المربع.. هو المحرك لكل ما دفعني الي البحث عن «ابن عروس»، وكما ذكرنا من قبل في عدة دراسات ومواضع أن المربع شكل شعري أو لنقل زجلي شديد البساطة ويتكون من أربعة أشطر تتشابه قافيتا شطريه الأول والثالث من جانب والثاني والرابع من جانب، ومن ارتطام القوافي تتولد الحكمة التي هي سبب النظم، ومعظمه حكم كونية تصلح لكل زمان ومكان مفرداتها الإنسان بمر حياته وحلوها بعدلها النادر وظلمها المخيم الدائم، الدنيا التي لا تنصف أصحاب المباديء والصدق وتدوسهم بأقدامها وتمضي غير عابئة بأنين أو آلام، بينما ترفع أناسا لا يستحقون الرفعة ولا علو الشأن. وكما العلاقة مع الدنيا يعرج المربع علي المرأة بذلك الموقف المعروف من المرأة، وكيف ان النساء ينسجن لك الأوهام ويغررن بك لتلقي حتفك أو تعيش ذليلا مكسورا، وأنهن لا يؤتمن وأصل النجاسة والكذب، أما الطبيب والعليل فهما عنصرا إبداع هام وجوهري في صروح المربع إذ يرمز الطبيب في كل الأحوال للأقدار التي يمكنها أن تداوي (العَلَالَى) بكلمة، برشفة دواء أو رشقة مرهم ولكن الطبيب كعادته يتخلي عمن لا ظهر لهم ويتركهم لعلتهم تلتهمهم واحدا بعد آخر. عديدة هي الأغراض التي احتواها ميراث المربع العظيم، والعجيب أن المربع فن سوف تلاحق فيضه في الشمال الإفريقي بلا حدود، ولا ينسبون المربعات لسيدي أحمد بن عروس إلا في مصر. لقد اخترعوا قصة ذلك الفارس الذي تاب لينسبوا المربعات المصرية إليه، ولو فكروا بعمق وأبعدوا عن أذهانهم صورة ذلك الفارس الكاريكاتوري لأعطوا الحق لصاحبه، ولا أعني بصاحب الحق ابن عروس وإنما أعني ذلك الاتصال الحميم بين الشمال الأفريقي وصعيد مصر وذلك الدرب المسمي (الدرب الطويل) القادم من بلاد المغرب العربي طريقا للتجارة ،والحج، وكيف كان الاتصال حميما بين اللغات والفنون والأحوال بمعني أنه لوحاولت حصر عائلات : «مغربي» و«المغربي» وحصر أعداد البشر الذين يحملون هذا الاسم في قرية أومدينة صعيدية وكل الأولياء الصالحين الذين عبروا من مناطقنا الي الجزيرة للحج والتبرك والعودة إلينا مرة أخري مثل سيدي أبو الحسن الشاذلي» الذي كان في طريقه عائدا من الحج بصحبة ابراهيم الدسوقي ليسأله الأخير عن أشياء فيرد عليه في «حميث» تري. ليراه يموت ويدفنه تحت ذلك الجبل الذي عشقه فيطلق علي المكان اسم (حميثرة) تلك الجملة المركبة التي عناها «الشاذلي» رحمه الله. لقد كان أهل المغرب الذين كانت أهالينا تتبرك بهم ويعتقدون في صدق تدينهم وأحيانا تصوفهم، يستريحون في قرانا بالشهور. هل كانوا يقضون كل ذلك الزمن صامتين؟ لقد كانوا يسمعون ويستمعون. هكذا تصاهروا واختلطوا وقصوا، ومن ضمن ما قصوا عن أولياء الله الصالحين قصوا عن «سيدي أحمد بن عروس» الذي كما رأينا، لم يكن لصا أو فارسا يغير علي بيوت الآمنين أو حتي الأغنياء. وربما هم الذين نقلوا إلي مصر فن المربع الذي وجد فيه فلاح الصعيد الفقير متنفسا للتعبير عن هموم لا تختلف كثيرا عن همومه وفي الوقت ذاته طوَّع مالم يتواءم مع طبائعه وتصوراته للأمور، إذ لن تجد مربعا صعيديا واحدا ينال من المرأة لأنها تتقاسم المعاناة وقسوة الأحوال مع رجلها.
