ننشر أسعار الذهب في مستهل تعاملات اليوم الأحد 2 يونيو    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 2يونيو 2024    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس شعبة المخابز يتحدث عن تطبيق قرار الخبز    أسعار الخضار في الموجة الحارة.. جولة بسوق العبور اليوم 2 يونيو    الصحة العالمية تُحذر من أزمة صحية جديدة: الجائحة التالية مسألة وقت    سيناتور أمريكي: نتنياهو مجرم حرب ولا ينبغي دعوته أمام الكونجرس    وسام أبو علي: كهربا يوجهني دائمًا    خلال ساعات.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الفيوم    مصرع سيدة وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    339 طالبًا بالثانوية الأزهرية بشمال سيناء يؤدون امتحاني الفقه والإنشاء    الفنان أحمد جلال عبدالقوي يقدم استئناف على حكم حبسه بقضية المخدرات    عاجل.. هذه الدولة العربية هي الوحيدة التي تحتفل بعيد الأضحى يوم الإثنين.. تعرف عليها    عبير صبري: وثائقي «أم الدنيا» ممتع ومليء بالتفاصيل الساحرة    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    توقيف يوتيوبر عالمي شهير نشر مقاطع مع العصابات حول العالم (فيديو)    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارةً جويةً جنوب لبنان    مواعيد القطارات اليوم الأحد على خطوط السكك الحديد    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن الأبنودى يكشف
الشاعر المصرى ابن عروس ليس مصريا وليس شاعرا!
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 02 - 2014

كان حين يحتدم حوار الاختلاف بيننا وبين أحد من أهالينا مازلت أذكر يصيح مستنكرا: «دي جات في الجورنان، ح نصدقك انت ونكدب جورنان الحكومة؟»
مازلنا مثل أهالينا أسري للكلمة المطبوعة. مهما بلغ ارتقاؤنا وثقافتنا، إلا أن نصا علي ورق لا يمكن أن يطاول مصداقية الكلمة التي طبعت «بالمكنة» فالنص مهما بلغ من هزال وقلة قيمة إلا أنه إذا طبع يتحصن بأسر خاص تضفيه عليه الطباعة.
قد تبدو هذه نظرية هزلية ولكن صدقوني، مازلنا مثل أهالينا نعيش أسر الكلمة المطبوعة في كتاب أو جريدة أو نشرة، ومازالت هذه القداسة الزائفة تتسلل خفية وتمارس دورها القيمي الذي تضفيه علي النص، فنصبح نحن أهالينا الذين يصدقون إلي حد الإيمان «جورنان الحكومة» مع أن معظم الكذب في بلاد كبلادنا لا يتسرب ولا يفوح ولا يفعل فعله لولا وجود هذه المصادر.
لا أقول ذلك اعتباطا ولكن إليكم ما يلي:

من كتيب تكونه عدة وريقات طبعت بتلك المطابع التي كانت بشارع الصنادقية بجوار جامع الأزهر الشريف بالقاهرة، كان يباع بأسواق القري الأسبوعية بنصف قرش إلي جوار كتيبات تحوي بعض أقاصيص منفلتة من ألف ليلة وليلة أو حتي مستقلة عنها تسير علي نهجها مثل:
1 مواويل «سيد درويش الطنطاوي» وتمييزا له عن خالد الذكر فنان الشعب سيد درويش كتيب صغير بغلاف من نفس ورق الصفحات عليه صورة رجل طويل عريض بينفخ في أرغول طويل مجوز، وفي داخله مجموعة من مواويل مؤلفة ليست متوارثة منها الغث ومنها السمين.
2 قصة (قمر الزمان) وما جري له مع «السيدة بدور» ابنة الملك الغيور.
3 قصة (مريم الزنارية) وما جري لها مع محبوبها نورالدين المصري بالتمام والكمال والحمد لله علي كل حال.
4 نوادر «الخواجة نصر الدين الملقب بجحا الرومي» وتليها (نوادر أبو نواس)
5 ألف ليلة وليلة
6 (فتوح اليمن) المعروف برأس الغول، وعلي الغلاف لوحة كتب تحتها «قتال سيدنا علي» مع رأس الغول وصورة له علي فرس أسود يطعن رأس الغول بسيفه الذي يخرج طرفه من ظهره.
