناه، وبها من التلفيق ما ابتلعناه لانه كان «مطبوعا» فصدقنا القصة أو اعتبرناها قصة خيالية مثل سابقاتها إلي أن صدر كتاب من مطبوعات المكتبة الثقافية، وهي سلسلة كتب ستينياتية كانت تصدر تباعا وكان ثمنها قرشين اثنين، وصدرت منها دراسات قيمة وان كانت موجزة إلا أنها فتحت أبوابا عدة لمن أراد السعي نحو توسيع دوائر الاطلاع والتثقيف في الموضوعات التي أوردتها.
من ضمن ما صدر ذلك الكتاب الشيق للأستاذ «محمود فهمي إبراهيم» في الأدب الشعبي، والذي اتكأ علي الكتيب الصغير الساذج الذي قرأناه ليحوله إلي حقيقة من حقائق الشعر الشعبي المصري أو الشعر بشكل عام. إلي جانب مخطوطة «تيمورية» أوردت بعض نصوص منسوبة للرجل الأسطورة.
لقد جذبته الكلمة «المطبوعة» وأوقعته في حبائلها دون أن يسأل عن ذلك الذي سطر ذلك الكتيب، أو أن يبحث عن مراجع تؤكد ما جاء بالأوراق الهزيلة، ومحمود فهمي إبراهيم رجل موسوعي متعدد المواهب والعطاء، فكيف اعتمد وريقات الكتيب بكل ما جاء في القصة من «نخع» دون أن يبحث في مصداقية القصة الساذجة لذلك اللص الذي أتابه الشعر، وفتاة قروية حولته من قاطع طريق إلي زاهد يطلق لحيته ويجلس يحيك ويصوغ المربعات في الحكمة والأيام، ثم في ايراده المربعات ختمها بخاتم «ابن عروس» ومنحه ملكيتها بصورة أثارت البلبلة وجعلت البعض منا يمشي خلف القصة وكأنها حقيقة الحقائق، وطبعت كتب، وخرجت دراسات. سامح الله من وضعها علي الورق و«طبعها» لتأكيد الكذبة العلمية وكأن مجرد «خطف» الظواهر الوهمية ومحاولة تحويلها إلي حقائق يعطي أصحابه الحق في ادعاء الثقافة والعلم وأخذ مكانة هم يعرفون الآن جيدا أنهم لا يستحقونها.
نحن لا نلوم (محمود فهمي إبراهيم) علي تصديقه الوريقات الساذجة، وكان يمكنه أن يورد «المربعات الشتوية الشعرية» ويقدمها لنا بأسلوبه الجميل ووعيه العميق، ولكننا نؤكد وقوعه في فخاخ الواقعة المختلفة التي تحولت إلي ظاهرة فيما بعد، فلقد أتي من تسلم القصة من بعده ليحولوها إلي قصة حقيقية وليؤكدوا أن «ابن عروس» إنسان حقيقي وكأنهم التقوه وحاوروه واستمعوا إليه ، واحتفظ بالأشعار المنسوبة إليه دون تمحيص أو تدقيق أو محاولة للمعرفة الحقيقية، وانما انتشوا بروعة الاكتشاف الزائف، ليحولوا الرجل الوهم إلي أكثر شعراء مصر أصالة تجربة وصدق تعبير، وصفاء رؤية، واحتضان لا لبس فيه لضمير الوعي والاحساس الشعبيين، وربما اتخذوه مطعنا لابداعنا الشعري.
وإذا فلم يكن هناك ابن عروس في مصر المملوكية، ولم يحدث ان كان ابن عروس (الوهمي) شاعر مقاومة استفزه ظلم الظالمين، وقسوة الحكومات الغريبة إلي كل تلك المعلومات المؤلفة عن روبن هود المصري زعيم العصابة الذي صارت الحكومة تعمل له ألف حساب.. ولم تدركه شيخوخة ليتوب وينوب في أواخر عمره.
أقوال ومعلومات تدعي العلم والرصانة وان كانت أقرب إلي أن تصلح «حجاوي» وخراريف وحواديت لجداتنا حتي ننام.
كذلك لم يكن الرجل الوهم مختبئا يوما في مغارة ثم هجم علي موكب عروس ليفر أهلها وينطلق بها، فنظرت فرأته فقالت شعرا أدخل التوبة إلي قلبه في الحال كما يلقم الطفل حجرا بطفل العجيب أن عمره كان ستين عاما حين اطار أمامه جيش الرجال الذين كانوا يشيعون العروس إلي بيت زوجها.