الطريقة العروسية الشاذلية عجيب الأمر أن أهلنا في الصعيد الذين لم يدَّعوا بحثا علميا أو تنقيبا في صخور الحقيقة اكتشفوا أمر «سيدي أحمد بن عروس» منذ زمن طويل ليس كلص شاعر، ولكن كولي متصوف فسلكوا طريقه وضموه إلي الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي إذ إن الاثنين تونسيان وهذه شذرة من أذكار هذه الطريقة العروسية الشاذلية : فاشتهرت لنا به الطريقة وطريقة الارشاد والحقيقة وشيخه المعتمد .. الجليل ليس له في دهره عديل
أبو العباس ذو القرنين أحمد «ابن عروس» العمدة المؤيَّد ولمن أراد التحقق من هذا الأمر، فإن عنوان «الطريقة العروسية الشاذلية» هو «محافظة سوهاج ومقرها: إخميم طريق ناصر الزراعي شارع الشهيد عبدالمنعم رياض. ونائب الطريقة هو الأخ والصديق أحمد حامد عبدالكريم الشريف». أما المدحة التي اقتطفنا مقطعا صغيرا منها فهي من نظم (القطب الغوثي: سيدي عبدالسلام الأسمر الفيتوري) وهذا ما كتبوه علي بعض مطبوعاتهم. إذا فإني كنت صادقا أشد الصدق حين قلت إني لم أعرف أحمد بن عروس ولم أسمع اسمه، وأن معظم المربعات تنسب لعلي النابي وربما خلط الوراقون بين الاسمين علي الرغم من أن صفات النابي علي قسوته وجبروته تستبعد كونه لصا أو قاطع طريق اذ كان وضعه ووظيفته تدران عليه مالا وفيرا وكان من أثرياء الصعيد والسؤال الآن: هل قال سيدي احمد بن عروس المتصوف التونسي أوأنشد مربعات؟ والاجابة: نعم، وهل ثمة إثبات يقيني أن تلك المربعات مربعاته؟ أم أن تلك المربعات عاد بها من بلاد المربع الأصلية وهي المغرب العربي وقد رأينا تجوله فيها وطول المدة التي قضاها به؟ ولماذا كل ما نقل عنه خمسة مربعات فقط لاغير أحدها يقول: جميع المدن شوليت حتي لسبته الحصينة أنا مثل «بنزرت» مارأيت الوادي وسط المدينة وهو مربع رصين رصانة تشي بشاعر محترف يجيد صناعته جيدا تلك المفارقة بين «بنزرت» في بلاده تونس وكافة بلاد المغرب. ثم تبقي له لدينا أربعة مربعات فقط نوردها وإن كنا نصر علي أنها لا يمكن أن تكون حصيلة عمر شاعر، والمربعات يوردها عمر الراشدي ليس علي لسانه وإنما منسوبة إلي راو يسمي (ابن عون) وهذه هي المربعات: ما اهبل من جا البحر هاج وطمع بالعوم يفتخر صبي أحمال الزجاج يحب اللز مع الحجر [والمعني معروف أن جهل النازل إلي بحر هائج يشبه تماما من يدفع ألواح الزجاج بها إلى جانب حمولة حجر فتتهشم. ومن يفعل ذلك فهو أحمق أو أهبل] إن جيت تنشد عن العلم ما ثم علم ان تيجي له وان جيت تنشد عن الشيخ شيخ العرب بالطويله وهو عن رجل قال لاخوانه تعالوا بنا الي الشيخ لنري حقيقة ما عنده وهل لديه شيء من العلم فلما دنا منه قال له الشيخ المربع السابق فأخذ المذكور حاجته من ذلك المربع وانصرف متعجبا من إطلاعه علي ما أبطن. من كان له شور يمضيه لن يترك الضو لايح وان كان كاده يخليه لا يعترض للفضايح ومن مستفيض ذلك رضي الله عنه كما يقول الراشدي وهو أول دليل علي سعة علمه وكمال صبره ومبذول عفوه الشامل وحلمه.. قوله: تسعة وتسعين دوار في وسط راسي مقيمة