7 قصة (الزير سالم أبوليلة المهلهل الكبير) وقتل (كليب) وما جري له مع (جساس بن مرة) من الحروب والأهوال. ليست الطبعة الكبيرة، وانما كتيب مكون من 24 صفحة قطع صغير شأن المجموعة كلها.
8 (قصة العاشق والمعشوق)
9 (قرعة النساء): «أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ونفعنا بهن، آمين يارب العالمين».
10 تلك القصة النحيلة المنفلتة من «سيرة بني هلال» تحت عنوان:
(قصة الطرب والألحان، في زواج الأميرة شامة للملك سرحان)
11 كتاب (الرحمة.. في الطب و الحكمة) لجلال الدين السيوطي.
وهو كتاب في الطب الشعبي وصنع العقاقير والمعالجة من وجع السرة والبرد القديم والرمد إلي علاج الطاعون وخفقان القلب إلي علاج «المربوط» الذي عملوا له عملا فكف عنه الانتصاب وممارسة الجنس إلي تقوية «الجماع» وعلاج الفرج البارد إلي رد الثيب بكرا إلي كيفية تغليظ الذكر، إلي عقد المرأة لأن لا يطؤها غيرك، إلي علاج الغيرة إلي عمل الحبر والكحل إلي كيفية صيد الأسماك والطيور إلي مثل ذلك وغيره.
12 وما نحن بصدده وهو كتاب يحمل اسم (ابن عروس) ويحتوي علي بعض من «مربعاته الشعرية؟؟!!» والكتاب أكثر سذاجة من سابقيه علي الرغم من قيمة المربعات الشعرية ويقص بصورة ساذجة عن قاطع طريق كان يغير علي بيوت الأغنياء وممتلكاتهم، وفي ليلة اختطف عروسا ليلة عرسها وحين أراد أن يفعل بها الفاحشة خاطبته بمربع شعري عن النزاهة والأمانة والعرض فارتبك وتاب وأناب واعادها إلي أهلها سالمة وجلس هو يغزل علي وزن «مربعها» الشعري مربعات حكم دامت وعاشت حتي الآن.
والقصة لا تقل في سذاجتها عن كل مجاوراتها علي «فرش» الرجل الفقير الذي يبيع ماسبق وأوردناه، وبها من التلفيق ما ابتلعناه لانه كان «مطبوعا» فصدقنا القصة أو اعتبرناها قصة خيالية مثل سابقاتها إلي أن صدر كتاب من مطبوعات المكتبة الثقافية، وهي سلسلة كتب ستينياتية كانت تصدر تباعا وكان ثمنها قرشين اثنين، وصدرت منها دراسات قيمة وان كانت موجزة إلا أنها فتحت أبوابا عدة لمن أراد السعي نحو توسيع دوائر الاطلاع والتثقيف في الموضوعات التي أوردتها.
من ضمن ما صدر ذلك الكتاب الشيق للأستاذ «محمود فهمي إبراهيم» في الأدب الشعبي، والذي اتكأ علي الكتيب الصغير الساذج الذي قرأناه ليحوله إلي حقيقة من حقائق الشعر الشعبي المصري أو الشعر بشكل عام. إلي جانب مخطوطة «تيمورية» أوردت بعض نصوص منسوبة للرجل الأسطورة.
لقد جذبته الكلمة «المطبوعة» وأوقعته في حبائلها دون أن يسأل عن ذلك الذي سطر ذلك الكتيب، أو أن يبحث عن مراجع تؤكد ما جاء بالأوراق الهزيلة، ومحمود فهمي إبراهيم رجل موسوعي متعدد المواهب والعطاء، فكيف اعتمد وريقات الكتيب بكل ما جاء في القصة من «نخع» دون أن يبحث في مصداقية القصة الساذجة لذلك اللص الذي أتابه الشعر، وفتاة قروية حولته من قاطع طريق إلي زاهد يطلق لحيته ويجلس يحيك ويصوغ المربعات في الحكمة والأيام، ثم في ايراده المربعات ختمها بخاتم «ابن عروس» ومنحه ملكيتها بصورة أثارت البلبلة وجعلت البعض منا يمشي خلف القصة وكأنها حقيقة الحقائق، وطبعت كتب، وخرجت دراسات. سامح الله من وضعها علي الورق و«طبعها» لتأكيد الكذبة العلمية وكأن مجرد «خطف» الظواهر الوهمية ومحاولة تحويلها إلي حقائق يعطي أصحابه الحق في ادعاء الثقافة والعلم وأخذ مكانة هم يعرفون الآن جيدا أنهم لا يستحقونها.