ولا ادري كيف جرؤ هؤلاء علي ادعاء تاريخ لحياة الرجل الذي لم يوجد ووقائعه ونوع الحياة في زمنه، والقول بثقة في انه في عام 1780 ميلادية عاش ابن عروس حيث...
وكيف يدعون بأنه ذائع الصيت بين ابناء الريف وانت لن تجد فلاحا واحدا سمع اسم ابن عروس أو ردده ناسبا إليه ما ينسب له من قبل من افتعلوا واخترعوا هذه القصة الوهمية ولم نسمع في صعيد مصر اسمه علي الإطلاق رغم أن الزعم بصعيديته تزحم أوراق من أكلوا خبزا لفترة طويلة علي مائدة الأسطورة الكاذبة من المدعين والمرتزقة بالقول.
إضافة إلي كل هؤلاء الذين استغلوا ما أوردنا من بيانات وأقوال وضعوها في كتبهم الهزيلة الهزلية دون الاشارة إلي ذلك، وبالذات فيما يخص اسم ابن عروس التونسي.. اعتمادا علي النسخة الوحيدة التي أملكها في مصر والمسماة: (ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب سيدي أحمد بن عروس) في محاولة لشطر «ابن عروس» إلي ابني عروس أحدهما مصري والآخر تونسي للتخلص من مأزق عدم وجود دليل حقيقي علي وجود ابن عروس المصري. والخلط بين الحقيقة والكذبة المفضوحة في تلفيق شديد وسذاجة غير محدودة.
كتاب ابتسام الغروس ووشي الطروس
تأليف: عمر بن علي الراشدي الجزائري
يتألف كتاب الجزائري من 522 صفحة وكلها حصر لمناقب الصوفي الكبير وكراماته التي شهدها الكاتب من بعض ملازمته أو مما سمع من آخرين يعتقد صدقهم، وعدد المناقب التي دونها في كتابه مائتا منقبة بالتمام والكمال.
أما تقسيمه لكتابه فتم علي نحو قوله إلي: مقدمة وثلاث أبواب، أما المقدمة فتشتمل علوم القول علي فصول، و تحتوي علي نبذ كافية منها، وأصول.
ابتسام الغروس
(هذا كتاب ابتسام الغروس ووشي الطروس)
في مناقب قطب الأقطاب ، والغوث الملتج إليه بلا ارتياب السامي مقامه. الذي انتشرت علي آفاق البسيطة أعلامه، المحيي رياض علوم الحقيقة بعد الدروس. وحيد دهره، وفريد عصره: سيدي أحمد بن عروس، قدس الله ضريحه، واسكنه من الجنان فسيحه، تأليف العالم العلامة، البحر الحبر الفهامة، من لازالت الفضلاء نيرات فوائده تهتدي الشيخ سيدي عمر بن علي الجزائري الراشدي». برد الله ثراه، واسمي قدره ومثواه.. آمين.
أما الباب الأول:
فهو للتعريف بالشيخ رضي الله عنه ، وذكر بدايته، وترتيب القول في أحواله الدالة علي صلاحه وهدايته.
وأما الباب الثاني:
فهو في الكشف عن «طريقته» الباهرة، والرد علي منكري ولايته الظاهرة
وأما الباب الثالث:
ففي ذكر طرف من مناقبه الجليلة، وكراماته التي هي بإثبات ولايته كفيلة.
ويقول الراشدي وقد هاله غزارة السهام ونبال التشكيك الموجهة إلي صدر الشيخ: «وإنما دعاني لاقتحام مخاضه هذه الكلف، والتعرض لرمي من استهدف بما ألف، تناكس أهل الزمان بما أوردته، وتناعسهم ولهم رسوخ القدم فيما أرد ته»، فلذلك انتدبت لجمع هذا الكتاب، متعرضا فيه إما لمدحة أو عتاب علي أنني راض بما أحمل الهوي وأخلص منه لاعلي ولابيا!!»
والكتاب بديع وشامل يرتحل بك بين «حقيقة الولاية والولي» والصوفية وماهية التصوف» و«معاني الفقر وحقيقته والتعريف بالفقير وعلو قدره، والفرق بين الفقر والتصوف» و«حقيقة الزهد» و«في ذكر المقامات والأحوال والكرامات والتجلي» إلي آخر هذه الأمور الغائبة في الغموض والفروق بينها التي لاتبين للمتعجل والعين المتصفحة بإهمال.
الباب الأول:
في التعريف بالشيخ أبو العباس أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبو بكر بن عروس «الهواري».. وقد أختلف علي «أبي بكر».