النار ما تشبح النار ولا تعطش لنا بهيمة ولا أدري لماذا يذكرني ذلك بالمربع المصري: فيه سوق في جسمي شاغلني وفيه زي ما انت عايز وناس تبكي وناس تغني ومغلوب يضحك لغالب وإن كان الربع المصري أكثر إحكاما وتركيزا للمعني المراد منه: هذه جل المربعات التي أخذها عمر الراشدي عمن يكني «ابن عون» ولم يستمع أو يسمع أن الشيخ كان ذا هوي بفن المربع نقله أو إنشاده أو تأليفه، إلي جانب ثلاثة مربعات تلتزم قافية واحدة يمني وقافية واحدة يسري أشبه بمقطوعة زجلية واحدة ملتزمة بكل مكونات وعناصر بناء المربع، وتنسب هذه المقطوعة ل «أبو الحسن بن عبدالحليم» دون تحديد لهويته وصلته بابن عروس أو كل ما يعطي الأمر مصداقيته: آه من علة الفم ومن جرح ماله مداوي ومن عرض ما عاد يتلم جا.. عند ناس الشهاوي ومن رجل تمشي علي ثم ومن دهر ما صح ياوي ومن ناس تطلي علي وهم ويثلثوا في الرساوي ومن قلب واسق من الهم ومن حمل فوقه علاوي ومن غيظ ماله سبب علم سواتها في تهاوي وفيما بعد، حين نتجه للحديث عن المربع في المغرب سوف يضاء لنا ما عتم وينفك أمامنا ما استغلق من كل تلك القضية التي بدأت من وهم من أرادوا أن نقتات الوهم لعلم مضيء مبين. بقي في الأمر مربع واحد نسب للشيخ أيضا ورد في المنقبة السادسة والتسعين بعد المائة عن «أبي علي عمر بن محمد الضاعني» وكان من المنقطعين الي الشيخ رضي الله عنه بالمحبة الصادقة قال: «كنت يوما عند الشيخ رضي الله عنه ومعنا بعض أولاد القائد نبيل أحد قواد الدولة الحفصية العثمانية، وكان قد هرب من والده المذكور إلي الشيخ واستعاذ بمقامه الكريم فأمره رضي الله عنه أن يأتيه بفراشه الذي كان ينام عليه أيام إقامته عنده فامتثل أمره في ذلك، ثم امرهم رضي الله عنه بفرشه ثم بإزالته، ثم قال للولد المذكور:«ياولدي ارفع فراشك صاحب الشيء أخذ متاعه»: ثم واجهني رضي الله عنه أي أبي علي عمر الضاعني وقال لي: قل: صوبت للواد نشرب وطلعت من ثم ضامي كلمت من ليس يفهم أواه خسارة كلامي ثم قال لي: هؤلاء أخذوا ومازكوا ولاعشروا. قال أي أبو علي : ففي اليوم الخامس من هذا الموطن أخذ الخليفة قائده المذكور واستولي علي جميع اسبابه، وانطوي بساطة كما قال رضي الله عنه وارضاه. ويقول الراشدي، في يوم وليلة وفاته ظل ينادي: «يا أمة محمد، هذه راحة عظيمة أنا فيها» ويكرر ذلك. وظل يردد في ذلك اليوم وليلة وفاته ذلك المربع الذي لم توافه قافية شطره الثالث وإن كان المربع أشبه بأغنية يا قمر علالي طال الهجار زارني محبوبي وصفا الغيار وفي الكتاب المسمي (ابتسام الفروس ووشي الطروس) جاءت الكلمة الأخيرة بياء بدل الباء وصفا الغيار ولكني أظن أنها الغبار وسوف استشير فيها مثقفا تونسيا. ولقد مات وعمره تسعون عاما وكان قد أبلغ أصفياءه بذلك منذ زمن طويل. وكتب علي الرخامة المتصدرة واجهة مدخل ساحته التي احترقت من قبل وجددت في عهد الحكومة الحالية زمن زين العابدين بن علي صريح الشيخ سيدى أحمد بن عروس المتوفى سنة 868ه 1463م. اقامها الامير الحفصى المستنصر 838ه /1434م.