نحن لا نلوم (محمود فهمي إبراهيم) علي تصديقه الوريقات الساذجة، وكان يمكنه أن يورد «المربعات الشتوية الشعرية» ويقدمها لنا بأسلوبه الجميل ووعيه العميق، ولكننا نؤكد وقوعه في فخاخ الواقعة المختلفة التي تحولت إلي ظاهرة فيما بعد، فلقد أتي من تسلم القصة من بعده ليحولوها إلي قصة حقيقية وليؤكدوا أن «ابن عروس» إنسان حقيقي وكأنهم التقوه وحاوروه واستمعوا إليه ، واحتفظ بالأشعار المنسوبة إليه دون تمحيص أو تدقيق أو محاولة للمعرفة الحقيقية، وانما انتشوا بروعة الاكتشاف الزائف، ليحولوا الرجل الوهم إلي أكثر شعراء مصر أصالة تجربة وصدق تعبير، وصفاء رؤية، واحتضان لا لبس فيه لضمير الوعي والاحساس الشعبيين، وربما اتخذوه مطعنا لابداعنا الشعري.
وإذا فلم يكن هناك ابن عروس في مصر المملوكية، ولم يحدث ان كان ابن عروس (الوهمي) شاعر مقاومة استفزه ظلم الظالمين، وقسوة الحكومات الغريبة إلي كل تلك المعلومات المؤلفة عن روبن هود المصري زعيم العصابة الذي صارت الحكومة تعمل له ألف حساب.. ولم تدركه شيخوخة ليتوب وينوب في أواخر عمره.
أقوال ومعلومات تدعي العلم والرصانة وان كانت أقرب إلي أن تصلح «حجاوي» وخراريف وحواديت لجداتنا حتي ننام.
كذلك لم يكن الرجل الوهم مختبئا يوما في مغارة ثم هجم علي موكب عروس ليفر أهلها وينطلق بها، فنظرت فرأته فقالت شعرا أدخل التوبة إلي قلبه في الحال كما يلقم الطفل حجرا بطفل العجيب أن عمره كان ستين عاما حين اطار أمامه جيش الرجال الذين كانوا يشيعون العروس إلي بيت زوجها.
ولا ادري كيف جرؤ هؤلاء علي ادعاء تاريخ لحياة الرجل الذي لم يوجد ووقائعه ونوع الحياة في زمنه، والقول بثقة في انه في عام 1780 ميلادية عاش ابن عروس حيث...
وكيف يدعون بأنه ذائع الصيت بين ابناء الريف وانت لن تجد فلاحا واحدا سمع اسم ابن عروس أو ردده ناسبا إليه ما ينسب له من قبل من افتعلوا واخترعوا هذه القصة الوهمية ولم نسمع في صعيد مصر اسمه علي الإطلاق رغم أن الزعم بصعيديته تزحم أوراق من أكلوا خبزا لفترة طويلة علي مائدة الأسطورة الكاذبة من المدعين والمرتزقة بالقول.
إضافة إلي كل هؤلاء الذين استغلوا ما أوردنا من بيانات وأقوال وضعوها في كتبهم الهزيلة الهزلية دون الاشارة إلي ذلك، وبالذات فيما يخص اسم ابن عروس التونسي.. اعتمادا علي النسخة الوحيدة التي أملكها في مصر والمسماة: (ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب سيدي أحمد بن عروس) في محاولة لشطر «ابن عروس» إلي ابني عروس أحدهما مصري والآخر تونسي للتخلص من مأزق عدم وجود دليل حقيقي علي وجود ابن عروس المصري. والخلط بين الحقيقة والكذبة المفضوحة في تلفيق شديد وسذاجة غير محدودة.
