عند كل تغيير حكومى تخرج التحليلات والتوقعات تناور المكلف برئاستها، منها صيحات تحذير من حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، وفيها أمنيات بأن تستطيع حكومته تحقيق قدر معقول من طموحات الناس. بين هذا وذاك تبدأ حكومة المهندس إبراهيم محلب مزاولة أعمالها فى ضوء تكليفات رئيس الجمهورية، وبقراءة ما نشرته وسائل الإعلام عند كل تشكيل وزارى طيلة عقود مضت، ترى تشابهاً كبيراً فى الأحداث والتصريحات قبل وفى أثناء وبعد التشكيل الوزارى، إذن ما الجديد هذه المرة؟ تجىء حكومة محلب فى وقت حرج للغاية، فمصر تواجه إرهاباً أسود لا يميز بين الأخضر واليابس، وأزمات اقتصادية عنيفة لم تشهدها من قبل، خاصة بعد ارتفاع حجم الدين العام إلى ألفى مليار جنيه، وإضرابات العمال فى العديد من القطاعات، وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تأتى أزمة انقطاع الكهرباء فى هذا الوقت لتثير استغراب الناس، ففى أواخر سنوات مبارك كنا نشهد هذه الأزمة صيفاً، وفى بعض الأماكن، وكانت حكومته تطلق الوعود ولكن تنسى تنفيذها، وفى عهد المعزول كان المواطنون يبررون تلك الأزمة بعدة أسباب، أشهرها تهريب السولار لغزة، أما اليوم فما المبرر لانقطاع التيار الكهربائى المتكرر فى هذا الوقت الذى لا تعانى فيه الدولة من عبء زيادة الأحمال، وماذا ستفعل بعد عدة أسابيع عندما يهل علينا الصيف بحرارته! ما البدائل المتاحة الآن والتى يمكن تنفيذها فى فترة زمنية قصيرة لتعويض العجز فى الميجاوات. أزمة أخرى لم تستطع أى حكومة جاءت منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن التعامل معها بجدية، الباعة «المحتلون» الجائلون سابقاً، الذين يعيقون المرور جهارا نهارا، يحتلون الرصيف وأحيانا كثيرة الشارع، حتى أصبح الجزء المتاح لمرور الناس والسيارات عُشر مساحة الشارع والرصيف معاً فى مشهد يهيىء لنا أن الكثير من مناطق مصر أصبحت عشوائية، الكلمة الأولى والأخيرة فيها ل «الباعة» يأمرون فيُطاعون، وأمست الحكومة مكتفية بدور المتفرج، وأحيانا «المتسول» حينما تطلب منهم الالتزام بآداب الطريق، فقد أخذ القانون قيلولة وباتت الحكومات المتتالية منذ 25 يناير مشغولة، ليجد المواطن نفسه محصوراً بين الاثنين بلا حيلة سوى أن يصرف أموره بنفسه، أو يقبل بهذا الواقع السيىْ، لذا فلا يصح أن يكون هناك حديث عن فرض الأمن أو عودة هيبة الدولة ما لم يتم اتخاذ موقف حاسم وواضح تجاه هؤلاء «المحتلون» الذين عاشوا فى الشوارع بالقوة مسيطرين على مجرياتها دون وازع أو رابط. الحديث عن الأزمات ممتد وطويل ولكن الأهم منه الإشارة إلى أن هناك 20 وزيراً تم التجديد لهم، وبعيداً عن التطرق لموضوع دمج الوزارات التى أراها بلا عائد ملموس سوى زيادة العبء الملقى على عاتق الوزير الذى أصبح مسئولاً عن وزارتين وبالتالى تشتيت جهده وفكره بين الاثنين، يكون الأجدى التركيز على أن الوزراء القدامى يمتلكون ميزتين عن نظرائهم الجدد، الأولى، تجديد الثقة بهم بعد التأكد من كفاءتهم، الثانية، أنهم على دراية كاملة بكل مشكلات وزاراتهم نظراً للخبرة التى اكتسبوها طيلة فترة وجودهم فى حكومة «د. الببلاوى»، ومن ثم يصبح من غير المقبول تحت أى ظرف قبول أعذار عن أى تقصير فى أداء عمل أى منهم فلسنا فى وقت يسمح بالتهاون فقبول الوزير التكليف يعنى موافقته الكاملة على تحمل المسئولية عن وزارته، ليس هذا فقط بل لابد من تقديم كشف حساب عن الفترة السابقة وعن المهام التى تم إنجازها، والتى كانت السبب فى تجديد الثقة به مرة أخرى! أما بالنسبة للجدد فهم كمواطنين قبل أن يكونوا مسئولين عايشوا المشكلات ولمسوها بواقعية ولذا فعليهم إثبات استحقاقهم لمناصبهم، ويبقى تأكيد أن هذه الحكومة مطالبة بتحمل ما لا طاقة لها به، وأن «محلب» يحتاج إلى معجزة حقيقية تمكنه من تحقيق إنجاز يلمسه الناس! لكن أعضاءها وافقوا على التكليف وارتضوا العمل فى هذه الظروف الصعبة، مما يستلزم أن نطلق عليها فعلا لفظ حكومة مقاتلين وليس» تسيير أعمال» كسابقتها. الأزمات عسيرة، لكن يمكن أن تكون حلولها يسيرة، إذا تم إشراك المواطن فى الحل، وأولى خطواته، إعلان الحقائق الكاملة فيما يتعلق بأزمات الطاقة والدعم والتعليم والصحة.. إلخ. بالإضافة إلى عرض برنامج زمنى محدد يتم فيه توضيح خطوات العلاج، ولأن الطريق مهما طال فهو يبدأ بخطوة، لذا فلو كانت البداية صحيحة، يمكن أن تكون النهاية فى نفس النسق، لتكن تلك البداية لحكومة المهندس محلب، مغايرة لبدايات الحكومات السابقة. وإذا كان المواطن لا يملك إلا الأمل، فالحكومة تملك السلطة وأدواتها، وما عليها سوى القيام بعملها على الوجه الأمثل، فهل تستطيع تحقيق ما عجزت عنه حكومات سابقة؟، هذا ما ستخبرنا به الأيام المقبلة. لمزيد من مقالات عماد رحيم