ابن عروس لم أعن بكل ما أوردته أساسا سوي أن أثبت أن «ابن عروس» ليس مصريا وأن اسخف وأن أكشف هؤلاء الذين ابتدعوا الفرية ومن أخذ عنها من بعدهم رغم كل تحذيراتنا التي قلناها مرارا وكتبناها في العديد من وسائل الاتصال إلا أن من بنوا وجودهم الثقافى الكاذب على مثل هذه الحكاية البلهاء ساءهم ما توصلنا إليه وراحوا يقاومون الحقائق بتلفيقات أكبر، حتي إنهم اخترعوا أخيرا ما أسموه (ابن عروس المصري) ليبدو لنا أنهم يوافقون علي وجود ابن عروس التونسي ولكن هناك ابن عروس آخر مصري الجد والأب، لا أعرف عنه شيئا لجهلي طبعا هو من يكتبون عنه دراساتهم الهزلية. ثم بعد ذلك تأتي قضية المربعات المنسوبة لابن عروس التونسي وأرجو أن يتشمموا فيها التقارب الشديد شكلا ومضمونا مع المربعات التي نسجها فلاحو الصعيد تأثرا، ولذلك حديث آخر.
الرباعي نطلق علي مفرد المربعات في مصر «المربع»، وهي التسمية الشعبية لهذا اللون من الشعر الشعبي الذي يعتمد في تكوينه علي الشطرات الأربع. أما في شمال إفريقيا قاطبة فيطلقون عليه اسم «الرباعي». يقول التونسي الأستاذ «عبد الله شقرون» في كتابه الشامل عن «الأدب الشعبي علي أمواج الأثير» مُعرّفاً بالمربع. والرباعي عبارة عن أربعة أشطار يتكون منها مقطع منظوم ومتكامل في مبناه ومعناه، وتكون هذه الأشطار فيما بينها بيتين اثنين من الشعر. ويمكن أن يقال أيضا «الرباعية» بالمؤنث، بدلا من «الرباعي» بالمذكر. ويقول في موضوع آخر : «وقد تكون الرباعيات» مليئة بالحكم والمواعظ والتأملات، كما يمكن أن تتناول موضوعاً غرامياً.» وينسب الرباعي في شمال إفريقيا قاطبة الي الشيخ الزاهر ذي الكرامات والولي الصالح والشاعر الشعبي العظيم :
سيدي عبد الرحمن المجذوب «1» وهو الأسم الأشهر بل ربما الوحيد في شمال افريقيا الذي يُنسب إليه (الرباعي) أو «المربع» كما نطلق عليه. لقد انتشرت مربعاته في الجزائروتونس وليبيا بعد «المغرب» طبعا، بل راح البعض ينسج علي منوال مربعاته، ونسب إليه مالم يقله حتي صار كل مربع يُذكر في تلك الأنحاء ينسب بصورة تلقائية الي شيخنا وشاعرنا العظيم (المجذوب). ومن جهة اللقب فقد كان شاعرنا مجذوباً حقيقياً، ليس بالمعني السطحي والشعبي الساذج للإنجذاب الذي لا يبتعد كثيراً عن الجنون أو غياب الإدراك أو البله والتخلف العقلي، ولكنه حالة من حالات الإنجذاب نحو حب الله حتي لتبدو الحياة الدنيا من خلال وعيه عارية ويري الخلق علي حقيقتهم، وقد يأتي بأفعال كما كان يفعل الشيخ عبد الرحمن المجذوب الذي ورث المشايخ الصالحين الذين سبقوه، كما هو مذكور في كتابه (دوحة الناشر لابن عسكر) : «وكان يقصد سيدي عبد الرحمن المجذوب صاحب ملامة كما كان شيخه الذي وَلَدهُ في المعني سعدي علي الصنهاجي وشيخ شيخه سيدي إبراهيم أفحام، فكانت