يقول الراشدي: «وكنت جمعت بالزاوية العروسية من نظن به معرفة نسب الشيخ من سائر أصحابه وقراءته فاتفقوا علي صحة ما قبل أبي بكر من آباء الشيخ واختلفوا في أبي بكر فمنهم من صححه ومنهم من قال إنما هو «علي»، ولم يستند واحد منهم في صحة دعواه إلي أمر جلي. فلما كثر بينهم ذلك الاختلاف ولم يحصل منهم فيه علي ما أكتبه ائتلاف، صعدت إلي الشيخ رضي الله عنه مع بعض أصحابه متعرضين في المسألة الي جوابه فقال وقد أطلعه الله من أمر اختلافهم علي سره !! فعلمت بإشارة الشيخ أن اختلافهم لا أثر لقائله.
وكان جده وهو ما يهمنا في هذا المجال وربما كان هو الهدف من كتابة هذا العمل كان جده (عروس) المذكور من أكابر الصالحين علي ما ذكره قرابة الشيخ وانعقدت عقود أشربتهم وغيرها أنهم (هوارة).
ويقول الراشدي الجزائري: «حدثني الثقة أنه سمع الشيخ في غير ما مؤمن يقول: «نحن من عرب تميم» وكذلك سمعته منه رضي الله عنه فهو علي هذا «تميمي» والله أعلم».
ومولده بقرية بالجزيرة القبلية علي مسافة خمسين ميلا عن تونس اسمها «المزاتين» بوادي الرمل، وكان يسمي «بأحمد الرضاع» من أجل أنه كان ملازما للرضاع وهو في سن من يلعب مع الصبيان، ويقول أحد اقربائه المسنين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن عروس: «ولقد رأيته يلاقي أمه وعلي ظهر ها جرة الماء قد استقتها وهي منقلبة بها الي بيتها فيحلف لها لترضعنه فتحني عليه وهو قائم وتناوله ثدييها قال «وأمه» مسراتيه» المنسب واسمها «سالمة» تأيمت بموت زوجها والد الشيخ وتزوجت وحملت معها لبيت زوجها الشيخ لصغر سنه دون أخويه الأكبرين «أبي بكر» و«عبد المغيث»، ومازال مع أمه الي أن مات زوجها وأولاده من غير أمه لو باء استأصلهم، فرجع الي أخويه وأهله وقال لهم حين رآهم: «جاءت في» «َالثغرً» مات هو وأولاده» يقصد زوج أمه وأولاده وسلمت أنا وأمي فضحكوا منه لمقالته هذه.
«ثم إنه رضي الله عنه فرّ من أهله قبل بلوغه وجاء الي تونس وآوي منها الي زاوية الشيخ ابي عبد الله محمد المحجوب» ثم صار يتنقل ثم حفظ القرآن وصار يجوده
(1) نسبه إلي «مسراته» التونسية
وزيادة علي ملازمته لخدمة مقام الشيخ «سيدي محرز بن خلف» فقد خدم نشارا للخشب بدار العود، وخدم أيضا نجارا خارج «باب السويقة» من تونس، وقد شوهد ينجر المحاريث بقرية «الأنصارين» بجبل شعيب غربي تونس، وخدم في أفران، وفي عمل البنيان، وكان أهله يخجلون من امتهانه تلك المهن، ولقد ذهبوا اليه وهو في فرن القصيبة من بلد «بنزرت» ليمنعوه بالقوة عن ممارسة هذه الأعمال والعودة به قسرا الي بلدته، إلا أن صاحب الفرن أكرمهم واستضافهم ليلة وظل يحكي لهم عن مناقب وكرامات ابنهم وفي الصباح حين حاولوا اعادته وألحوا عليه في ذلك «استلقي رضي الله عنه علي قفاه وقال لهم: «كروني من كراعي» ثم سكت عنهم وتركهم علي ماهم عليه من اعلان الملام وتوسيع دائرة الكلام:
عابوا المحب وقد رأوا لغرامه أثرا.. أعاد ربوعه آثارا..
عذلوه إن خلع العذار ولو دروا سر الغرام لاوسعوا الأعتذار
كم بين من يستعذب التعذيب في مرضاه من يهوي ويعتلي نارا
فدعوا الملام واعذلوا إن الهوي ما بيننا قد أسدل الاستارا (2)
من «بنزرت» إلي «باجة»
ثم انتقل ابن عروس من «قصيبة بنزرت» إلي «باجة»، وكان أكثر جلوسه عند باب الجامع الأعظم منها، وكان مدة إقامته بها يعمد الي الأفئدة (3) التي يلقيها الجزارون أيام رخص اللحم عندهم، فيغسلها ويجعلها في «برمة» (4) ويطبخها إما علي نار افران الجيارين أو يجمع بعضا من الأحطاب والعشب ويطبخ علي نارها «وغالب اقتياته»(5) من ذلك، وكان رضي الله عنه يأكل المنبوذات من الخضر والكسر الملقاة ولا يتسول.