كتاب ابتسام الغروس ووشي الطروس
تأليف: عمر بن علي الراشدي الجزائري
يتألف كتاب الجزائري من 522 صفحة وكلها حصر لمناقب الصوفي الكبير وكراماته التي شهدها الكاتب من بعض ملازمته أو مما سمع من آخرين يعتقد صدقهم، وعدد المناقب التي دونها في كتابه مائتا منقبة بالتمام والكمال.
أما تقسيمه لكتابه فتم علي نحو قوله إلي: مقدمة وثلاث أبواب، أما المقدمة فتشتمل علوم القول علي فصول، و تحتوي علي نبذ كافية منها، وأصول.
ابتسام الغروس
(هذا كتاب ابتسام الغروس ووشي الطروس)
في مناقب قطب الأقطاب ، والغوث الملتج إليه بلا ارتياب السامي مقامه. الذي انتشرت علي آفاق البسيطة أعلامه، المحيي رياض علوم الحقيقة بعد الدروس. وحيد دهره، وفريد عصره: سيدي أحمد بن عروس، قدس الله ضريحه، واسكنه من الجنان فسيحه، تأليف العالم العلامة، البحر الحبر الفهامة، من لازالت الفضلاء نيرات فوائده تهتدي الشيخ سيدي عمر بن علي الجزائري الراشدي». برد الله ثراه، واسمي قدره ومثواه.. آمين.
أما الباب الأول:
فهو للتعريف بالشيخ رضي الله عنه ، وذكر بدايته، وترتيب القول في أحواله الدالة علي صلاحه وهدايته.
وأما الباب الثاني:
فهو في الكشف عن «طريقته» الباهرة، والرد علي منكري ولايته الظاهرة
وأما الباب الثالث:
ففي ذكر طرف من مناقبه الجليلة، وكراماته التي هي بإثبات ولايته كفيلة.
ويقول الراشدي وقد هاله غزارة السهام ونبال التشكيك الموجهة إلي صدر الشيخ: «وإنما دعاني لاقتحام مخاضه هذه الكلف، والتعرض لرمي من استهدف بما ألف، تناكس أهل الزمان بما أوردته، وتناعسهم ولهم رسوخ القدم فيما أرد ته»، فلذلك انتدبت لجمع هذا الكتاب، متعرضا فيه إما لمدحة أو عتاب علي أنني راض بما أحمل الهوي وأخلص منه لاعلي ولابيا!!»
والكتاب بديع وشامل يرتحل بك بين «حقيقة الولاية والولي» والصوفية وماهية التصوف» و«معاني الفقر وحقيقته والتعريف بالفقير وعلو قدره، والفرق بين الفقر والتصوف» و«حقيقة الزهد» و«في ذكر المقامات والأحوال والكرامات والتجلي» إلي آخر هذه الأمور الغائبة في الغموض والفروق بينها التي لاتبين للمتعجل والعين المتصفحة بإهمال.
الباب الأول:
في التعريف بالشيخ أبو العباس أحمد بن عبدالله بن محمد بن أبو بكر بن عروس «الهواري».. وقد أختلف علي «أبي بكر».
يقول الراشدي: «وكنت جمعت بالزاوية العروسية من نظن به معرفة نسب الشيخ من سائر أصحابه وقراءته فاتفقوا علي صحة ما قبل أبي بكر من آباء الشيخ واختلفوا في أبي بكر فمنهم من صححه ومنهم من قال إنما هو «علي»، ولم يستند واحد منهم في صحة دعواه إلي أمر جلي. فلما كثر بينهم ذلك الاختلاف ولم يحصل منهم فيه علي ما أكتبه ائتلاف، صعدت إلي الشيخ رضي الله عنه مع بعض أصحابه متعرضين في المسألة الي جوابه فقال وقد أطلعه الله من أمر اختلافهم علي سره !! فعلمت بإشارة الشيخ أن اختلافهم لا أثر لقائله.