تجري علي ظاهره أمور توجش الخلق، فيتنافرون عنه وينكرون عليه بسببها، وهي في حقيقتها صواب وصادرة عن عين الجمع، وكان يوصي أصدقاءه بعدم الاقتداء به، فيما يخرج منه فيه عما يعرفونه من ظاهر الشريعة مِمّا يجبره عليه وارد الحقيقة، لا يكترث بالخلق في إقبالهم ولا في أدبارهم مجموعا علي مولاه، لا يلتفت لغير ماتولاه. (و 1104) وفي كتاب (مرآة المحاسن لمحمد العربي الفاسي) أنه : «كان الشيخ أبو زيد يقصد عبد الرحمن المجذوب فاسمه الكامل « «أبو زيد عبد الرحمن بن عياد بن يعقوب بن سلامة الصنهاجي التكالي» لقب بالمجذوب وصار اسمه بين الدارسين والمهتمين الأصلاء بالأدب الشعبي : (سيدي عبد الرحمن المجذوب) واستطرادا لما ذكرنا عن «دوحة الناشر» ففي «مرآة المحاسن لمحمد العربي الفاسي» : «وكان الشيخ أبو زيد ربما تصدر عنه أمور يُنِكر ظاهرها مَن لا يعرف حقيقة باطنها ومايعقلها إلا العالمون، وكانت هناك فئة تنتسب إلي التعلق بطرف من العلم وصُحبة أهل الطريق، فنقموا علي.....» وهو أمر متكرر حتي يومنا هذا وربما هو القانون الذي دعانا إلي تسطير هذه الكتابات. والحديث عن «سيدي عبد الرحمن المجذوب» مزدحم وكثيف وليس هنا مجال للخوض فيما يبتعدبنا فلا نلتفت لدافعنا الأصلي في الكتابة وهو «المربع» ذلك الفن المنسوب لابن عروس المصري تلك الشخصية الوهمية التي أقام عليها البعض دراسات مابها من سلطان اعتمدت الكذبة والكسل البحثي رغم تنبيهاتنا وتحذيراتنا المتواصلة وذكر الحقائق بالأدلة والبراهين ولكن (أكل العيش يحب الخفية) مادمنا في مجال الأدب الشعبي. ولد «المجذوب» بقرية «طيط» سنة 959 ه 1504 م. كان مأوي سلفه كما يقول محمد الفاسي برباط عين الفطر بساحل بلاد أزّمور وتعرف أيضا بنيط التي صارت طيط بعد ذلك (أنا) ثم رحل هو ووالده إلي نواحي مكناسة الزيتون، ثم سكن هو مكناسة (مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 2297 ك ورقة 100ب 1101). ولن نكون بعيدين عن الأمر فهو أحد مكونات المجذوب في أول ولايته حين نذكر هذه الواقعة عن ولادته الروحية كما أوردها «الفاسي» في كتابه (ممتع الأسماع) : نعني (محمد المهدي الفاسي) وهو غير (محمد العربي الفاسي) صاحب مرآة المحاسن فلما أراد الله إظهار عنايته به وكرامته عليه وخصوصيته لديه ساق إليه بعض الفقراء فاستضافوه، فأضافهم وأحسن نزلهم وأكرم مثواهم، فكان ذلك سببا منه تعالي لإظهار فتحه وأجلاً لنشر رحمته عليه. أقبل علي الأضياف وأقبل الله عليه من غير تعّمل منه ولا قصد لذلك، فرأي رجلا ضربه فقضي له أربه، فبقي عاماً وهو موله يصيح : «الله.. الله» ولا يعرف أين صاحبه ولا أين يقصد، إلي أن دفع إلي «فاس»، فبينما هو بباب «القرويين» النافذ إلي الشمّاعين إذا هو بصاحبه فعرفه، فإذا هو «سيدي علي بن