ثم إن «ابن عروس» انتقل الي «ميلة» وجلس بها لتأديب الصبيان(6) ومن «ميلة» التي كرر كثيرا أنه كان يؤدب الصبيان بها انصرف الي المغرب وأقام بمقام الشيخ الولي الكبير «أبي مدين شعيب» رضي» الله عنه بتلمسان ويرددون أنه دخل فاس ووصل إلي مراكش ودخل «سبتة» أعادها الله لإقامة كلمة التوحيد بها ومن كلامه الدال علي صحة ذلك المستفيض النقل عنه
قوله :
جميع البلاد شوليت
حتي لسبته الحصينة
انا مثل «بنزرت» ما رأيت
الوادي وسط المدينة
وهذا «الرباعي» أو المربع المنسوب لسيدي احمد بن عروس يثير لدينا كل الشك إذن يظل فريدا مع قليل منه في كافة أقواله ولا يمكن لشاعر إذا ما كان ابن عروس شاعرا يبدع بضع مربعات نادرة طوال حياته، ولكنها الثقافة الشعبية المنتقلة والسائرة بين البشر من فم إلي فم خاصة أنه قالها بعد العودة من المغرب وهي الرحلة الوحيدة إلي خارج تونس في طول حياته. ولنا عودة لهذا الأمر. وأقام رجلنا مدة طويلة بالمغرب بلد المتصوفة والمجاذيب وأصحاب الطرق والشعراء ثم عاد الي تونس وقد شب واكتمل وعلي ما أهل له من المعارف الربانية كما يقول عمر الجزائري نزل بالسوق الجديدة ولم يكن قد عمر فعمره الله ببركة الشيخ أبو الصرائر.
كان ابن عروس حسن الهيئة نظيف الحال يرتدي جبة بيضاء من صدف وشملة بيضاء ويلبس القبقاب في الشتاء والصيف وكان يشهد الصلوات كلها بجامع الزيتونة، ذلك قبل أن يحمل صرائره ويثبت أنه «شيال الحمول». يقول الراشدي «إتخذ الصرائر ولم يحملها دفعة واحدة ولا نقلها في آن واحد وإنما كان الأمر فيها بالتدريج، فصر أولا في طرف كسائه صرة قدر «النارنجة» ثم زاد فيها إلي أن عادت قدر الصاع، ثم قدر الوبية، ثم كذلك إلي أن عظمت جدا وصارت جملة صرائر فأخذ لنقلها خشبة علقها بطرفيها وجعل يحملها علي كتفه الأيمن تارة وعلي كتفه الأيسر أخري وهو رضي الله عنه يمشي بها في سائر أزقة تونس بحيث إنه لم يترك شارعا إلا مر به ولا موضعا من عمرانها أو خرائبها إلا سلكه أو آوي إليه.
يقال إن تلك الصرائر كانت حمولة عظيمة وأن ابن عروس مر يوما بسوق الجزارين من تونس المحروسة وانزل صرائره فإذا بعريف الحمالين الذين يحملون الزيت وهو الحاج «عثمان الإسماعيلي»وكان أية وقته في حمل الاثقال، فجاء إلي رحل الشيخ رضي الله عنه وهزة ليحمله علي وجه الامتحان، فلم يقدر علي ذلك، فلما أن بان عجزه وظهر للناظرين عدم قدرته علي ذلك قال «ياجماعة المسلمين، بلغت حملتي ثمانية قناطير أو قال أكثر وعجزت عن هذه الصرائر كما ترون، فما يحملها هذا الرجل بقوة إنسانية ولا بقدرة بشرية، وإنما ذلك بأمر من ربي وسر إلهي». وكان أحمد بن عروس يحملها دون كلفة في حملها، ولا مشقة يظهر أثرها عليه، وربما وهو لم أعجب يعلق بها .
........................................................................................
(1) جروني من ذراعي (2) بالطبع هذا شعر عمر الراشدي وليس شعرا لابن عروس الذي لم يثبت أنه كان شاعرا. (3) قلوب الجهائم وحوائجها. (اناي فخاري للطبخ. (5) مأكله. (6) كشيخ الكتاب الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.