وكان جده وهو ما يهمنا في هذا المجال وربما كان هو الهدف من كتابة هذا العمل كان جده (عروس) المذكور من أكابر الصالحين علي ما ذكره قرابة الشيخ وانعقدت عقود أشربتهم وغيرها أنهم (هوارة).
ويقول الراشدي الجزائري: «حدثني الثقة أنه سمع الشيخ في غير ما مؤمن يقول: «نحن من عرب تميم» وكذلك سمعته منه رضي الله عنه فهو علي هذا «تميمي» والله أعلم».
ومولده بقرية بالجزيرة القبلية علي مسافة خمسين ميلا عن تونس اسمها «المزاتين» بوادي الرمل، وكان يسمي «بأحمد الرضاع» من أجل أنه كان ملازما للرضاع وهو في سن من يلعب مع الصبيان، ويقول أحد اقربائه المسنين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن عروس: «ولقد رأيته يلاقي أمه وعلي ظهر ها جرة الماء قد استقتها وهي منقلبة بها الي بيتها فيحلف لها لترضعنه فتحني عليه وهو قائم وتناوله ثدييها قال «وأمه» مسراتيه» المنسب واسمها «سالمة» تأيمت بموت زوجها والد الشيخ وتزوجت وحملت معها لبيت زوجها الشيخ لصغر سنه دون أخويه الأكبرين «أبي بكر» و«عبد المغيث»، ومازال مع أمه الي أن مات زوجها وأولاده من غير أمه لو باء استأصلهم، فرجع الي أخويه وأهله وقال لهم حين رآهم: «جاءت في» «َالثغرً» مات هو وأولاده» يقصد زوج أمه وأولاده وسلمت أنا وأمي فضحكوا منه لمقالته هذه.
«ثم إنه رضي الله عنه فرّ من أهله قبل بلوغه وجاء الي تونس وآوي منها الي زاوية الشيخ ابي عبد الله محمد المحجوب» ثم صار يتنقل ثم حفظ القرآن وصار يجوده
(1) نسبه إلي «مسراته» التونسية
وزيادة علي ملازمته لخدمة مقام الشيخ «سيدي محرز بن خلف» فقد خدم نشارا للخشب بدار العود، وخدم أيضا نجارا خارج «باب السويقة» من تونس، وقد شوهد ينجر المحاريث بقرية «الأنصارين» بجبل شعيب غربي تونس، وخدم في أفران، وفي عمل البنيان، وكان أهله يخجلون من امتهانه تلك المهن، ولقد ذهبوا اليه وهو في فرن القصيبة من بلد «بنزرت» ليمنعوه بالقوة عن ممارسة هذه الأعمال والعودة به قسرا الي بلدته، إلا أن صاحب الفرن أكرمهم واستضافهم ليلة وظل يحكي لهم عن مناقب وكرامات ابنهم وفي الصباح حين حاولوا اعادته وألحوا عليه في ذلك «استلقي رضي الله عنه علي قفاه وقال لهم: «كروني من كراعي» ثم سكت عنهم وتركهم علي ماهم عليه من اعلان الملام وتوسيع دائرة الكلام:
عابوا المحب وقد رأوا لغرامه أثرا.. أعاد ربوعه آثارا..
عذلوه إن خلع العذار ولو دروا سر الغرام لاوسعوا الأعتذار
كم بين من يستعذب التعذيب في مرضاه من يهوي ويعتلي نارا
فدعوا الملام واعذلوا إن الهوي ما بيننا قد أسدل الاستارا (2)
من «بنزرت» إلي «باجة»
ثم انتقل ابن عروس من «قصيبة بنزرت» إلي «باجة»، وكان أكثر جلوسه عند باب الجامع الأعظم منها، وكان مدة إقامته بها يعمد الي الأفئدة (3) التي يلقيها الجزارون أيام رخص اللحم عندهم، فيغسلها ويجعلها في «برمة» (4) ويطبخها إما علي نار افران الجيارين أو يجمع بعضا من الأحطاب والعشب ويطبخ علي نارها «وغالب اقتياته»(5) من ذلك، وكان رضي الله عنه يأكل المنبوذات من الخضر والكسر الملقاة ولا يتسول.