أحمد الصنهاجي»، عُرف ب «الدوار)، فأقبل إليه فأمسك به «سيدي علي» وحرّكه ثم دفعه، فإذا به بالبرج الجديد بوادي فاس، فمكنه من الخطوة وطيّ الأرض(2) . قال : «فرأي في تلك الحال أن الشيخ «سيدي عليا» رفعه من سرته إلي إصبعه وأهل الله مجتمعون وهو يقول لهم : من أحبني فليعط هذا، ثم سار إلي بلده فجعل يلقي المشايخ من أهل الله ويعطونه كما رأي ( و1101101 ب) إنه عالم الأسرار النورانية المغلقة الذي نقرأ عنه ولا نلج له أبوابا ولا نفك ألغاز عتمته وضوئه.
مربعات المجذوب بغض النظر عن كل ذلك كان هذا الشعر نابعا من أولياء متصوفين ليس فيهم قاطع طريق اختطف عروسا ليلة عرسها فتاب علي يديها ولا لصا عاش علي اللقمة الحرام، وإنما رجال صالحون منجذبون لله ومحبته من حمال الحمول سيدي أحمد بن عروس، وأهل الحظوة مثل سيدي المجذوب نفسه. إلي ذلك الذي مر علي رحيله أكثر من أربعة قرون ومع ذلك مازال شعره حيا قادرا علي الإنجاب، وقام هناك كالعادة من يقلد شعره طمعا في شهرته فأساءوا لتجربة الرجل إذ نسبت جميعها للشاعر الكبير واختلط شعره بأشعار الحابلين والنابلين، ولكن العين الحصيفة تستطيع فرز الجيد منها من البجش والنبيل الذي لا يليق بزاهد متصوف مثله عن متسلقي الأكتاف المتطاولين علي الإبداع مدعي الحكمة والزهد والرزانة. إن المربع بتكوينه المحكم، وسهولة تركيبه، وتوفيق قوافيه (قافية الشطر الأول مع الثالث، والثاني مع الرابع سواء بالمطابقة أو التوفيق، فإنه أحيانا تفلت قافية الشطر الثالث، من الشاعر ولا تطابق أو توافق أو تشابه من قريب أو من بعيد مع قافية الشطر الأول، وربما بفعل الزمن والاستخدامات وتواتر الرواة، فيترك علي هذا الحال، يحدث هذا في الشمال الافريقي، ولكن في مصر التي تحكي حتي الهلالية بالمربع، يصبح ذلك من النواقص الكبري، ويعزي إلي ضعف الشعراء أو عدم قدرة الحفاظ علي الحفظ من السابقين، وإن كانوا في بعض المربعات يتحايلون علي التطابق أو التوافق بما يشبههما كأن يقول: جاني طبيبي مع (العصر) وف إيده ماسك العصاية أصله طبيبي قليل (أصل) من خصمي يجيب لي الوصاية والمعني أن الطبيب ويعني به الزمان الذي ينتظر منه اعفائي من أسقامي ورفع الجور عني، اتضح انه دنئ فقد باعني لخصمي وجعله حاكما علي ووصيا. أو هذا المربع الذي يضئ الأمر بصورة أكثر وضوحا: ياطبيب خد دواك و(روح) شايف العليل لزم (الوسايد) في ساعة ما تطلع الروح ياما الأرض شبعت (خلايق) ويحاول البعض إيراده بصورة أقرب للمربع الصحيح قائلين: يا طبيب خد دواك وروح شايف العليل لزم الوسادة في سيعة ما تطلع الروح ياما الأرض شبعت خليقة والمعني أن علي الطبيب أن يغادر ولا يضيع وقته مع مريض لزم فراشه منذ مدة طويلة،، وأن روحه إذا خرجت لبارئها، فهذا ليس حدثا عجيبا، لأن الأرض أخفت في باطنها من الموتي ما أشبعها، فماذا يكون هو بين من غادروا هذه الحياة؟! وهناك رواية ثالثة لهذا المربع سنوردها في حينها. أما ما أعنيه بالاختلاف الجامح فهو ما ينسب لسيدي عبدالرحمن المجذوب من مربعات بها ذلك، مثلما ورد في كتاب (ممتع الأسماع لمحمد المهدي الفاسي). من أين جيت ياذا (الروح) وهايمة روحانية الساكنة في بساط (العز) وحالها ربانية..؟ أو ما ورد في (القول المأثور من الشيخ عبدالرحمن المجذوب الطبعة (الشعبية) جيت من «طيط» (بالعجلة) والشر زادني شظاية الخبز دخله (الجص) علاش ياطالب ذا القراية والمعني كما يورده الأستاذ عبدالرحمن رباحي« في مؤلفه ا(قال المجذوب): ان الشر هو الجوع في عامية المغرب، أما «طيط» كما ذكرنا فهي مقر ولادة المجذوب. والشظايا نعرفها وهي ما يتناثر من الشيئ ويتفلق، وهذا يعني أن الجوع مزق المجذوب لذلك هرب، هذا زمان اختلط فيه لخير بالجص يقصد لعظيم بالبهيم ويتساءل إذا كان العلم يجيع الانسان ويذله هكذا فلماذا نسعي في طلبه..؟ لذلك فإنني سأحاول هنا إيراد معظم المربعات التي وردت في كل المصادر السابقة وأولها (1) (الاشعار الحكمية لعبدالرحمن المجذوب)، ثم (2) القول المأثور من كلام الشيخ عبدالرحمن المحذوب» (3): كتاب رباعيات مجذوب الساخر، شاعر مغربي للقرن السادس عشر الميلادي، تأليف السيدة (جان سيل ميلي) صدر عام 1965 بباريس عن دار النشر ميزونوف ولاروز Maison Neuve et larose- Parisb1966. وهذا الاختلاف في عام النشر ناتج عما أورده الأستاذ: «عبدالرحمن رباحي» الذي يذكر أن عام 1965هو تاريخ الصدور، وما سطره أستاذنا الطاهر قيقه الذي مشكورا صور لي جانبا كبيرا من أقوال الباحثة المذكورة مع كل المربعات التي أوردتها في كتابها المذكور، والذي يري الأستاذ «رباحي» أن كثيرا من التلفيات شابت دراسة السيدة «ميلي» وأنها حاولت لي رقاب النصوص لتطويعها لتصورات وأفكار خاطئة تبنتها ابتعدت بها عن المضامين الحقيقية لمربعات المجذوب فهو يقول نصا: »حاولت مؤلفته استشفاف الحياة وشخصية عبدالرحمن المجذوب علي ضوء ما نقل في التراجم واستنادا إلي المعطيات التاريخية المعلقة بوضعية المغرب الأقصي إبان الفترة التي عاش فيها »الشيخ المجذوب« والتي ما يتجلي من تحليل محتويات الشعر «المعزوة اليه». وبعد إطلاعنا بإمعان هكذا يورد الاستاذ عبدالرحمن رباحي علي كتاب جان سيل ميلي، التي استعانت في عملها هذا بأحد أصدقائها الجزائريين وهو السيد «بخاري خليفة» من أجل جمع أكثر من 108 رباعيا جديدا لم يسبق لها نشر من قبل. ................................................ ............................... (1) ينطقونها «المجدوب» فى المغرب ، ب دال وليس ب ذال. (2) يسمونهم أهل الحظوة الذين يتوجدون في عدة أماكن بعيدة في نفس الوقت.