ثم إن «ابن عروس» انتقل الي «ميلة» وجلس بها لتأديب الصبيان(6) ومن «ميلة» التي كرر كثيرا أنه كان يؤدب الصبيان بها انصرف الي المغرب وأقام بمقام الشيخ الولي الكبير «أبي مدين شعيب» رضي» الله عنه بتلمسان ويرددون أنه دخل فاس ووصل إلي مراكش ودخل «سبتة» أعادها الله لإقامة كلمة التوحيد بها ومن كلامه الدال علي صحة ذلك المستفيض النقل عنه
قوله :
جميع البلاد شوليت
حتي لسبته الحصينة
انا مثل «بنزرت» ما رأيت
الوادي وسط المدينة
وهذا «الرباعي» أو المربع المنسوب لسيدي احمد بن عروس يثير لدينا كل الشك إذن يظل فريدا مع قليل منه في كافة أقواله ولا يمكن لشاعر إذا ما كان ابن عروس شاعرا يبدع بضع مربعات نادرة طوال حياته، ولكنها الثقافة الشعبية المنتقلة والسائرة بين البشر من فم إلي فم خاصة أنه قالها بعد العودة من المغرب وهي الرحلة الوحيدة إلي خارج تونس في طول حياته. ولنا عودة لهذا الأمر. وأقام رجلنا مدة طويلة بالمغرب بلد المتصوفة والمجاذيب وأصحاب الطرق والشعراء ثم عاد الي تونس وقد شب واكتمل وعلي ما أهل له من المعارف الربانية كما يقول عمر الجزائري نزل بالسوق الجديدة ولم يكن قد عمر فعمره الله ببركة الشيخ أبو الصرائر.
كان ابن عروس حسن الهيئة نظيف الحال يرتدي جبة بيضاء من صدف وشملة بيضاء ويلبس القبقاب في الشتاء والصيف وكان يشهد الصلوات كلها بجامع الزيتونة، ذلك قبل أن يحمل صرائره ويثبت أنه «شيال الحمول». يقول الراشدي «إتخذ الصرائر ولم يحملها دفعة واحدة ولا نقلها في آن واحد وإنما كان الأمر فيها بالتدريج، فصر أولا في طرف كسائه صرة قدر «النارنجة» ثم زاد فيها إلي أن عادت قدر الصاع، ثم قدر الوبية، ثم كذلك إلي أن عظمت جدا وصارت جملة صرائر فأخذ لنقلها خشبة علقها بطرفيها وجعل يحملها علي كتفه الأيمن تارة وعلي كتفه الأيسر أخري وهو رضي الله عنه يمشي بها في سائر أزقة تونس بحيث إنه لم يترك شارعا إلا مر به ولا موضعا من عمرانها أو خرائبها إلا سلكه أو آوي إليه.
يقال إن تلك الصرائر كانت حمولة عظيمة وأن ابن عروس مر يوما بسوق الجزارين من تونس المحروسة وانزل صرائره فإذا بعريف الحمالين الذين يحملون الزيت وهو الحاج «عثمان الإسماعيلي»وكان أية وقته في حمل الاثقال، فجاء إلي رحل الشيخ رضي الله عنه وهزة ليحمله علي وجه الامتحان، فلم يقدر علي ذلك، فلما أن بان عجزه وظهر للناظرين عدم قدرته علي ذلك قال «ياجماعة المسلمين، بلغت حملتي ثمانية قناطير أو قال أكثر وعجزت عن هذه الصرائر كما ترون، فما يحملها هذا الرجل بقوة إنسانية ولا بقدرة بشرية، وإنما ذلك بأمر من ربي وسر إلهي». وكان أحمد بن عروس يحملها دون كلفة في حملها، ولا مشقة يظهر أثرها عليه، وربما وهو لم أعجب يعلق بها .
........................................................................................
(1) جروني من ذراعي (2) بالطبع هذا شعر عمر الراشدي وليس شعرا لابن عروس الذي لم يثبت أنه كان شاعرا. (3) قلوب الجهائم وحوائجها. (اناي فخاري للطبخ. (5) مأكله. (6) كشيخ الكتاب الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.